لا شك أن حركة حماس قد استفادت كثيراً من زياراتها الثلاثة إلى موسكو، واستطاعت أن تخترق الحصار الأمريكي والأوروبي المفروض عليها، وأن تؤسس لانفتاحٍ أوروبي ودولي جديد، فروسيا دولةٌ قوية، وتتمتع بحق النقض الدولي الفيتو، وهي أحد أطراف الرباعية الدولية ، التي تحاول أن تفرض على حركة حماس شروطاً قاسية، وقد نجحت حركة حماس في توظيف هذه الزيارات ضمن جملة الانجازات الكبيرة التي تمكنت في السنوات الأخيرة التي تلت انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني من تحقيقها، وقد أحدثت الزيارة وقعاً كبيراً على المجتمع الدولي، وتسببت في ردودِ فعلٍ دولية مختلفة، إذ أبدت بعض الدول ومنها الولاياتالمتحدةالأمريكية اعتراضها على الزيارة، ولم تتحرج في توجيه اللوم إلى الكرملين، وقد تمنت على القيادة الروسية إلغاء الزيارة، وعدم الترحيب بقيادة حماس في موسكو، كما بذلت الدبلوماسية الإسرائيلية جهوداً كبيراً في ثني القيادة الروسية عن استقبالها لقيادة حركة حماس، وأبلغت موسكو انزعاجها الشديد لقيامها باستقبال قادة حركة حماس، وطالبتها إن لم تقم بإلغاء الزيارة أن تخفض من مستوى الاستقبال واللقاء، وكانت حركة حماس تدرك حجم الاعتراضات الدولية على قيامها بزيارة موسكو، وقد علمت أن السلطة الفلسطينية اعترضت بدورها، وطالبت روسيا بإلغاء الزيارة، وكانت من قبل قد نجحت في إقناع القيادة الروسية بتخفيض مستوى علاقاتها بحركة حماس، ولكن القيادة الروسية التي تتطلع إلى دورٍ محوري في عملية السلام، وتسعى للعودة إلى الشرق الأوسط ومناطق نفوذها القديمة، تصر على عدم الالتزام بالتعليمات والتوجهات السياسية الأمريكية، وترفض الوصف الأمريكي لحركة حماس بأنها إسلامية أصولية إرهابية، وتصر على أنها حركة سياسية تمثل قطاعاً كبيراً من أبناء الشعب الفلسطيني، وأنه لا يمكن تجاوز دورها وفعلها وأثرها في الشارع الفلسطيني، كما لا يمكن للمجتمع الدولي أن ينكر فوزها الحاسم في الانتخابات التشريعية الفلسطينية. ولعل حركة حماس في ظل الحصار الدولي المفروض عليها، في حاجةٍ إلى صوتٍ دولي كبير يدافع عنها، وينفي عنها صفة الإرهاب، ويشرع وجودها ودورها في المجتمع الفلسطيني، فإذا تصدرت روسيا للدفاع عن حركة حماس، فإن وقعه وأثره على المجتمع الدولي سيكون كبيراً، خاصة أن الكرملين يطالب المجتمع الدولي بضرورة دمج حركة حماس في العملية السياسية، ويحذره من مغبة وعواقب استبعاد حركة حماس، معتبراً أن استبعاد حركة حماس هو المشكلة، وليست المشكلة في وجود وفعالية حماس نفسها، ولعل حركة حماس تريد أن يفهم الغرب من خلال روسيا أنها حركة سياسية في المقام الأول، وإن كان الدين جزءاً أساسياً من أيديولوجيتها، إلا أن لها خطاباً سياسياً مستنيراً، ورؤىً وبرامج سياسية واقعية ومنطقية، وأنها ليست حركة إسلامية أصولية متشددة ومنغلقة على ذاتها، بل هي حركة سياسية منفتحة وقادرة على الحوار، وبناء التحالفات، وتجاوز المنعطفات السياسية. وحركة حماس ترفض أن يتعامل معها المجتمع الدولي بأنها حركة مارقة، وأنها لا تمثل قطاعاً واسعاً من الشعب الفلسطيني، وترفض أيضاً أن تحسب