الرباط .. لقاء تواصلي لتقديم المضامين الرئيسية لمقترحات مراجعة مدونة الأسرة    أزمة عميقة في شباب بلوزداد بعد "سداسية" الأهلي: اشتباك بين نجم الفريق ومدربه    المغرب فكك 123 شبكة إجرامية تنشط في الهجرة السرية خلال سنة 2024    حصيلة: العقوبات التأديبية بحق موظفي الأمن الوطني تراجعت ب50 في المائة هذا العام    اليوم في برنامج "مدارات" بالإذاعة الوطنية : البحاثة محمد الفاسي : مؤرخ الأدب والفنون ومحقق التراث            احتفالا بالصناعة التقليدية المغربية.. حفل انطلاق النسخة الثانية من برنامج" الكنوز الحرفية المغربية"    الفصائل السورية تتفق مع أحمد الشرع على حل نفسها والاندماج مع وزارة الدفاع    التوفيق يقدم رؤية عميقة حول العلاقة التي تجمع إمارة المؤمنين بالعلماء ويُبرز آليات إصدار الفتوى في حالة مدونة الأسرة    تفاصيل الاجتماع الأول لفدرالية الصحافة الرياضية بالمغرب    النسخة الرابعة للألعاب الوطنية للمجندين بالفوج 39 للقوات المسلحة الملكية بجرسيف        الشبكة الدفاع عن الحق في الصحة تدعو إلى التصدي للإعلانات المضللة    توقيع اتفاقية بين المجلس الأعلى للتربية والتكوين ووزارة الانتقال الرقمي    يوسف النصيري يرفض عرض النصر السعودي            "أفريقيا" تطلق منصة لحملة المشاريع    مجلس الحكومة يتدارس أربعة مشاريع مراسيم    الملك يشيد بالعلاقات الأخوية مع ليبيا    إلغاء التعصيب ونسب الولد خارج الزواج.. التوفيق يكشف عن بدائل العلماء في مسائل تخالف الشرع ضمن تعديلات مدونة الأسرة    أول دواء مستخلص من «الكيف» سيسوق في النصف الأول من 2025    أ. الدشيرة يفوت على ا. يعقوب المنصور فرصة الارتقاء للصدارة    السكوري: القانون التنظيمي يراهن على منع المشغلين من "شراء الإضراب"    ما أسباب ارتفاع معدل ضربات القلب في فترات الراحة؟    الإصابة بالسرطان في أنسجة الكلى .. الأسباب والأعراض    نظرية جديدة تفسر آلية تخزين الذكريات في أدمغة البشر    تركيا: مقتل 12 شخصا على الأقل في انفجار في مصنع ذخيرة    برقية تعزية من الملك محمد السادس إلى أفراد أسرة المرحوم الفنان محمد الخلفي            مستشار الأمن القومي بجمهورية العراق يجدد موقف بلاده الداعم للوحدة الترابية للمغرب        الإعلان عن تشكيلة الحكومة الفرنسية الجديدة    عودة نحو 25 ألف سوري إلى بلدهم منذ سقوط نظام الأسد    العصبة تكشف عن مواعيد مباريات الجولة ال17 من البطولة الاحترافية    "فيفبرو" يعارض تعديلات "فيفا" المؤقتة في لوائح الانتقالات    الصين تكشف عن مخطط جديد لتطوير اقتصاد الارتفاعات المنخفضة    مختص في النظم الصحية يوضح أسباب انتشار مرض الحصبة بالمغرب    وعكة تدخل بيل كلينتون إلى المستشفى    "بيت الشعر" يقدم "أنطولوجيا الزجل"    موظف بالمحكمة الابتدائية بطنجة خلف القضبان بتهمة النصب وانتحال صفة    المغرب يشارك في أشغال الدورة الأولى لمجلس وزراء الأمن السيبراني العرب بالرياض    اختطاف المخيم وشعارات المقاومة    موانئ الواجهة المتوسطية: انخفاض بنسبة 17 بالمائة في كمية مفرغات الصيد البحري عند متم نونبر الماضي    تقديم «أنطولوجيا الزجل المغربي المعاصر» بالرباط    "سونيك ذي هيدجهوغ 3" يتصدر ترتيب شباك التذاكر    تواشجات المدرسة.. الكتابة.. الأسرة/ الأب    إعلامية فرنسية تتعرض لتنمر الجزائريين بسبب ارتدائها القفطان المغربي    إدريس الروخ يكتب: الممثل والوضع الاعتباري    الأخضر يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ظلال وارفة على بستان محمد الصباغ*
