يعود قسم من تأثير الفكر الوهابي على الحركة الإسلامية إلى كون قادتها كانوا يهوون مجّانية المطالعة ماهي الحركة الإسلامية بالمغرب الأكثر انتسابا إلى المذهب الوهابي؟ كانت جمعية الجماعة الإسلامية أكثر من غيرها اهتماما بابن تيمية وآرائه. وكما قلنا سابقا، كانت تلك من آثار الدّور الذي لعبه كلّ من مطيع وسرور وقبلهما الهلالي بشكل آخر. وقد حدث أن انفرزت ميولات الحركة ما بين اتجاه وهابي تقليدي خالص وما بين تيار الوهابية السياسية. وهؤلاء هم الذين استطاعوا أن يكسبوا الرهان. لأنّ الوهابية السياسية تملك إمكانات في التّدليس وهامشا للمناورة أكثر من الوهابية التقليدية. في نظرك وفي حدود معلوماتك كيف تأثر بنكيران، رئيس الحكومة، بالوهابية؟ تأثّر بنكيران تأثّرا بالغا بالدّعوة الوهابية. ومع أنه لم يحضر دروس تقي الدين الهلالي ولا أنه خالط الوهابية المشرقية، فقد كانت العشرين ليلة التي قضاها سرور في المغرب ومواصلته إمداد الساحة الإسلامية بالمنشورات الوهابية من دار الأرقم بالكويت أو من لندن، فضلا عن تأثير بعض الدعاة الذين توهّبوا وهم محسوبون على الحركة الإسلامية، كافية لتجعل من زعيم جمعية الجماعة الإسلامية آنذاك حامل مشعل الوهابية مع وقف التنفيذ. لكنها وهابية خاضعة للتّأثير ولكنها غير مرتهنة للمؤسسة الوهابية في المشرق.حدث هذا بسبب التّأثير الذي تركته منشورات الوهابية وكتبها التي كانت تفد على تنظيمه ومكتبته من المشرق العربي. كانت تلك المنشورات والكتب المبسّطة وكذا الأشرطة السمعية تروق لبنكيران الذي كان يهوى الخطابة بقدر ما كان مقلاّ في المطالعة. وكان هذا الأخير قد ساهم بنصيب وافر في نشر الكتاب الوهابي من خلال مكتبته بحيّ العكاري. ومن هنا جاءت جريدة حاتم الأولى(جريدة الإصلاح) تقليدا لمجلة الإصلاح الصادرة عن جمعية الإصلاح بالإمارات والتي تمثّل فرعا للإخوان المسلمين بالخليج ، كانت تصلهم إلى مقرّ جريدتهم بالرباط مثل مجلة المجتمع الكويتية ذات التوجّه الإخواني ؛ أعني الكويت حيث كانت توجد أيضا دار الأرقم للنشر والتوزيع التابعة لسرور. هل تأثر قادة الحركة الإسلامية بالوهابية كان نتيجة قناعات علمية أم هو متروك للصدفة، يعني التأثر بمن صادفوا أمامهم من كتاب؟ قد يعود قسم من تأثير الفكر الوهابي على الحركة الإسلامية إلى كون قادتها اليوم كانوا بالأمس يهوون مجّانية المطالعة ويكتفون بقراءة الكتاب الوهابي المجاني وتروقهم بساطة محتواه. فلو وصلتهم كتب أخرى لاتبعوها وكان وضعهم مختلفا. ينطبق على الحركة الإسلامية المغربية لا سيما في بعض تعبيراتها السلفية أنّها مصداق للخبر المعروف : كل إنسان يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجّسانه. فالأمر هنا على درجة من التّسوية. فالإنسان المغربي يومئذ كان على الفطرة وإنما الأفكار التي قادهم إليها آخر ما بين أيديهم من منشورات أو آخر ما صادفوا من الدعاة، هي من ساهمت في تحديد هويتهم الدينية. ومن هنا فإنّ رفض بنكيران ارتداء ربطة العنق التي قيل عنها الكثير، ليس ناجما عن نفوره من هذه التعقيدات كما يرى هو نفسه أو نظرا لشعبويته كما يرى خصومه. ربما كان الأمر مفهوما بالنسبة لكثير من أعضاء حكومته من تنظيمه الإسلامي ممن اقتضى الأمر منه تدريبا على فنّ الحياة وتكييف مظهرهم مع الوضع الجديد. فهؤلاء غلبت على أكثريتهم آثار البداوة أو الدروشة الدعوية والحرفشة الاجتماعية، لكن ما الذي يجعل بنكيران بن المدينة والميسور إلى حدّ ما لا يجيد لبس ربطة العنق؟ للأمر علاقة بخلفية بنكيران الدينية المتأثرة بتعاليم الوهابية وسلفية ابن تيمية، تلك التي تبدّع استعمال ربطة العنق والتّشبه بالكفّار. وهذا متعارف عليه عند من يحرّم ربطة العنق تحت هذا العنوان في مذاهب إسلامية كثيرة. فلا ننسى أن لباس بن كيران قبل دخول اللعبة السياسية هو الجلباب والدشداشة. فالسياسة هي التي خفّفت شيئا من لحى قادة الجماعة الإسلامية. وهذا ما عبّر به عن نفسه يوم أجاب محاوره في برنامج (Mais encore) ، حينما سأل مدير البرنامج حميد برادة بنكيران عن أي الشخصيات التي أثرت فيه، فأجاب : إنّه ابن القيم. فقد حاول أن يجعل من فكر بن القيم فكرا ديكارتيا رياضيا. وليس ابن القيم في نهاية المطاف سوى التلميذ النجيب لابن تيمية ومحيي مذهبه في العقيدة والفقه. ولم تكن إجابة بنكيران عن هذا السؤال الذّكي من قبل مدير البرنامج سوى محاولة للوقوف على الهوية الدينية الحقيقية لشخص كان في طور الاختبار للتأهيل إلى قيادة الحكومة. بل إنّها ذاتها الإجابة التي قدّمها ابن محمد بن عبد الوهاب حينما كتب مرّة يقول :" وعندنا أنّ الإمام ابن القيم وشيخه إماما حقّ من أهل السنة وكتبهما عندنا من أعزّ الكتب". ربما استطاع ابن محمد بن عبد الوهاب أن يردف ذكر ابن القيم بشيخه ابن تيمية، لكن زعيم البيجيدي حينئذ اكتفى بذكر التّلميذ وأخفى الشيخ، لأنّ المتلقّي الفرانكفوني لهذا البرنامج الذي يبث بالفرنسية قد يعرف من يكون ابن تيمية لكنه لن يعرف من يكون ابن القيم. وقد كان نقض ابن القيم على الأشعرية والصوفية والفقهاء. وهنا تبدو الدعوة غير المنقطعة لقادة البيجيدي حول تعزيز الهوية الدينية كلام فيه تدليس ومزايدة سياسية، لأنّ هذا التنظيم تربّى وتثقّف على الوهابية وحصل على تكوين ديني لم يحضر فيه الكتاب المالكي أو الأشعري مطلقا ، فضلا عن أنّ أبناء هذا التنظيم كانوا يصومون على الرؤية الوهابية للهلال، أي كانوا يصومون مع السعودية وليس مع المغرب. وكان بنكيران وهو يلقي دروسه كما كان يفعل دائما في أحد المساجد بسلا وغيرها يفتي سائليه من عوام النّاس من خلال فتاوى ابن تيمية؛ إذ لم يتحدّث عن رأي المالكية ولا الأشعرية. بل كان يتحدّث إلى عامة النّاس في المسجد عن شيخ الإسلام بن تيمية في فتاويه. ما هي مظاهر تشبع قادة الجماعة الإسلامية بالوهابية؟ لو لم يكن زعيم حاتم يومها رجل إنشاء وارتجال لصنّف في ابن تيمية كتبا تعزّز ما ذهبنا إليه. لكن قياديا آخر في الجماعة نفسها هو الدكتور سعد الدين العثماني كان في وقت لاحق قد ألف كتيّبا تحت عنوان : المشاركة السياسية في فقه شيخ الإسلام بن تيمية. يؤكّد هذا الأمر أنّ لا شيء يكتسب شرعيته في فكر الجماعة إلاّ أن يمضي عليه شيخ الإسلام. إنّ شكل المشاركة التي كان يرمي إليها القيادي في البيجيدي ووزير الخارجية تنطلق من أفكار بن تيمية. إنّ رفض بنكيران ارتداء ربطة العنق التي قيل عنها الكثير ليس ناجما عن نفوره من هذه التعقيدات ولكن لخلفيته الدينية المتأثرة بتعاليم الوهابية وسلفية ابن تيميةكانت جمعية الجماعة الإسلامية أكثر من غيرها اهتماما بابن تيمية وآرائه وكانت تلك من آثار الدّور الذي لعبه كلّ من مطيع وسرور وقبلهما الهلالي بشكل آخر