استقبل المغاربة سنة 2012، دون حكومة بنكيران التي أعلن عنها أكثر من خمس مرات، لتسقط بعدها مباشرة، وعاش المشهد المغربي حالة من الترقب، بسبب التصريحات المتناقضة لأحزاب الأغلبية التي استغلت تأخر الإعلان عن الحكومة المقبلة لتصفي حساباتها السياسية، خاصة حزبي العدالة والتنمية والاستقلال اللاعبان الرئيسيان في حكومة بنكيران. واستغربت مصادر متطابقة، الطريقة الكاريكاتورية التي تم التعامل بها مع مرحلة المفاوضات التي تسبق تشكيل الحكومة، والتي اتسمت بكثير من الغموض والارتباك الذي زكاه طريقة تعامل رئيس الحكومة المعين نفسه مع المرحلة السياسية الراهنة. وقالت المصادر، إن حلقة مصطفى الرميد الذي تم ترشيحه لوزارة العدل، كانت واحدة من حلقات هذا المسلسل الرديء الذي خلف وراءه كثيرا من الاستهجان، وأشارت المصادر، إلى أن القصر لم يتكلم منذ تعيين بنكيران رئيسا للحكومة، حيث اقتصر النقاش على طبيعة الحكومة المقبلة ونوعية الأسماء المرشحة للاستوزار، مبرزة أن كثيرا من الأسماء جرى تسريبها لأهداف خاصة إما من أجل فرضها على بنكيران، أو من أجل إبعادها بعد أن تكون قد احترقت في الساحة الإعلامية. وأوضحت المصادر ذاتها، أن أكثر الأحزاب معاناة من هذه الوضعية هو حزب الاستقلال حيث وجد عباس الفاسي نفسه في قلب عاصفة لم تهدأ شرارتها بعد، موضحة أن محسوبين على الأمين العام لحزب علال الفاسي، أعادوا بدورهم النظر في اختياراتهم، وتحولوا، ولو إلى حين، إلى الضفة المقابلة لعباس الفاسي، وذلك بعدما أحسوا ب"المقلب" الذي أعده لهم الأمين العام للحزب. وأوضحت المصادر، أن بعض الجهات عملت على خلط الأوراق، خصوصا من خلال الحديث عن احترام مقتضيات الدستور فيما يتعلق باقتراح وتعيين الوزراء، وأشارت المصادر ذاتها، إلى أن السلطة الوحيدة هي سلطة التعيين وذلك بمقتضى الدستور الجديد، الذي ينص على أن رئيس الحكومة يقترح التشكيلة الحكومية على القصر، والتي تحضى بثقة الملك، موضحة، أن الأمور تغيرت كثيرا ما بين عهد الملك الراحل الحسن الثاني، والملك محمد السادس، وقالت، إن الملك الراحل كان يطلب اقتراح ثلاثة أسماء يختار منها الأصلح والأكفأ، أما اليوم، فالأمر يتعلق بتشكيلة حكومية تعرض على الملك الذي يضع ملاحظاته عليها، وهي ملاحظات تهم الكفاءة المهنية بالدرجة الأولى، موضحة أن الاعتراض على تعيين وزير خارجية لا يتقن اللغة الإنجليزية هو اعتراض على الكفاءة وليس على الشخص نفسه، موضحة أنه لا يعقل تعيين وزير للخارجية سيحتاج إلى مترجم للتواصل مع الدول الأنجلو ساكسونية. وأضافت المصادر، أن الطريقة التي تمت بها معالجة الحالات التي تم التحفظ عليها كان فيها كثيرا من الافتراء، خصوصا من خلال الحديث عن سلطة الاقتراح، التي يملكها رئيس الحكومة، وهي سلطة وهمية لا وجود لها بمقتضى الدستور الجديد. وأوضحت المصادر، أن الارتباك الذي يعيشه المشهد السياسي اليوم هو بسبب إخراج المفاوضات الجارية من طابع السرية، مما غذى الإشاعات وجعل الحكومات تعين وتتهاوى في اليوم نفسه، محملة المسؤولية فيما يحدث لرئيس الحكومة، إذ قالت المصادر، إنه افتقد إلى أهم مكونات التفاوض وهي السرية، مشيرة إلى أن الأمور كادت تخرج عن السيطرة في كثير من المرات، بسبب حرب الاستوزار التي أشعلتها كثير من الأسماء خاصة في حزبي العدالة والتنمية والاستقلال، مشددة على أن المصالح الحزبية طغت على المصلحة العامة، حتى مع اعتماد حزب العدالة والتنمية على الديمقراطية الداخلية التي سلكها في اختيار وزرائه. وأشارت المصادر، إلى أن القصر لم تكن له أية خلافات مع رئيس الحكومة المعين خصوصا أن الدستور فصل في مسألة تعيين الحكومة، وقالت، إن اقتراح التشكيلة الحكومية هو بيد رئيس الحكومة بعد أن يتجاوز خلافاته السياسية والحزبية، مؤكدة، أن الملك يملك سلطة التعيين بعد أن يتوصل بهذه التشكيلة من رئيس الحكومة الذي عليه أن يستجيب لتحفظات القصر التي تتماشى مع مقتضيات الدستور الجديد.