نشر في العلم يوم 21 - 04 - 2013


تطوان تحكي والحواشي طرزت
طوق الحمام بأنجم في كفها
1 - محمد الصباغ محور تواصل بين تطوان وبلاد الشام ومملكة قشتالة
في رحاب زمن صباغي الهوى ، وبين يدي هذا الأصيل المرشوش بالأرجوان ومسيل الأقحوان ،لا مجال فيه لأن يرتدي المرء «عباءة الجامعة ، فلربيع المهرجان ، لغة للتواصل بشروطها ، فالأعراس هي مجتلى النواريس والعصافير ، وعرائس المروج ازينت حواشيها ، والشمس في مغربها ، مجللة بالسبعة الأطياف ، كأن على جبينها / تطوان ، طوق حمام ، موشحات ترتمي على بهو الفدان ، منقوشة قوافيه ب» لهاث جريح» ذرذره سليل الثقلين ، الأرض والوجدان ، هاتفا بين أبوابها ،السبعة ، على عهد الوفاء الأبدي لكائنات مملكة الليل المضواء؛» أنا والقمر « أجدني أسير سلاسل العقود ، من زمان ، أضحى كالماضي البعيد ، من عمرنا الجميل ؛ انفرطت حباته على الضفاف ، وعلى الأكتاف سبع لطاف من سنابل العطاء ، منذ أن طوفني جبران في عوالم الطيوف والأرسام ، ينثر بين الأعطاف عريش بسمة مغسولة بدمع العين ، ذر نثرتها العواصف ، البدائع الطرائف ، حتى أضحت « رمل زبد» تشربها مواكب العصور والدهور، على إيقاعات ناي يغني للحياة الناعسة ؛
أعطني الناي وغني ....
فالغنا سر الخلود
فالرحلة يومئذ ، بطبيعة المرايا المتناظرة ، تجاوزت عوالم جبران ، الزاهية الفاتنة ، عانقت المحال والخيال عبر مشروع الحدس الصوفي الذي تبناه وشاد أعمدته ، المفكر الأديب ميخائيل نعيمة، ومن هذا المنطلق - التحول ؛ ظلت كتابة الصباغ- منذ بدايتها- تشدني إليها ، ببراءة حلم ، وشفافية إعجاب ، ومرآة التناظر تتقاطع في ما بين الزوايا والأطراف ؛ ويومها كان الأديب محمد الصباغ قد تموقع داخل محور التواصل بين تطوان وبلاد الشام ، بين تطوان ومملكة قشتالة ، مرورا بالغرناطة الحمراء ، راسما خريطة التواصل المتين ، قارئا ومراسلا مترجما ، ومبدعا ؛ وقد يخال المرء أن الصباغ شامي الهوى ، ابيري النبرات ؛ لكنه كما تحكي تطوان ؛هو المغربي العربي تعرشت أفنانه ، كما لو أنه ، ظلال حبق يتدلى، لبلاب عشق وحنين إلى الأقواس والبوابات السبع ،هي محصنات بالجوهر المكنون ، وبالحواميم السبع ، بشميم الأوراد وحداء السماع ، يخترق النياط كل جمعة خضراء، بين أقواس الزوايا الصوفية يرتادها نسوان يتأبطن ، بحس قدسي ، « لبدات « بلون الأقحوان ، هكذا تحكي تطوان، وبالأصباغ والألوان ؛ كلون الفجر والضحى ، ولا مزيد من بيان ؟
2 -على عهد مضى
تطوان تحكي والزمان بأهله
وفم الزمان تبسم وثناء
فرغم النسمات المكتنزات ؛ كنوزا ورموزا ، كانت تهب على سفوح « درسة « و سهوب كيتان ، فإن الأبواب السبعة بأقواسها و تحصيناتها لها ذاكرة جريحة مع الوافد الدخيل وما يحمله من زاد القرصنة وأيقونات صليب ..إن الأقفال ومفاتيحها ، ملفوفة في صرة من حياكة صوف ، أودعها الأهالي بين الحروز والتقاييد بتوقيعات عدول فقهاء ؛ وفي الحمى والصون من عابث يجول ، أو زائر يحول ..
