استطاع الريف عبر سنوات طوال أن يبصم تاريخ المغرب بأسماء متعددة في عدة مجالات منها الرياضة و الفن و الادب والمسرح و السياسة، أسماء استطاعت ان تشق طريقها نحو النجاح فقط بالإعتماد على إمكانياتها الفكرية و الذاتية للوصول إلى تقلد أعلى المراتب و المناصب، من بين هذه الأسماء يبرز إسم عبد الوهاب بلوقي السفير المغربي من أصول ريفية الذي تجول بين عواصم دول عدة، نشيطا في التعريف بإمكانيات المغرب الغني بهويته و ثقافته. “العلم” التقته في جلسة قصيرة و حوارمفتوح لتسليط الضوء على مسار الرجل. لماذا اخترت مهنة رجل دبلوماسي؟ اخترت مهنة الدبلوماسية لأنها مهنة ليس فيها ملل وتسمح بالتعرف على ثقافات دول مختلفة بتقاليدها وسياستها وحضارتها و أعتبر أن هذه المهنة بحكم الإحتكاك مع شعوب يختلفون عني في اللغة و العادات تساعد على الإنفتاح على الآخر والتشبع بقيم الحوار والتسامح وقبول الاختلاف و النقاش مع احترام الخصوصيات المحلية للبلد المضيف. كما أحاول خلال مزاولة مهنتي الإسهام في تقريب بلدي من البلدان التي عملت فيها وتقوية العلاقات معها والدفاع على مصالحه والسهر عن مصالح المواطنين المغاربة المقيمين به. هل تعتقد أن الدبلوماسية ثقافة سياسية أم فطرة؟ الدبلوماسية علم وفن و أخلاق و احترام للآخر. قد يكون البعض لهم مواهب فطرية، لكن الدبلوماسية تصقل شخصيتهم بالممارسة و المثابرة و المتابعة و القراءة الكثيرة، و تعلم اللغات و الإطلاع على الملفات بعمق و جدية. فالدبلوماسي يجب أن تتوفر فيه مواصفات خاصة كالعلاقات الإنسانية الراقية و الأخلاق و السلوك الطيب و القدرة على الاقناع، لأنه واجهة بلده و نموذج مشرف له.فالاستعداد الفطري غير كاف لوحده لتكوين دبلوماسي ناجح. ما الفرق بين العمل الدبلوماسي و العمل السياسي؟ يعرف الخبراء الدبلوماسية بعملية سياسية تستخدمها الدولة في تنفيذ سياستها الخارجية”. إذن العمل السياسي يساهم في تحديد مواقف الدولة، سواء مورس في الحكومة أو البرلمان أو حتى الأحزاب السياسية. و الدولة تحدد مواقفها على ضوء أفكار تستمدها من الأوساط الحكومية و غير الحكومية و الموقف النهائي، الذي تحدده السلطة العليا في الدولة يدافع عنه خارجيا، الدبلوماسي بلباقته و كياسته و أسلوبه الخاص و علاقاته و فكره وهي عناصر تقوي موقع البلد الذي يمثله. فالعمل الدبلوماسي يأتي بعد العمل السياسي، و السياسة الخارجية هي امتداد للسياسة الداخلية لأي بلد. و يقال أن: “الدبلوماسية بنت السياسة”. ومن جهة أخرى، الدبلوماسية تعتبر المرجع الذي يعتمد عليه صناع القرار لتحليل و قراءة الأزمات، و اقتراح الحلول المناسبة لها. و السياسة تعني الخطة المقرر إتباعها بين دولتين أو أكثر، في حين أن الدبلوماسي يعمل على تنفيذها بطرق و أساليب خاصة. بذلك نعتبر الدبلوماسي أداة تنفيذ السياسة الخارجية لبلده بالطرق المتاحة قانونا. من خلال تجربتك و مسارك المهني هل هناك دولة سهلة التعامل وأخرى لا على الواجهة الدبلوماسية؟ من الأكيد أن بعض الدول يسهل التعامل معها و أخرى يصعب التعامل معها. أظن أنه يجب الإدراك و الإلمام بمصالح و أسس و مبررات المواقف التي تتخذها أي دولة، و محاولة فهم تصرفاتها و تقييمها و التعامل معها كما هي و بدقة تامة و متناهية وفق المعطيات المتوفرة، و ليس كما نريد أن تكون. و الدبلوماسية هي أن تجعل من المستحيل ممكنا، و يجب على الدبلوماسي في كل الأحوال ضبط النفس أمام أي عوامل للإستفزاز و الإثارة. كما أن الدبلوماسية لا ينبغي أن تتراجع أمام أعقد المواقف و أصعب الأوضاع، و إلا فسوف تفقد مبرر وجودها . الدبلوماسي الناجح لا يصر على الحصول على المستحيل فيخسر الممكن و الواقعي طالما لا يتعارض مع الثوابت. ماهي أصعب المواقف التي يمكن أن يمر منها الدبلوماسي؟ أصعب المواقف هي عندما يعمل في بلد تربطه ببلده علاقات فاترة غير طبيعية و متذبذبة ، أو عندما يكون في بلد فتحصل أزمة مفاجئة تؤدي إلى قطع العلاقات الدبلوماسية، أو عندما يعتبر شخصا غير مرغوب فيه، و يطلب منه مغادرة بلد الاعتماد بسرعة. ولا يجب أن ننسى أيضا الدبلوماسي الذي يعمل في بلد ينعدم فيه الأمن و الاستقرار و السلم. وقد يكون الدبلوماسي أيضا في موقع حرج إذا ما خالف، عن غير قصد، قواعد البروتوكول و المراسم و الإتيكيت مع المسؤولين في بلد الاعتماد أو مع زملائه الدبلوماسيين الآخرين. مدينة عملت بها و تركت بصماتها في ذاكرتك؟ مدينة نيويورك لأنها مدينة تنبض بالحيوية الفكرية و الثقافية و الفنية و تمتاز بسحرها أثناء الليل، لأنها لا تنام، و تعتبر مدرسة لساكنتها نظرا لديناميكيتها و نشاط سكانها و معالمها و خدماتها المثلى و التظاهرات المختلفة التي تعلمت منها الكثير. لكن لا أحتفظ بصداقات كثيرة هناك و لا أريد أن يعيش أولادي هناك. نعم أحب نيويورك لأعيش فيها فترة من حياتي فقط، و أظن أن ما تعلمته من خلال إقامتي بنيويورك خلال ثماني سنوات تقريبا، ساعدني على فهم كثير من الأمور في المدن الأخرى التي أقمت فيها أو زرتها. و لهذا ، كانت فاجعة كبيرة بالنسبة لي أحداث 11 سبتمبر 2001، لأنني كثيرا ما زرت بنايات”التوينز” وصعدت فوقها و أكلت في مطاعمها و تجولت فيها و في محيطها. هل الدبلوماسية بالنسبة لك أسلوب حياة انعكس على تعاملك مع محيطك؟ بعد ممارسة العمل الدبلوماسي خلال ثلاثين سنة تقريبا، فمن الأكيد أنني اكتسبت بعض الخصائص و الصفات في الشعور و اللاشعور تجعلني أتصرف بطريقة خاصة مع الناس سواء في مكان عملي أو مع عامة الناس. فنعم، هو أسلوب حياة، و عندما أحتك بشخص لا يتعامل بأسلوب لائق، أنفر منه. في بعض المرات أتفهم بعض المواقف، لكن ليس دائما. الرجل الدبلوماسي أو المرأة الدبلوماسية لا علاقة لهذه الميزة بالثقافة أو العلم أو التكوين، و إنما بالأخلاق و التربية. الأمي قد يكون أكثر دبلوماسية في تعامله اليومي من بعض الدبلوماسيين المحترفين نظرا لفطرته و امتلاكه لأدبيات التعامل الإيجابي. من هو عبد الوهاب بلوقي؟ يشغل السيد عبد الوهاب بلوقي السفير مهمة مدير التشريفات بوزارة الشؤون الخارجية و التعاون. كما سبق أن تقلد منصب سفير بمجموعة من الدول كسوريا سنة 2003 والنرويج سنة 2001 و العراق سنة 1996 ولد السيد بلوقي سنة 1954 بالحسيمة له 4 أولاد، تابع دراسته الإبتدائية والثانوية بمسقط رأسه. حاصل على الإجازة في العلوم السياسية سنة 1976 بالرباط.والتحق بالوزارة سنة 1976 لينخرط بكل حماس في سلك الدبلوماسية المغربية.