على تيارٍ عربي أو إسلامي بعينه، ولهذا تصر قيادتها على القيام بجولاتٍ عربية وإسلامية واسعة الطيف، إلا أن زيارتها إلى روسيا تختلف، إذ تعتبر خرقاً حقيقياً في جدار الحصار الدولي المفروض عليها، وتخفف كثيراً من حدة الحصار المضروب عليها وعلى قطاع غزة، وترى أن موسكو قادرة على بذل جهودها الدولية لرفع الحصار المفروض على سكان قطاع غزة، والتخفيف من المعاناة الكبيرة التي يعانيها السكان، وتتطلع حركة حماس إلى أن تقوم روسيا بتشجيع دول الاتحاد الأوروبي المترددة لفتح علاقات مباشرة معها، وتقنعها أن الانفتاح على حركة حماس يخدم كثيراً الاستقرار في المجتمع الدولي، وأن إقصاءها وفرض الحصار عليها، وإنكار دورها وجمهورها، ينعكس سلباً على العملية السياسية، ولا يخدم الأجندة الأوروبية المنساقة وراء التوجيهات والتعليمات الأمريكية، وتتطلع حماس إلى قيام روسيا بالتخفيف من شروط الرباعية الدولية، التي تحول شروطها دون رفع الحصار المفروض عليها وعلى أهل غزة، والتي تقف حجر عثرة أمام مسيرة الحوار الوطني الفلسطيني، حيث تضع السلطة الفلسطينية أمام حماس شرط الاعتراف بشروط الرباعية لإتمام المصالحة الداخلية الفلسطينية، ولكن حماس ترى أن بإمكان روسيا أن تتمم دور مصر، وأن تمارس ضغوطاً على السلطة الفلسطينية، وأن تزيل العقبات التي تعترض الحوار، خاصةً تلك المتعلقة بشروط الرباعية، وقد تنجح روسيا فيما عجز عن فعله دولٌ عربية وإسلامية. ولعل حركة حماس تطمح في الحصول من روسيا إلى جانب الدعم السياسي، على دعمٍ مالي لها، أو للحكومة الفلسطينية في قطاع غزة، ولعل خطوةً روسية بهذا الاتجاه تدفع الكثير من الدول العربية وغيرها، إلى تقديم المساعدات المادية المباشرة إلى حركة حماس، وإلى القيام بمشاريع اقتصادية في قطاع غزة لتحسين أوضاع السكان الاقتصادية والاجتماعية، والتي تدهورت كثيراً بفعل الحصار والعدوان الإسرائيلي الأخير عليه. ومع أن حركة حماس قد نجحت كثيراً في توظيف زيارتها الأخيرة والزيارات التي سبقت، إلا أن موسكو تستفيد كثيراً من الانفتاح على حركة حماس، فهي تريد العودة بفعالية إلى منطقة الشرق الأوسط من خلال حركة حماس الفاعلة والمؤثرة في مجمل العملية السلمية، والمؤثرة كثيراً في تشكيل العلاقات الدولية، والتي لا يستطيع لاعبٌ دولي أن يتجاوزها، حيث تريد روسيا من المجتمع الدولي أن يدرك مدى تأثير الكرملين على حركة حماس، وأن في مقدور روسيا أن تكون جسراً بين حماس ودول أوروبا، وأن تلعب دور الوساطة بينها وبين حركة حماس، وهذا الأمر من شأنه أن يشكل نجاحاً للدبلوماسية والسياسة الروسية المنفتحة في مواجهة سياسة العزل الأمريكية، وهذا يعني أن أي محاولة لإعادة تشكيل العلاقات الدولية يجب ألا تتم بمنأى عن روسيا، التي باتت ترفض نظام القطب الواحد، وترفض تفرد الولاياتالمتحدةالأمريكية في رسم خارطة السياسات الدولية، وتتطلع إلى عودة التوازن العالمي من خلال نظام الثنائية القطبية، أو نظام تعدد الأقطاب. ولعل روسيا ترغب من انفتاحها على حركة حماس، أن ترد على إسرائيل التي تآمرت عليها في حربها الأخيرة في جورجيا، والتي تسببت كثيراً في تدهور