بقيت الأصول في لباسها ، حالت الأعراض ،مع أزيائها ، أما الجواهر ففي أكنانها ثابتة ، فواحة بماء الزهر تقطره بالرشح معا صير «لوقاش « ترشه على الخمار واللثام بيوتا ت؛ بالأصل والنعوت ، أيام مولد أوعيد ، وكل جمعة خضراء ، افتتنت في رسمها ريشة « الطفولة الستون « رجع رباب غرناطي الطبوع ، سربله « كناش حائك» على خيوط من نسيج يغازل الرموش والجفون ، وأنت صاعد رهين الطلعتين ، سيان في بطحاء / فاس ، أو على مسارب عيون رقراقة كالسلسبيل..
تناظر في عالم الأبواب يشدك إليه ، في الزوايا وفي المثلثات؛
1-غرناطة بلون الأرجوان
2 - تطوان على أهدابها مسيل الأقحوان
3- وفاس نجيمة خضراء في بحيرة الشفق
والباثيات من ربوعنا ، أنهار كالبحار ؛ من أم الربيع إلى أبي رقراق ، وبين الضفة وشقيقاتها وادي سبو ، ينساب لحنه كا لعندليب ،والباقيات الرائعات ، خرائط كالمشتهى في المنتهى ، عبر شوارع فساح ، خططها بديع الكون ، ثم اصطفى لها ، من معجم الطيوب ، توشيات من حائك منفوش ، شاعر يمتطي أطيافه ، وعلى صفحة المرآة ظلاله ، كأنها ، مقابسات من عالم الألوان ، أو أنها طوق حمام خاطه وحاكه بريشة الرياش ، كأنه « حزام للا فاطمة الزهراء « ، كما في معجم الجدات الصالحات ...
- شاعر هو الصباغ ، من ذاته ، صفاته ، اصطفى لكونه أطلس عالم من المجاز ، تضيق عن رتقها معاني المعنى قوالب المبنى ، خرائط والحفريات ، شوارع خططها ، اصطفى لها مسميات لما استوى على خواطر الرؤى والمنحنى ، على الصوى ذرذرها و» بالعبير الملتهب» وعلى خط التماس ، ضاقت الأنفاس باصفرار صوته المبحاح ؛ تخاله بالزفرات « لهاث عاشق جريح» ...
لم ينغمس في أصباغه حتى النخاع ، حتى وإن تخيل المقام على ضفاف قمر منير،فقد شدته إلى وطنه جاذبية الأرض،و بما كان يشغل العباد حول البلاد ، والحال أن الوطن، وباقي الأوطان الأخرى ، كان رهن الأسر ، بين احتلال واستعباد وقيود ، نعم لم تنسه الأنات ،من نون نسوة يغزلها الحبيب للحبيب ، والعمر يومها يقاس بالذبذبات من ربيع زمن خضير..ففي غضون هذه الأثناء ؛ رسائل إليه ، تصله من بلاد الشام تبارك فيه « جهاد قلم» لتحرير وطن حبيب ، أطلقها - يومئذ- أصوات نبرة كعاصفة « شلال أسود» منصوبة على الأبواب والحدود.
ما أروعها؛ وقفات ، كجبال الأطلس والريف ....
أستحضر معكم قولته طارت بأجنحة ؛ كأنها صقر جواب ، قد صدرت من يافع الشباب وثورة الأشبال ، والحال أن المرسل إليه ؛ كان هو الأديب والعميد والعملاق في جغرافية الخطاب ، أوقفه بخطبة بتراء ؛
- ( قف أيها العميد ، فالقول منك رماد وتبن)
حلقة وهاجة الوصال بين القطريين وضعها علقها في الأذنين أديب من تطوان مغرب ؛ تحية لثورة الشعوب ما أروعها وقفة لطائر وفي لهاته بقايا نغم جهير ، نقطه بالاحمرار ، أيام كفاح ونضال هي زلة ، قد صدرت من بصير الأدباء طه حسين؛ والحال، بئس الحال ، أنه عاش رهين المحبسين ، وبعد رحيله إلى يوم الحساب ، ألفت زوجته الفرنسية سيرتها ؛ وبعنوان دال ؛ « معك» وفيه ما فيه من الدواعي والتداعيات ، حيث الثورة الفرنسية هي أحق بالتنوير من كل ثورة أخرى غفر الله زلتك الصغرى أيها العميد ، وقد وضعت على أذنيك ألفافا من قطن الصعيد المصري ؛ لكي لا تسمع لغة الدفاع عن الأوطان بلهيب النار وجحيم المزنجرات القاتلات ...
