تطوان تحكي والحواشي طرزت طوق الحمام بأنجم في كفها 1- في رحاب زمن صباغي الهوى ، وبين يدي هذا الأصيل المرشوش بالأرجوان ومسيل الأقحوان ،لا مجال فيه لأن يرتدي المرء "عباءة الجامعة ، فلربيع المهرجان ، لغة للتواصل بشروطها ، فالأعراس هي مجتلى النواريس والعصافير ، وعرائس المروج ازينت حواشيها ، والشمس في مغربها ، مجللة بالسبعة الأطياف ، كأن على جبينها ? تطوان ، طوق حمام ، موشحات ترتمي على بهو الفدان ، منقوشة قوافيه ب" لهاث جريح" ذرذره سليل الثقلين ، الأرض والوجدان ، هاتفا بين أبوابها ،السبعة ، على عهد الوفاء الأبدي لكائنات مملكة الليل المضواء؛" أنا والقمر " أجدني أسير سلاسل العقود ، من زمان ، أضحى كالماضي البعيد ، من عمرنا الجميل ؛ انفرطت حباته على الضفاف ، وعلى ألأكتاف سبع لطاف من سنابل العطاء ، منذ أن طوفني جبران في عوالم الطيوف والأرسام ، ينثر بين الأعطاف عريش بسمة مغسولة بدمع العين ، ذر نثرتها العواصف ، البدائع الطرائف ، حتى أضحت " رمل زبد" تشربها مواكب العصور والدهور، على إيقاعات ناي يغني للحياة الناعسة ؛ أعطني الناي وغني .... فالغنا سر الخلود فالرحلة يومئذ ، بطبيعة المرايا المتناظرة ، تجاوزت عوالم جبران ، الزاهية الفاتنة ، عانقت المحال والخيال عبر مشروع الحدس الصوفي الذي تبناه وشاد أعمدته ، المفكر الأديب ميخائيل نعيمة، ومن هذا المنطلق ? التحول ؛ ظلت كتابة الصباغ- منذ بدايتها- تشدني إليها ، ببراءة حلم ، وشفافية إعجاب ، ومرآة التناظر تتقاطع في ما بين الزوايا والأطراف ؛ ويومها كان الأديب محمد الصباغ قد تموقع داخل محور التواصل بين تطوان وبلاد الشام ، بين تطوان ومملكة قشتالة ، مرورا بالغرناطة الحمراء ، راسما خريطة التواصل المتين ، قارئا ومراسلا مترجما ، ومبدعا ؛ وقد يخال المرء أن الصباغ شامي الهوى ، ابيري النبرات ؛ لكنه كما تحكي تطوان ؛هو المغربي العربي تعرشت أفنانه ، كما لو أنه ، ظلال حبق يتدلى، لبلاب عشق وحنين إلى الأقواس والبوابات السبع ،هي محصنات بالجوهر المكنون ، وبالحواميم السبع ، بشميم الأوراد وحداء السماع ، يخترق النياط كل جمعة خضراء، بين أقواس الزوايا الصوفية يرتادها نسوان يتأبطن ، بحس قدسي ، " لبدات " بلون الأقحوان ، هكذا تحكي تطوان، وبالأصباغ والألوان ؛ كلون الفجر والضحى ، ولا مزيد من بيان ؟ 2- على عهد مضى؛ تطوان تحكي والزمان بأهله وفم الزمان تبسم وثناء فرغم النسمات المكتنزات ؛ كنوزا ورموزا ، كانت تهب على سفوح " درسة " و سهوب كيتان ، فان الأبواب السبعة بأقواسها و تحصيناتها لها ذاكرة جريحة مع الوافد الدخيل وما يحمله من زاد القرصنة وأيقونات صليب ..إن الأقفال ومفاتيحها ، ملفوفة في صرة من حياكة صوف ، أودعها الأهالي بين الحروز والتقاييد بتوقيعات عدول فقهاء ؛ وفي الحمى والصون من عابث يجول ، أو زائر يحول .. بقيت الأصول في لباسها ، حالت الأعراض ،مع أزيائها ، أما الجواهر ففي أكنانها ثابتة ، فواحة بماء الزهر تقطره بالرشح معا صير "لوقاش " ترشه على الخمار واللثام بيوتا ت؛ بالأصل والنعوت ، أيام مولد أوعيد ، وكل جمعة خضراء ، افتنت في رسمها ريشة " الطفولة الستون " رجع رباب غرناطي الطبوع ، سربله " كناش حائك" على خيوط من