العلاقات الروسية الإسرائيلية، والتي لم تتحسن حتى بعد فوز اليميني الروسي الأصل أفيغودور ليبرمان، والذي استطاع أن يحصد أصوات اليهود الروس في إسرائيل. ولا شك أن روسيا تسعى من خلال علاقةٍ مميزة مع حركة حماس، إلى تعديل صورتها لدى العالمين العربي والإسلامي، التي تشوهت كثيراً بفعل حربها في الشيشان، فروسيا تعرف تماماً مكانة حركة حماس لدى العالمين العربي والإسلامي، وأنها تحوز على حب وثقة العرب والمسلمين في كل مكان، وأن أي علاقةٍ لها إيجابية مع حركة حماس، فإنها ستنعكس عليها إيجاباً فيما يتعلق بمشاكلها الداخلية، فحماس تتمتع بمانةٍ ورمزية عالية لدى مختلف الحركات الإسلامية في العالم. ولعل الملف الداخلي الفلسطيني هو أكثر ما كان يقلق القيادة الروسية، التي تبدي حرصاً كبيراً على ضرورة إتمام المصالحة الفلسطينية، وإن كانت تحرص على تعزيز دور وقوة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، الذي تربطه بروسيا علاقاتٍ شخصية قديمة ووثيقة، وقد لاحظت موسكو أن مصر والوسطاء العرب الآخرين قد عجزوا عن التوصل إلى صيغة تفاهم مشتركة بين حركتي حماس وفتح، لذا فإنها واعتماداً منها على علاقاتها التاريخية بحركة فتح، فقد رأت أنها تستطيع أن ترأب الصدع بين الطرفين، خاصةً أن لحركة حماس رغبة كبيرة في استثمار علاقاتها بروسيا، واستخدامها نقطة انطلاق وعبور نحو علاقاتٍ دولية أخرى، تساهم في رفع وفك العزلة المفروضة عليها، الأمر الذي يوفر لجهودها ووساطتها حظوظاً كبيرة من النجاح. ولكن يبدو أنه من المستبعد أن تقوم روسيا بمحاولة فرض شروط الرباعية على حركة حماس، رغم أنها لن تنجح في ذلك لو حاولت، كما أنها لن تطلب من حركة حماس الاعتراف بالدولة الإسرائيلية، كونها تدرك تماماً أن حركة حماس لن تقدم على هذه الخطوة، علماً أن الولاياتالمتحدةالأمريكية بعد أن فشلت في ثني الكرملين عن استقباله قيادة حركة حماس، قد طلبت من روسيا أن تقوم بهذه المهمة، وأن تحاول أن تفرض على حركة حماس شروط الرباعية الدولية، والتي تعني اعترافاً بالدولة العبرية، وأن تطالبها بنبذ العنف، والاعتراف بمجمل الاتفاقيات الدولية. ترى هل تتمكن حركة حماس من بناء تحالفٍ قوي من روسيا، يهدد علاقات إسرائيل بروسيا، ويفرض على المجتمع الدولي ضرورة الاعتراف بحركة حماس وشريعة مقاومتها، والتسليم بدورها وثقلها في الشارع الفلسطيني، وهي التي تتكئ إلى جدارٍ مكين من التأييد الشعبي العربي والإسلامي، فضلاً عن التأييد الشعبي الفلسطيني لها في الوطن والشتات، وهل ستقوم روسيا بمحاولة شطب صفة الإرهاب عن حركة حماس، التي تحاول الولاياتالمتحدةالأمريكية وإسرائيل إلصاقها بها، وهل تنجح حركة حماس في اقناع روسيا ببرنامجها السياسي، كمقدمة لترويجه وتمريره لدى الدول الأوروبية، وأنها ستتمكن من بدء جولة زياراتٍ دولية، أم أن روسيا ستتمكن من تليين مواقف حماس، وصبغ برامجها السياسية بالبراغماتية والواقعية، وإضفاء بعض المرونة عليها، وأنها ستنجح في جرها إلى مربع "الشرعية الدولية"، والذي يعني التسليم بشروط الرباعية، والاعتراف بشرعية الدولة العبرية. لشبونة في 13/2/2010