3 - بلغة المراحل
بلغة المراحل أقول ؛نفضت تطوان عنها أزار حلمها القديم ، فانتفضت على أعشاشها ، أكنانها ، أكمامها ، تلاقت الأطراف والأطياف ، اتحدت الأوصاف والأصوات تحت لواء علم واحد وموحد..
هكذا تحولت مدينة الرباط إلى جغرافية أخرى ، أعشاشا وأكنانا لعصافير ونواريس ، وليس بد من الطيران إلى ضفاف أبي رقراق ، وحوله وحولها نثير كلام واختلاف فصول ، وتقاطع غايات ،هكذا يتخذ الصباغ ، وهو الأديب والأريب موقعه النبيل في المنتزهات المنبريات ، بثقابة ذهن ، وحكمة رأي ، وشميم تواضع ، وكبرياء حرف ، وعزة نفس ، وطهارة وجدان ؛
فيرسم الرائعات على جداريات « الوداية» وكأنها « فوارة ظما « تحاكي بظلالها ؛
عنقود ندى « للعطاش والعطشى ،وعابري سبيل ،وقد تجمدت الحناجر من حدة الصياح.. لصباح جديد رأيته يسترق الومضات ، معاودا ومختزلا، مكتنزا رجع الصدى والأمنيات عبر أصائل الأيام ، وفي أبهاء فندق «باليما «، يحلو له أن يحاور شخوصا ورسوما من عوالم الصمت الخلاق ، حتى ليفاجأ بالقامة الباسقة لصديق المكان والزمان محمد العربي الخطابي ، وقد تركا ? معا - وراءهما ظهريا ، المصدع والنيارين والمطامر، و باب التوتة، ومزالق العيون ؛ هي أزقة حفرياتها لها ذاكرة موشومة بالصمغ ، وفجر « العباسيات «.
سخاء وعطاء ...
وما بقي يؤسسه الفدان وحدائق العشاق؛
لما بلغ أشده ،والعود قد اشتد ، والأعناق قد اشرأبت ، والمنازع قد تماثلت فتباينت ، وإذا بالرباط في قلب المعترك ، وإذا بالصفوة من أهل الكلام استجمعوا أمرهم ليضعوا المداميك واللبنات لتجديد صرح هذا الوطن ، كل من موقعه ووعيه وأمانته ..
وأديبنا الصباغ، و بما لنوعية مساهمته ، من أثر ، يدلي بدلوه ، يحاور أهل مدينته الفاضلة ، يطل علينا ؛ بشخوصها وتقاسيمها ، ومنحنياتها صبيحات الجمعات ، يختار لها مسرح الحياة ، وفي موقع لافت ،من جريدة « العلم ،» تجمعت بين الأيدي مشاتل قصاصات ، عطرات بالحبر والعود والزهر، ورحيق القرنفل ومسحوق الزنجبيل ، حتى أن غشيت أهالى الصحارى من أهل مدينته الفاضلة ، فالشيح والقيسوم والعرار؛هي الناضحة الراشحة بالمخيط والمحيط ..
- ويبقى المشروع معلقا على أشجاب الذاكرة والمؤمل المؤجل ، إلى حين ..
ومن سكان هذه المدينة الفاضلة وأعلامها ؛ علال الفاسي ، عبدالله كنون ، عبد الكربم غلاب ، محمد الفاسي ، محمد با حنيني محمد المختار السوسي ، محمد داود ، مما يسلسلهم السند ،فلا يحصيهم العد .؛.من جهة المشرق كما من جهة المغرب . وللمدينة حراسها أبوابها أقفالها
أما مفتاحها فبين أصابعها معقود ، تلك الفاطمة الفهرية ، فمنها إليه ، ومنه إليها ، إكليل من « شجرة محار « يودع في صندوق موشى بالزيزفون ، عن زفاف ميمون ، زانه الدمقس والأرجوان، وعرائش حبق خضير تدلى ، فتدنى من « شقة خيار» ، بزنقة القائد أحمد تحت رقم 38؛
تطوان تحكي والأنامل حنيت
بشقائق النعمان ، باقة عرسها
4- الصباغ عريس الزمان
لعل حروف التهنئة ، أرسلتها إليه ، ملفوفة بأوراق النرجس ونكهة حناء ، مرشوشة بقطرات من « مزهر لوقاش « حملتها اليه ، في صبحية الزفاف ، وقد لفت بمنقار حمامة ، بلون الفجر واللجين لعلها تميمة لا يفك طلسمها ، ويفكك رمزها غير الخبير والعريف ، بخرائط وأطالس هذا الجغرافي المفتون بالجفريات ، وخوارق المكان ؛ ربما غابت عن حواشي تطوان ، اذ تحكي عن حالها ، وإذ يحكي عن حاله معها ، يوم صدرت عن مجنون الحب بها ، زفرة ناشزة ، روج لها العذال واللوام ، وما حسبوا يومئذ ، أن الصباغ كان تحت وطأة الغاضب والمغضوب عليه « نيتشه» بزفراته الزرادشتية ، وهي محكية بالسند الغاضب -أيضا- عن عواصف جبران والذي صاح؛
لكم لبنانكم ولي لبناني
لكم لغتكم ولي لغتي .
