قد لا يكون لك أدنى إلمام بالمجال السياسي وبالكيفية التي تدار بها اللعبة السياسية، لكن عندما تسمع وتشاهد وتقرأ عن أمور السياسة في بلدنا لا شك سيثير انتباهك هذا الحراك السياسي الحالي، والذي قد ننظر إليه من زوايا متباينة، فنجد من سيعتبر هذا الأمر واقعا في صلب التحول الديموقراطي ودليل على توطيد دعائم الديموقراطية، كما نجد من سيذهب إلى وصف هذه الامر بالفوضى العارمة وكفى، وهناك وهناك وهناك ... لكن إذا ما أمعنا النظر واستحضرنا الماضي وأخدنا بعين الاعتبار متطلبات حاضر ومستقبل ببلدنا، سنقول حتما إن اللعبة السياسية عندنا مريضة بمرض التخلف العضال الذي يشبه السرطان وقد تمكن داءه في أعضاء الجسد، فأضحت دون وظيفة سوى نقل المرض إلى الأطراف الأخرى، مما يستلزم بترها حتى يحد من اتشار المرض. لقد أثبت الماضي أن اللعبين المهرة في اللعبة السياسية ببلدنا الحبيب يجيدون عرقلة الخصم بكل أنواع طرق العرقلة، ولا يحسنون التسجيل بسبب عدم التركيز والقدف العشوائي من بعيد، ولا يستثنى أي حزب سياسي من هذا الحكم، فهل ستشهر الورقة الحمراء لأن العرقلة هذه المرة كانت واضحة ومن الخلف؟؟؟ يستبعد ذلك طبعا !!! الحاضر والمستقبل لبلدنا لا يحتمل مثل هذا الصراع البزنطي والتناحر الأفقي، لأنك بالأمس كنت قد فعلت ما فعلت واليوم أنت تفعل ما تفعل وغدا سيأتي دورك لتكون الفاعل، ومن عرقلته اليوم سيعرقلك غدا، وهكذا دواليك، لكن من المستفيد؟؟ !! لا نتهم أحد في وطنيته لكن روح المواطنة تلزم اللعبين جميعا الدفع بالعجلة إلى الأمام، فمبدأ الكياسة في السياسة يفرض التعامل مع الخصم بمبدأ المباراة الصفرية بحيث تخرج دون أن تشعر منافسك بإنتصارك عليه.. وانت في نفس الوقت فائز عليه. فأمام الجمهور لست الفائز ولكنك بالدبلوماسية والحوار الهادىء أصبحت الفائز. إن الدول المتقدمة قد بلغت ما يلغته من ازدهار بربط السياسة بالكياسة، بإيجاد الحلول التفاوضية والدبلوماسية للوصول لماذا ترمى إليه ولكن دون ضجيج. فإن كان ادعاء كل أحزابنا السياسية هو تحقيق التقدم والازدهار، فلماذا هذا اللغط ولماذا الأخذ دون الرد لماذا التعصب والتصلب، لماذا النفاق السياسي واليبلوماسي... لماذا لا نراعي مصلحة الوطن والمواطن، لماذا لا نخدم بلدنا بجد، ممن تخشى إن أسعفت هذا أوذاك لانجاح تجربته. التقدم والازدهار يا معشر الساسة دون كياسة يأتي عبر تراكمات من الاصلاحات المثقنة والمخطط لها بإحكام، لا أن يأتي أحد فيبني والآخر يهدم أو أن نبني بناء واهيا. لذلك من بنى فليحسن البناء ومن أراد أن يبني فليستشر. وما خاب من استشار. وعموما وفي ظل الركود والجمود الذي تعيشه وتيرة الاصلاح، لا شك أن نهاية المقابلة قد أوشكت وهي الان الوقت الميت، فحكم المقابلة ينظر إلى عداده، وربما سنسمع صفيرته بعدما أمهل اللاعبين إلى أن تخرج الكورة من الملعب.