في مثل هذه الأيام منذ سنتين خلتا ، وفي بحر شهرٍ تعلّقَ في المخيال العالمي بالكذب ، بذرت أول بذرة في بطن حياض افتراضية ولجتُ ماءها غير آبه بالبحث والسؤال عمن يسقي ومن يستقي منها ، ومن يرِد ماءها من كائنات تفاعلية أو الكترونية تفعل وتنفعل ... ترى أكان كذبا ما أفاض حبْرَنا يومها حين قرأنا رد الدكتورة حسناء أبوزيد على بعض محترفي " كراء الحنك " بمقالها المشهور : " الشغَب ليس صحراويا " ، والضحية يومها شاب ليس "انفصاليا " ،وإنما ذُبح غدرا قربانا لتقريب الجامعة ووقف الفاجعة !. ما أشبه الليلة بالبارحة ، فقد صرخت الدكتورة حسناء تحت قبة البرلمان مرة أخرى هذه الأيام : كلامنا لفظ صريح لا كذب ، ليس نشازا ولن يبرأ منه عقلاء الحزْب !، أم أنكم تعلنون الحرب على كل من صدح بالحق اللاحِب ، وتمدحون من يمضغ الكذب !، لأن أصدق الكلام عندكم أعذبه ، وأعذبه أكذبُه ، ألم تقل العرب : " اتبع أمر مبكياتك لا أمر مضحكاتك !". قد لا تمدُّني مِزْودتي اللغوية بعبارة عزاءٍ أجمل من كلام جمال الدين الأفغاني ، وقد وجّه وأدّب وأنَّبَ وغضبَ ، ثم قال : " قل كلمتك وامش " ، فالدهر خير مؤدب ، ومن لا يسمع نصحك لمَ تؤذبْهُ وتذْهبْ صوتك عليه صرَخات ؟؟,,, إذا لم تجعل نفسك كبنْت الجبل ، كما يُقال تَقُلْ ،فارحل ، فانك استثناء ونشاز ، وهذه أخف التهم ، أما أعلاها فذاك : برلماني انفصالي !. خبر أوحى به ابليس –ربما- إلى هسبريس!، ولن يغنيك في دفع التهم أن تزعم أنك سليل بيت عنَى مثله الشاعر وتغنّى : نحن الكواكب في الظلام الحِنْدِسِِ1 /// حيث انتهينا ثَمَّ صدرُ المجلس إن يذهب الدهر الخَؤونُ بِوَفْرِنا ** عنَّا فلم يذهب بِعزّ الأنفس2 !. حنانيْك إن بعض الوهمِ إثمٌ ، و إن بعض الظن وهمٌ ، و إنما تُذْهبُ الأيام قوافل الأوهام ، و من تخفّى بسرْبال الزمان لا محالة عريان ( اللي مدَّركْ بْ ليَّام عريان)، وقد تعرّت بعض الأقلام من النبل و الشجاعة فسبَّت من وراء حجاب فلانا ، وعرّضت بعِلاّن ، وجرّحت تَرْتان ، وتحرشت و حرّضت ضد هذا ، و ولغت في عِرْض ذاك ضاربة عرض الحائط بالبينة والدليل ، و قادت الحرب الضروس لاقتلاع أضراس وإحلال أفراس لتركب صهوتها ، وسكتت عن أحلاسِ فساد وكساد ، و لقد حيرّني أنا الكاتب صاحب العمود المعمّد بالحبر والورق ، أمرُ هذا المنبر الذي أسلم له القلمُ القيادَ لمّا أنِسَ منه نشر ما يخُطُّه دون نقص أو زيادة ، خلافا لمنابر أخرى ... ، لماذا أصر على النفخ في كِير القبليّة ، وفتح النار على بعضنا ، ناسيا أو متناسيا أن يدَنا منّا وإن شلّت ، وانفنا منّا وإن كانَ أذَنّ ( أي يسيل ,,)، وأن القذف بغير دليل ثابتٍ أو إقرار لا يستقيم جهارا فكيف من وراء اسم مستعار ؟, وازدادت الحيرة شدة حين طفا على سطح بعض المواقع اسم من لم أكن أعرفه مديرا أو مدبّرا للمنبر المشتهِر ، وانتظرت صدور بيان حسب الموعود ,,,ولم يصدر بعدُ ، فقلت في نفسي : لو كنت أعلم أن البحر عميق ما أبحرت !. لم أبحرت ؟ ، لم كتبت ؟ أبحرت ، لأن الحبر ضاقت به الدواة كما ضاقت بنا الدنيا بما رحبت من فرط الإحساس بهدْر بعض حقوقنا المشروعة في أن نلج معاهد الإعلام والجامعات و مراكز التكوين بمختلف تخصصاتها على ارض الصحراء التي نتنسم هواءها ونكتوي بحرّ رمضائها ,,,, أبحرت ، لأن الزمان زمان الإبحار في عوالم فسيحة من التواصل الالكتروني ، والانترنت والتكنولوجيا كالشمس لا تنتظر أحدا ، لكني توسمت في المنابر التي أبث من خلالها آرائي التي أتحمل مسؤوليتها ، ولست معنيّا بما عداها ، أن تعلو عن الحسابات الضيقة ، وأن ترفع من شأن الخبر اليقين ، فلا شيء أسمى من الحقيقة ، وان تدخل باب الإعلام من مداخل الحِرَفية والمهنية بالتعاقد مع القارئ تعاقدا شفافا يكشف عن أسماء المحررين والمراسلين و المدبرين والمسيرين تحملا للمسؤولية و تسَنُّما للمصداقية . ولقد قررت وقف الإبحار حتى يُسفر النهار ، و تكتسب هذه المنابر رهان المسؤولية والشفافية ، فلا أسهل اليوم من أن تؤسس موقعا للدفاع باسم مستعار عن زيد أو عمرو، وقد اقترح علي احد رواد السخرية أن نسمي موقعنا في المستقبل القريب : " كلب بريس " ، يختص بالرد على النباح بمثله ! لا تستهجنوا الفكرة ، فقد قالت معاجم العرب : نبحتني كلابك أي بلغتني شتائمك ! موقع كلب بريس ، لن يسب بني كلب ولا بني ذئب ، ولكنه ، سيكون أوفى للمصداقية وأقرب لنقلِ الحقيقة من الكلب في وفائه ... موقع كلب بريس ، بديلٌ عن الغضب الذي يفجر كوامن الخير والشر ، و دليلك إلى الشهرة التي اكتسبها بعض تجار الكذب ووكلاء حرب الكلام بلا سبب ، منهم من تشفّى حين سمع أن بدّي توقف ، وان طالب المنصب السامي لم يوفَّق، فهشّ في وجهه أحد الحكماء قائلا : هذا أشْ فيه من طَبْ لْفْرَارِي لْبْلِيسْ ؟. لو دامت لغير صاحبك ما وصلت إليه!. 1 الحِنْدِسُ الليلُ الشديد الظلمة – يرجع إلى المعجم: المعجم الوسيط - 2 السوسي، محمد المختار، المعسول، ج.10 ص 169