شيء من هذا في نفاضة الجراب ، والزفرات ينسخ بعضها بعضا ،وإن الحسنات يذهبن السيآت فالقولة- الزفرة ، المنصوص عليها ، نصا وفصا ؛ أتهيب من تهجيتها ؛ « كرهتك يا تطوان «،
فهي منسوخة بعشق دائم ووصال خالد ،ترجمته المقالة النورانية عن حب الأوطان ، وقد قضى الأديب الأريب ، سنوات من عمره ليحصل على شهادة جامعية وجامعة ، مطهرة ، عنوانها ؛ ( سنوات من تطوان ، وأنا أتعلم كيف أحبك يا تطوان) ،هو الجواب الفصيح المبين ، البليغ المكين ، عن ترقيمات النقرات ، وافدة إليه يحملها الحمام الزاجل ، وقد ألقاها نثير جمان على حواشي صومعة حسان ...
فالرباط تحكي والعنادل شنفت
أسماع مملكة الطيور بلحنها
ها هو الصباغ عريس الزمان ؛استجابة لطلبات في رسائل ورغبات ، كي يطرح عن كاهل شبابه جبة المسيح ( يسوع ) ، أعزب العصور والدهور ؛ فللعزوبة عذوبتها ، ومذاقها ذائب- كمذاق سكر قندل ...لا يلبث أن يذوب...
ومن هذا التحول الاجتماعي ، تجدد محصول البيادر والحصاد ، ولكل أديب مزرعته المختارة ، ولا تخطيط سابق لها ، نعم بهذا التحول عرف المشروع الأدبي ، في كتابة الصباغ لونا نابعا من الأسرة ومن المحيط ، والحال ، أن ثقوبا فارغة على جداريات في أدبنا المغربي ، ومن هذا المعطى ،اندلقت العنادل- الفراشات من أفرشتها ، واستحمت بشعاع القمرين ، منابر الخافقين ، بلغة بوح ، وشفافية فوح ، برقة لفظ وعبير مجاز ، بزقزقة عصفور ، وهديل حمام ، بنقرات نورس ، ويخضور محارة ، بمسيل شفق ، ووضوء فجر وصفوة مناجاة وابتهالات.
أتبصر أمامكم ، والصباغ طفل وسيم ، يعدو كالظل ، يثب الوثبات ، نعم ؛ أتبصر لقطات من زمن الطفولة بالمدرسة الإسلامية الحرة يتأبط محفظته ؛ خطط نقوشها ذلك الجد لحفيد ، وبداخلها علبة ألوان وكنانيش مزوقة ، وبحروفه المتوثبة ، تحضن الفواتح الأولى عن التربية الجمالية والخلقية .
فريدة الفرائد أتبصرها ، عبر معراج رفراف؛ مجرد توصية زائرة.
إن حصاد البيادر في مزارع الصباغ ، وبخاصة المحصول الذهبي عن « أدب الأطفال» لتدعو خبراء في التربية الجمالية إلى طرح الأسئلة مجددا عن مصير « لغتنا الجميلة « كما يصفها الشاعر فاروق شوشة ، وهو اليوم على رأس مسؤولية عظمى مجمعية لغوية ؛ هي أمانة عظمى على كاهل مجامعنا ومهندسي الخرائط اللغوية ..