نسيج يغازل الرموش والجفون ، وأنت صاعد رهين الطلعتين ، سيان في بطحاء ? فاس ، أو على مسارب عيون رقراقة كالسلسبيل.. تناظر في عالم الأبواب يشدك إليه ، في الزوايا وفي المثلثات 1- غرناطة بلون الأرجوان 2 - تطوان على أهدابها مسيل الأقحوان 3 - وفاس نجيمة خضراء في بحيرة الشفق والباثيات من ربوعنا ، أنهار كالبحار ؛ من أم الربيع إلى أبي رقراق ، وبين الضفة وشقيقاتها وادي سبو ، ينساب لحنه كا لعندليب ،والباقيات الرائعات ، خرائط كالمشتهى في المنتهى ، عبر شوارع فساح ، خططها بديع الكون ، ثم اصطفى لها ، من معجم الطيوب ، توشيات من حائك منفوش ، شاعر يمتطي أطيافه ، وعلى صفحة المرآة ظلاله ، كأنها ، مقابسات من عالم الألوان ، أو أنها طوق حمام خاطه وحاكه بريشة الرياش ، كأنه " حزام للا فاطمة الزهراء " ، كما في معجم الجدات الصالحات ... - شاعر هو الصباغ ، من ذاته ، صفاته ، اصطفى لكونه أطلس عالم من المجاز ، تضيق عن رتقها معاني المعنى قوالب المبنى ، خرائط والحفريات ، شوارع خططها ، اصطفى لها مسميات لما استوى على خواطر الرؤى والمنحنى ، على الصوى ذرذرها و" بالعبير الملتهب" وعلى خط التماس ، ضاقت الأنفاس باصفرار صوته المبحاح ؛ تخاله بالزفرات " لهاث عاشق جريح" ... لم ينغمس في أصباغه? حتى النخاع ، حتى وإن تخيل المقام على ضفاف قمر منير،فقد شدته إلى وطنه جاذبية الأرض،و بما كان يشغل العباد حول البلاد ، والحال أن الوطن، وباقي الأوطان الأخرى ، كان رهن الأسر ، بين احتلال واستعباد وقيود ، نعم لم تنسه الأنات ،من نون نسوة يغزلها الحبيب للحبيب ، والعمر يومها يقاس بالذبذبات من ربيع زمن خضير..ففي غضون هذه الأثناء ؛ رسائل إليه ، تصله من بلاد الشام تبارك فيه " جهاد قلم" لتحرير وطن حبيب ، أطلقها - يومئذ- أصوات نبرة كعاصفة " شلال أسود" منصوبة على الأبواب والحدود. ما أروعها؛ وقفات ، كجبال الأطلس والريف .... أستحضر معكم قولته طارت بأجنحة ؛ كأنها صقر جواب ، قد صدرت من يافع الشباب وثورة الأشبال ، والحال أن المرسل إليه ؛ كان هو الأديب والعميد والعملاق في جغرافية الخطاب ، أوقفه بخطبة بتراء ؛ - ( قف أيها العميد ، فالقول منك رماد وتبن) حلقة وهاجة الوصال بين القطريين وضعها علقها في الأذنين أديب من تطوان مغرب ؛ تحية لثورة الشعوب ما أروعها وقفة لطائر وفي لهاته بقايا نغم جهير ، نقطه بالاحمرار ، أيام كفاح ونضال هي زلة ، قد صدرت من بصير الأدباء طه حسين؛ والحال، بئس الحال ، أنه عاش رهين المحبسين ، وبعد رحيله إلى يوم الحساب ، ألفت زوجته الفرنسية سيرتها ؛ وبعنوان دال ؛ " معك" وفيه ما فيه من الدواعي والتداعيات ، حيث الثورة الفرنسية هي أحق بالتنوير من كل ثورة أخرى غفر الله زلتك الصغرى أيها العميد ، وقد وضعت على أذنيك ألفافا من قطن الصعيد المصري ؛ لكي لا تسمع لغة الدفاع عن الأوطان بلهيب النار وجحيم المزنجرات القاتلات ... 