تشير معظم المعطيات المتوافرة إلى أن سنوات الافتراق الرسمي الأردني عن حركة حماس وعن العلاقة معها قد قاربت على الانتهاء بحدود معينة، بعد سنوات من الجفاء الذي ترافق مع خروج قيادات حركة حماس الأولى من عمان بفعل قرار رسمي أردني صيف العام 1999. فاليوم، تبدو العلاقات الحمساوية مع الأردن قد دخلت في سكة جديدة، وقد باتت مندرجة في سياق سياسي لا يعني بالضرورة استبدال العلاقة مع حماس، بالعلاقة مع السلطة الفلسطينية وحركة فتح والمنظمة.فكيف نقرأ مسار ومستقبل العلاقات بين الأردن وحركة حماس على ضوء ما يجري من أحاديث عن قرب قيام رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل بزيارة العاصمة الأردنية (عمان) ولقاء العاهل الأردني...؟ بين التكتيكي والاستراتيجي ومن الواضح أن التطور الملحوظ في الموقف الأردني بالنسبة للعلاقة مع حركة حماس، برز مؤخراً من خلال عدة مؤشرات، قد تكون تكتيكية من جانب النظام في الأردن على ضوء التفاعلات الداخلية الجارية في البلد. فالبعض يذهب باتجاه القول بأن الغزل الأردني الرسمي مع حماس غزل « تكتيكي » له علاقة بمتطلبات المرحلة الحالية وليس ذا بعد استراتيجي، وكعمل وقائي أردني لإدارة الأزمة مع حركة حماس ليس أكثر ولا أقل، ولاحتواء نمط تفكير حركة حماس بعد أن أنجز أهدافه من مقاطعة الحركة بدءاً من العام 1999م.بينما يرى آخرون أن الأردن بات على قناعة بأن مقاطعة حركة حماس وتجاهلها أمر غير ممكن في ظل حضورها المؤثر في المعادلة الفلسطينية وانفتاح قوس اتصالاتها وعلاقاتها الاقليمية والدولية، وان العلاقة معها ولو بحدود ما أفضل من القطيعة نظراً لتأثير حضورها داخل الفلسطينيين في الأردن الذين يشكّلون غالبية السكان.وقد تكون الدوافع الأردنية لها علاقة بالانسداد الحاصل في مسار التسوية والمراوحة في المكان، وتعالي الأصوات « الإسرائيلية » الداعية لتبني خيارات « الحل الأردني » مع الفلسطينيين على حساب الأردن وعودة العزف على نغمة الوطن البديل. حيث يمكن لحركة حماس العمل والمساهمة بشكل فعّال بإعاقة أي مشروع للحل على حساب الأردن، الأمر الذي يرجح الوصول لترسيم علاقة استراتيجية أو تفاهمات مرحلية على أسس مشتركة بين الطرفين.ويمكن للمتابع أن يلحظ عدة مؤشرات على التحسن المحتمل المشار إليه في العلاقة بين الأردن وحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، ومن أبرز هذه المؤشرات استقبال رئيس الوزراء الأردني المكلف (عون الخصاونة) بمنزله في عمان لأحد قيادات حركة حماس وهو عضو المكتب السياسي محمد نزال، والاتصال الذي أجراه رئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل بالخصاونة لتهنئته بالمنصب الجديد، إضافة لتأكيد عضو المكتب السياسي لحركة حماس عزت الرشق عن التحضير الجاري لزيارة خالد مشعل للأردن، وترتيب لقاء عمل مشترك مع العاهل الأردني.ومع أن تلك الاتصالات ليست ذات دلالات قطعية بشأن إمكانية عودة الدفء للعلاقات بين حماس وعمان، إلا أنها تشي بوجود مناخ ايجابي، خصوصاً مع تواترها بين الطرفين ولو بشكل متقطع من حين لآخر، وهي اتصالات ساهمت بحدود ما في كسر جليد الماضي المتراكم في ملف العلاقات بين الطرفين منذ أن توقفت الاتصالات بينهما بعد أربع جولات حوارية عقدت في عمان قبل ثلاثة أعوام، بين وفد من المكتب السياسي لحركة حماس برئاسة عضو المكتب السياسي للحركة محمد نصر ووفد رسمي أردني برئاسة الفريق محمد الذهبي المدير السابق للمخابرات الأردنية. لكن المهم في الوقت الراهن أن الحوار والاتصالات بين حركة حماس والأردن خرج من الدائرة الأمنية المغلقة، وبدأ بالانتقال من الأطر الأمنية إلى نظيرتها السياسية، في محاولة التوصل إلى صيغة عمل مشترك جديدة تخدم الطرفين خلال الفترة القادمة. أسباب بعيدة وأسباب قريبة في هذا السياق، سعت حماس على الدوام لاستعادة أطيب العلاقات مع الأردن، ووضعت هذا الأمر في صدارة الأولويات، وعملت على شق حتى الطرق الالتفافية في السنوات الأخيرة لتذليل العقبات التي كانت تضعها بعض الأطراف في الجهات الأمنية الأردنية. وعليه، فان الرصانة التي حكمت أداء حركة حماس بالنسبة للعلاقة مع الأردن حتى في أحلك ظروف الأزمة بينهما خلال أكثر من عقد من الزمن، تركت انطباعات ايجابية لدى صناع القرار في عمان. فحركة حماس وان تلقت خطوة الإبعاد عام 1999 لأبرز قياداتها عن الساحة الأردنية، إلا أنها تمتعت بدرجة عالية من الوعي السياسي الذي مكنها من عدم الانزلاق نحو متاهات الردح السياسي أو التوتير مع الأردن، وهو ما أكسبها في الشارع تقديراً من قبل أوسع قطاعات العمل الحزبي والمؤسساتي وحتى في الشارع العام بين الناس.