والحال أننا نعيش ما يشبه الصراع على الوجود ، إن الخبراء في المجامع اللغوية هم قاصرون ومقصرون حيال هذا التنافس اللغوي الحضاري ؛ فاليونيسكو ؛ والإيسيسكو ، والمجمعيات الألمعيات العربيات ، وخبراء التربية والتعليم في العالم العربي ، لم يضعوا بعد في أرقام معادلاتهم أرقاما لها أسبقيتها ، هي علاقة الطفل العربي بلغته ،فهل قمنا ببعض ما تقوم به البعثات الأجنبية من إقامة حوار جميل بين الطفل ولغته ، بين التلميذ الطالب وأدبه وتراثه ، هل صنفنا معاجم للتربية الجمالية ؟
إن لغتنا الجميلة ما زالت تشق طريقها بأظافرها وضفائرها ...
-هم قلائل ممن أعاروا اهتمامهم الكامل، إلى مسألة الهوية اللغوية- وفي باطنها الهوية الحضارية- ففي المغرب كان مشروع الراحل أحمد بوكماخ ، هو جهد المقل حاول به تقديم « الفصحى « إلى أطفال لغة الضاد ، وفق المشروع الحضاري الذي تبصره برؤى متجانسة متقاطعة ، ولأنه عاش في طنجة معقل اللغات الحية ؛فكان الملاحظ الأمين على مشاريع «الآخر» ، حول إفادته من التطور العلمي والتربوي ، والجمالي، لكي يعشق أطفال «الآخر» لغتهم وإبداعاتها عبر وسائل جديدة.
أستحضر بين أيديكم شهادة مسؤول كبير ، يوم كان وزيرا للتربية الوطنية ، وقد صمم العزم على إدخال « لغة الضاد» في الدواليب المخبرية ،وفي المضائق التكنولوجية ، وحتى لا تبقى لغة الضاد لغة المتاحف والفنون ،مشروع جابهته وواجهته العوائق والعراقيل ، من لوبيات وحتى من « إخوان الصفا» ومن عبقرات، هي على رأس المشاريع الحضارية ؛
فكرة ذكية خامرته ، وقد اطلع على أغلب التجارب العالمية التربوية ، وضمن ما اطلع عليه تجربة الدولة العبرية ، في تدريس التكنولوجيا المتطورة ، بمعاهدها وجامعاتها ، مستعملة اللغة القومية العبرية ، هو أقوى برهانا ودليلا قدمه- لأصحاب القرار، في ملف الدفاع عن مشروعه الحضاري اللغوي ؛ أشد هذا القوس الفضي ، وقد تجاوزت حدود المربع الأخضر ، وفي لغة الصباع ، جني الثمار، لمن صمم العزم على تحبيب أجيالنا لغة الضاد ، الجميلة ، المتطورة المتجددة ، المستجيبة لتحديات العصر ، وقد تحدثت ، هي عن نفسها عبر العصور والدهور ، وبلسان الخوارزمي وابن النفيس وعظماء الملة ..
وكثير منهم ...
5- محمد الصباغ أتحف قراء العربية بمعجم فريد
إلى جانب مشروع أدب الأطفال ، وبحمولته التربوية ومسؤو ليتها- وكما حددها الصديق العزير د محمد أنقار- ، فإن الأديب الكبير ، وقد تعاظم أمر الكتابة في ذهنه ، وبما عكسته وترجمة للتفاعلات والتجاذبات الحاصلة بين حرية الفكر والإبداع ، من جهة ، وبين القوانين السياسية الوضعية ، والمفصلة على مقاس شهوة الحاكمين بأمرهم من جهة ثانية ..
