يكتسي الموسم السنوي للمولى إدريس الأكبر بزرهون نوعا من التميز عن باقي المواسم بالمغرب٬ وذلك باعتبار الرأسمال الرمزي الذي يتوفر عليه هذا الموسم٬ كون الولي الصالح مولاي ادريس الأكبر٬ دفين جبل زرهون (34 كلم عن مكناس)٬ ينحدر من الدوحة النبوية الشريفة. فالموسم٬ الذي تعود بدايات الاحتفال به مع سيدي عبد القادر العلمي دفين المدينة العتيقة بمكناس وحفيد مولاي عبد السلام بن مشيش٬ يعد من أكبر المواسم في المغرب وأكثرها شهرة وامتدادا في الزمن سواء بالنظر إلى تاريخيته أو بالنسبة لتدبيره الراهن إذ يمتد طيلة شهر كامل وتحج إليه مختلف الزوايا والقبائل بالمغرب. يقول الأستاذ عبد الرحيم العطري٬ الباحث في علم الاجتماع٬ إن موسم مولاي إدريس الأكبر يكتسب مكانته وحيويته وشهرته من ضريح مولاي إدريس الأكبر سليل الدوحة النبوية الشريفة٬ مضيفا٬ في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء٬ أنه ليس هناك من موسم بدون سند روحي يتأسس على "الولاية والكرامة"٬ ومشددا في السياق ذاته٬ على ضرورة التمييز بين مواسم ذات إشعاع وطني قد يمتد تنظيمها طيلة شهر كامل وأخرى ذات إشعاع جهوي أو إقليمي محدود قد لا تتجاوز الأسبوع في أحسن الأحوال. ومن جهته٬ أكد عبد الرحمان بنبراهيم٬ الباحث في الثقافة الصوفية٬ أن القيمة الرمزية التي اكتسبها ضريح مولاي إدريس الأول آتية من كون هذا الأخير هو السلطان الفاتح مؤسس الدولة الإدريسية بمدينة زرهون التي اتخذها بعد سنة 788 ميلادية عاصمة لدولته٬ لتمثل بذلك عاصمة لأول دولة إسلامية بالمغرب مستقلة عن المشرق والتي أسسها على أسس دينية تعتبر امتدادا للخلافة الإسلامية الرشيدية التي سادت في المشرق الإسلامي. يقول الأستاذ العطري إن ما يميز هذا الموسم هو أن المولى ادريس الأكبر سليل الدوحة النبوية الشريفة مما يجعل من الموسم "مناسبة لتحيين بركة" هذا الولي الصالح وإعادة توزيعها من جديد سواء على زوار الضريح أو على من لم تسعفهم الظروف لزيارته٬ إذ على كل زائر أن يستقدم معه إلى عائلته وأصدقائه عند انتهاء مدة الموسم تلك "البركة" وتوزيعها عليهم. وإذا كان البعض ممن أصبحت زيارتهم لموسم المولى إدريس الأكبر جزءا أساسيا من نمط حياتهم طلبا للتبرك والتقرب إلى آل البيت٬ فإن البعض الآخر يحجون إليه ٬ يوضح الأستاذ العطري٬ طلبا لقضاء الأغراض وتحقيق المتمنيات٬ فيما يسعى آخرون إلى أخذ قسط من الراحة للتخفيف من الضغوط اليومية وبالتي الاستكانة إلى لحظات من الهدوء والصفاء والسكون. يجلب موسم مولاي إدريس الأكبر زوارا من زاويا متعددة (العلمية والعلوية والعيساوية والدرقاوية والحراقية والكتانية)٬ وكذا من قبائل من مختلف مناطق المغرب (بني مطيرالحاجب وعرب سايس وبني احسن وزمور الخميسات)٬ والذين يترددون عليه تقربا من آل البيت ولتقوية الزاد الروحي وطلب المغفرة والتوبة إلى الله تعالى. وعلاوة على كونه يشكل لحظة للتقرب من آل البيت٬ يشكل الموسم أيضا مناسبة للتدبير الجماعي وفض النزاعات والخلافات بين الأفراد والقبائل٬ وتوثيق العقود والمواثيق بين الأشخاص. وفضلا عن طابعه الروحي٬ يقوم الموسم بدور مهم في الحياة الاجتماعية والاقتصادية للمنطقة٬ فإذا كان البعض يجد في هذا الحدث مناسبة لصلة الرحم مع أقاربه وأصدقائه ومعارفه من جهات مختلفة٬ فإن البعض الآخر يستفيد من الرواج التجاري الذي ينشط خلال هذه الفترة بالمنطقة.فالموسم ينعش الحركة الاقتصادية أو ما يسمى ب"اقتصاد باروك" الزيارة حيث تنشط محلات بيع الهدايا المرتبطة بمفهوم "الباروك" من شموع وبخور وعطور وأدوات للتزيين. كما يعد موسم مولاي إدريس الأكبر مناسبة لإقامة حلقات للذكر والسماع والمديح والملحون والإنشاد٬ وكذا لتنظيم ندوات فكرية تجعل من هذا الموسم لحظة احتفالية وتثقيفية فارقة في الزمن المغربي. أحمد الكرمالي