وبالطبع، فان عودة الانفتاح الأردني الرسمي ولو بحدود معينة مع حركة حماس، ما كان ليأتي لولا جملة من التطورات السياسية التي وقعت، ففي الجانب الهام من العلاقات الفلسطينية والأردنية، يتأتى ملف العلاقات بين حركة حماس والأردن على المستوى السياسي الرسمي انطلاقاً من الوزن الذي تمثله حركة حماس في المعادلة الفلسطينية على مختلف ساحات التواجد الفلسطيني وفي القلب من ذلك في الأردن. والأردن والحالة هذه ليس بوسعه أن يتجاهل وجود قطب آخر في المعادلة الفلسطينية لا يقل حضوراً ونفوذاً وتأثيراً عن حركة فتح. لذلك فان التداخلات والتشابكات والتأثيرات باتت أمراً لامفر منه بين حركة حماس والأردن لأكثر من سبب وجيه ومقنع، حيث فرضت هذه التداخلات نفسها برغبة الطرفين في إعادة ترتيب العلاقة المشتركة بعد القطيعة التي تمت منذ أغسطس 1999 وأبعد على أثرها أعضاء المكتب السياسي لحركة حماس من الأردن (خالد مشعل، موسى أبو مرزوق، عزت الرشق، سامي خاطر، محمد نزال) خاصة وأن هناك أوساطاً أردنية سياسية وإعلامية من داخل الجهات الرسمية الأردنية والمقربين منها، إضافة إلى الإخوان المسلمين، انتقدت منذ البداية القطيعة مع حركة حماس، واعتبرتها غير مبررة أبدا.وعليه، فالوقائع تقول إن الأردن بات على قناعة راسخة بأن المعادلة الفلسطينية محمولة على قطبين رئيسيين هما حركتي حماس وفتح، وأن القوى وباقي الفصائل الفلسطينية باتت ذات دور محدود كالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وحركة الجهاد الإسلامي وبعيدة عن التأثير الكبير في المعادلة والقرار. كما أن الأردن، بات يرى أن إمكانية عزل حماس دولياً تراجعت، وأن هناك أصواتا أوروبية تنبعث من حين لآخر، تدعو للتعاطي المباشر معها باعتبارها جزءاً أساسيا من مكونات النسيج السياسي والاجتماعي الفلسطيني حركة فتح وسواها. فالتطور في الموقف الأردني بات يترسخ مع قناعة تزداد الآن وفحواها بأنه ليس بمقدور أي طرف مهما كان حضوره أن يدعي قدرته على التأثير في مجرى الأحداث والتطورات الفلسطينية، وهو على قطيعة مع مكون فلسطيني رئيسي كحركتي فتح أو حماس.فالأردن استوعب بالضرورة اتساع الاتصالات العربية والإقليمية والدولية مع حركة حماس والتي بدأت عملياً منذ أكثر من ثلاثة أعوام بشكل مباشر أغلب الأحيان وبشكل غير مباشر في بعض الأحايين، وكان منها اللقاءات المتتالية مع الرئيس الديمقراطي الأميركي الأسبق جيمي كارتر، الذي كان قد حمل في أحد لقاءاته مع قيادة حركة حماس رسالة شفهية من الرئيس باراك أوباما إبان حملته الانتخابية للفوز بموقع الرئاسة في الولاياتالمتحدة. وفي تقدير مثير، يتجه البعض للقول إن الجهات الأردنية المعنية تسعى جاهدة لتجنيب نفسها رياح ثورات الربيع العربي على ضوء تفاقم الأوضاع في الأردن واستمرار الحراكات الدائرة في البلاد على مختلف المستويات، وتحاول القيام ببعض الخطوات الإصلاحية التي تستجيب جزئياً أو كلياً لمطالب المعارضة الأردنية التي تقودها جبهة العمل الإسلامي، ومن بين تلك المطالب التي يجري الحديث عنها من وراء الكواليس تأتي مسألة العلاقة مع حركة حماس وإعادة بناء العلاقات الرسمية معها بما في ذلك تواجد قيادات الحركة في الأردن بعد سنوات من إبعادها خارج الأردن.وفي هذا المسار التفاعلي من التطورات والأحداث، فان حركة حماس معنية ببذل أقصى الجهود لتعزيز حضورها السياسي والاجتماعي والتنظيمي في الأردن نظراً لموقع الأردن من القضية الفلسطينية، ولوجود هذا الخزان البشري الفلسطيني الكبير في الأردن حيث تعود أكثرية السكان لأصول فلسطينية لاجئة من فلسطين عام 1948، ونازحة عام 1967 إضافة لوجود العمق الفاعل والمتمثل بحضور جبهة العمل الإسلامي التي تعتبر أكبر القوى السياسية حضوراً وتأثيراً في الأردن، وترتبط مع حركة حماس بعلاقة التوائم.أخيراً، إن المستجدات المتوقعة في الحالة الفلسطينية، ووجود مناخ ايجابي على صعيد تحقيق المصالحة الفلسطينية على الأرض، وعودة بروز الدور المصري في تحقيق تلك المصالحة المنشودة، يشكّل عاملاً دافعاً قد يسهم في إسراع الأردن على توسيع مد خطوط الاتصال مع حركة حماس وإنهاء القطيعة معها.بقلم علي بدوان