إن جدلية الصراع الموصوفة بالتحدي والاستجابة كانت موضوع دراسات وتحليلات سواء من وجهة علم النفس السياسي ، أو من وجهة مؤرخي الأفكار الأدبية ، ومساراتها الإبداعية ؛فالقصة لها أبطالها في التاريخ ، عرض لبعضهم الكاتب المصري سلامة موسى وغيره ،
إلا أن الجديد الطريف في العرض والتناول، هو إتحاف محمد الصباغ المتجلي في فن العرض وبإتقان أخاذ ، رسم به مواكب الخلود لشخصيات عبر التاريخ ، رفعوا أعلام الحرية ، ونصبوا أنفسهم « شهداء على الحق»، حتى أضحوا هم الشهداء- بحق - على الحق إنهم ؛( اللا ئيون .....ويحترق البحر*)؛ يحلو لأديبنا المتفرد أن ينحاز إلى صف جمع المذكر السالم ،
فاللائيون جمع لمفرد « لائي « لما تحويه الصيغة من جمهرة القوة ، لا بعددها بل لقوتها ونوعيتها ، « صمود وسط الأعاصير»؛ ولقد ظل مشروع « اللا ئيون .. ويحترق البحر « تحت الأدراج ، بل إنه صار في البال ، في حالة تأمل، وفي صيرورة اختمار. وكأنه بداية الخاتمة في كتابة «الأدب الملتزم « بالمعنى الأيديولوجي الصرف ، علما بأن صاحب « شلال الأسود» وخاطرة « أنا الشعب « هو ذاته ، بصورته وهيولاه ، صاحب كتاب متميز ،وأعني به؛ « أطالب بدم الكلمة»؛ولم لا يكون هذا الكتاب بمثابة الشرح الضافي لكتاب « اللا ئيون ويحترق
البحر ؟»؛وبتناغم صباغي الفصول والغايات ، يندلق الخيط السري لينساب نسيجا متلاحما ينتظم أفراد الموكب اللائي، في رحلتهم عبر مدارات الفصول والأعوام ؛ وبطرافة معهودة فيه ، يختلق الصباغ حوارا ، في منتهى التخييل، ببعد مجاز ، وتجنيح استعارة ، و تكثيف استحضار لشواهد ومشاهد ، من مظان تواريخ ، وتلميحات حوليات ، حتى لتخال أن الحوار بين «لا» و»نعم» موثق بين أروقة المحاكم التاريخية (يحضرني، في هذا السياق ، ما جرى بين الفيلسوف ابن رشد وبين الصوفي الكبير محي الدين بن العربي ، وهذا الأخير أرسله والده في مهمة إلى الشيخ الفيلسوف ، وابن عربي - يومئذ- في مقتبل العمر :
- كيف تراك ؟
- بين لا ونعم
- وبين لا ونعم تطير الأرواح )
ربما يختلف الأمر ، باختلاف النازلة وحيثياتها ؛ فالصباغ في مراميه السياسية ، هو على غير تخريجات الفقهاء الذين يقولون ، في الدفاع عن أخلاقيتهم الاجتماعية ؛ إن «لا» تدفع البلا ، وإن « نعم « تجلب االنقم» ؛فالفقهاء بارعون في التخريجات غير المحرجة لهم ، وفيما يتخذونه من مواقف، وهم من أهل الحل والعقد؛ لنستمع إلى هؤلاء اللا ئيين ، يقدمون أنفسهم ، وبتوقيعاتهم التي تقطر دما مسفوحا؛ ( نحن اللا ئيين على مدار التاريخ ،بلونا الحياة، قشرنا الأجناس ، فتحنا الأفكار قطعنا دروب الإنسان ، تسلقنا أعنان الكتاب ، شربنا سواد المداد، فركنا بين أصابعنا سنابل التاريخ ، فلم تستقر في أكفنا إلا جوهرة واحدة ؛» الحرية»)؛هذه الباسمة للشمس للبحر للنسيم ، للإنسان للمحال ؛ هذه الجميلة أردناها ضحكة هجوم تقتحم فتنتصر ، على كل بؤس وقمع ووحش وانتهاز وسوط ، وتزوير وخداع ، وانتكاس وقفل ونار وحديد،بهذه الماسة وحدها ترقى علقة الطين ؛ إنسانا ، إنسانا ، إنسانية ، وبدونها يهوى الإنسان ، أتفه من وسخ بعوضة
سكنا المشانق
تجرعنا المنافي
مضغنا الحديد لبسنا النار والدم
لبسنا القبور
هكذا كانت تمر القماقم في حدقة الرعب ، مملوءة بأغصاننا المتناثرة ، مشحونة بسحيق موتنا على طول التاريخ وعرضه)؛ لعله أشبه بفلاش سينمائي ،هذا التقديم ، وقد جاء بعد السيناريو الفريد، كحوار متبادل في مجال إسناد التهم ، بين لا ونعم ، حتى يتسع المجال ، بعد ذلك ، لعرض بانورامي ، استبطاني لمواقف ووقفات صدرت عن جمهرة اللائيين عبر التاريخ ، وحضارت متعاقبة وأديان متلاحقة ، ودون أن تأخذ مجراها الكرنولوجي ؛فمن عهد الفراعنة الأقدمين إلى عصر الفراعنة المحدثين ؛ بدءا من أخناتون الى سيد قطب ؛يتوالى مو كب « اللا ئيون « ؛ فمن العصر اليونان ، أناجزاجوراتس، ومحاكمة سقراط..
- ومن العصر الجاهلي ، طرفة ابن العبد
و يقف الصحابي الجليل ؛ أبو ذر الغفاري على رأس القائمة ، في العصر الإسلامي لتختم القائمة برقم 20 يحمله الشهيد سيد قطب.
- ومن حضارة الغرب في العصر الحديث؛ بلغ عدد « اللائيون» 12 شخصية .
- هل نكون مجازفين ، إذا قلنا بأن محمد الصباغ ؛ الكاتب الأديب ، قد أتحف قراء العربية بمعجم فريد لبذور ضاوية في سماء الفكر البشري ( أناروا ليحترق بحر الدجى)، كانوا كالسراج المنير في عالم الظلموت ؛هو معجم ، طريف لطيف ، خالف فيه المصنف الصباغ المناهج المألوفة في ميدان التراجم ، وهم يسلكون التراتيب الأبجدية وبما سطر التوثيق والتدقيق ، لكن المؤلف ذيل كل لائي بتعريف وجيز ، لتكتمل الصورة لقارئ هذا المعجم اللائي ، الطافح بمكنون الأسرار ،وخوارق الأوتار ، وشوارق الأنوار ، هو هو الصباغ لا يعدم قدرة الاستبطان ،ومدارك الاستبصار ، يمنحك البرهان قبل أن يتجلى للعيان ، وإذا بك تتقرى بالمحسوس بالمحدوس تقاسيم الشخصية اللائية, هوية زمن وتاريخ جغرافية ، يسلم إليك مفتاح الشخصية المرموز إليها بأوجز عبارة وألطف إشارة ، والصباغ في الحالتين يتماهى في شرايين العمق الثقافي ، فيغربل ما يغربل بمصفاة الفن الأنيق .
صباغ يحكي ، لائيون هم الألى
نفضوا غبار الصمت بالحرف « لا»
فليحترق بحر الدجى بدمائهم
ولتنطفئ نيرانها صوب العلا
ترى وفيت حق صديقي الكبير ، الشاعر والأديب محمد الصباغ ، وقد غمرني شعاعه في المنتديات الممرعات ، وأنا قبل وبعد له مدين وكأني ، في ما قمت به ، هومن قبيل جهد المقل أوهو غيض من فيضه العميم.
فلقد وضعت تراث الصباغ أما م بصيرتي ، كان أمام عيني كالقطوف من جني الثمار ، لم أخلخل ، ولم أفكك و لم أعقلن ، لم أفترض، فلم أستنتج ، لكني استعملت لغة الوصال ، كحوار باطني مع الكتابة الصباغية ، وقد أطلقت بسملتي في فاتحة السياق ؛ إلا ما كان من الكتاب الموسوم ب « اللائيون ويحترق البحر «، لأني قرأته مجددا ، بعد عملية المراجعة على طبعه ورقانتة ، يوم تشرفت « المواسم» الطنجية بتقديمه إلى قراء العربية ...وهو في نظري له الأحقية في أن يطبع وينشر في « سلسلة «ألف كتاب» ولي موعد، في المستقبل مع الثالوث ، كفن بديع في النثر العربي؛ شموع على الطريق - شجر محار - دفقات - يحكي صديق - المهرجان أنيسه.
الليل ساج والنجوم سراجه..
قد تناغمت أطيافه ولحونه
طبت نفسا هو الرحمان يكلأنا
بعميم فضل؛ وبالاحسان ميسمه
ألقيت هذه الكلمة/ الشهادة ، بمناسبة تكريم الأديب الكبير محمد الصباغ ، من طرف جمعية « تطاوين أسمير» أصيل يوم السبت 30 أبريل 2011 بدار الثقافة بتطوان ، وبمشاركة الشعراء: عبد الكريم الطبال ، المهدي أخريف، وأحمد هاشم الريسوني واستهلت الكلمات بشهادة الشاعرة فاطمة الميموني وكان مسك الفوح والبوح ؛ عبير الصباغ المحتفى به .
- وبانصرافنا من رمل الماية ؛ إذا بسرب حمام يعتلي رؤوسنا ، و في الفضاء لازمة بلغة منطق الطير، كأنه جواب عن سؤال « نحن الحمام وأسراب غزلان ، سنقيم له مباهج المنى ، نطير به على أجنحتنا إلى أعشاشنا وعبر سنابل شمس ، ومشاتل نجوم. لكم احتفالكم ولنا احتفاؤنا..
* طبع ضمن ملف خاص عن محمد الصباغ ، بمجلة « مواسم» 9/10 صيف98/99


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.