3- بلغة المراحل، أقول ؛نفضت تطوان عنها أزار حلمها القديم ، فانتفضت على أعشاشها ، أكنانها ، أكمامها ، تلاقت الأطراف والأطياف ، اتحدت الأوصاف والأصوات تحت لواء علم واحد وموحد.. هكذا تحولت مدينة الرباط إلى جغرافية أخرى ، أعشاشا وأكنانا لعصافير ونواريس ، وليس بد من الطيران إلى ضفاف أبي رقراق ، وحوله وحولها نثير كلام واختلاف فصول ، وتقاطع غايات ،هكذا يتخذ الصباغ ، وهو الأديب والأريب موقعه النبيل في المنتزهات المنبريات ، بثقابة ذهن ، وحكمة رأي ، وشميم تواضع ، وكبرياء حرف ، وعزة نفس ، وطهارة وجدان ؛ فيرسم الرائعات على جداريات " الوداية" وكأنها " فوارة ظما " تحاكي بظلالها ؛ عنقود ندى " للعطاش والعطشى ،وعابري سبيل ،وقد تجمدت الحناجر من حدة الصياح.. لصباح جديد رأيته يسترق الومضات ، معاودا ومختزلا، مكتنزا رجع الصدى والأمنيات عبر أصائل الأيام ، وفي أبهاء فندق "باليما "، يحلو له أن يحاور شخوصا ورسوما من عوالم الصمت الخلاق ، حتى ليفاجأ بالقامة الباسقة لصديق المكان والزمان محمد العربي الخطابي ، وقد تركا ? معا - وراءهما ظهريا ، المصدع والنيارين والمطامر، و باب التوتة، ومزالق العيون ؛ هي أزقة حفرياتها لها ذاكرة موشومة بالصمغ ، وفجر " العباسيات ". سخاء وعطاء ... وما بقي يؤسسه الفدان وحدائق العشاق؛ لما بلغ أشده ،والعود قد اشتد ، والأعناق قد اشرأبت ، والمنازع قد تماثلت فتباينت ، وإذا بالرباط في قلب المعترك ، وإذا بالصفوة من أهل الكلام استجمعوا أمرهم ليضعوا المداميك واللبنات لتجديد صرح هذا الوطن ، كل من موقعه ووعيه وأمانته .. وأديبنا الصباغ، و بما لنوعية مساهمته ، من أثر ، يدلي بدلوه ، يحاور أهل مدينته الفاضلة ، يطل علينا ؛ بشخوصها وتقاسيمها ، ومنحنياتها صبيحات الجمعات ، يختار لها مسرح الحياة ، وفي موقع لافت ،من جريدة " العلم ،" تجمعت بين الأيدي مشاتل قصاصات ، عطرات بالحبر والعود والزهر، ورحيق القرنفل ومسحوق الزنجبيل ، حتى أن غشيت أهالى الصحارى من أهل مدينته الفاضلة ، فالشيح والقيسوم والعرار؛هي الناضحة الراشحة بالمخيط والمحيط .. - ويبقى المشروع معلقا على أشجاب الذاكرة والمؤمل المؤجل ، إلى حين .. ومن سكان هذه المدينة الفاضلة وأعلامها ؛ علال الفاسي ، عبدالله كنون ، عبد الكربم غلاب ، محمد الفاسي ، محمد با حنيني محمد المختار السوسي ، محمد داود ، مما يسلسلهم السند ،فلا يحصيهم العد .؛.من جهة المشرق كما من جهة المغرب . وللمدينة حراسها أبوابها أقفالها أما مفتاحها فبين أصابعها معقود ، تلك الفاطمة الفهرية ، فمنها إليه ، ومنه إليها ، إكليل من " شجرة محار " يودع في صندوق موشى بالزيزفون ، عن زفاف ميمون ، زانه الدمقس والأرجوان، وعرائش حبق خضير تدلى ، فتدنى من " شقة خيار" ، بزنقة القائد أحمد تحت رقم 38؛ تطوان تحكي والأنامل حنيت بشقائق النعمان ، باقة عرسها 4-لعل حروف التهنئة ، أرسلتها إليه ، ملفوفة بأوراق النرجس ونكهة حناء ، مرشوشة بقطرات من " مزهر لوقاش " حملتها اليه ، في صبحية الزفاف ، وقد لفت بمنقار حمامة ، بلون الفجر واللجين لعلها تميمة لا يفك طلسمها ، ويفكك رمزها غير الخبير والعريف ، بخرائط وأطالس هذا الجغرافي المفتون بالجفريات ، وخوارق المكان ؛ ربما غابت عن حواشي تطوان ، اذ تحكي عن حالها ، وإذ يحكي عن حاله معها ، يوم صدرت عن مجنون الحب بها ، زفرة ناشزة ، روج لها العذال واللوام ، وما حسبوا يومئذ ، أن الصباغ كان تحت وطأة الغاضب والمغضوب عليه " نيتشه" بزفراته الزرادشتية ، وهي محكية بالسند الغاضب ? أيضا- عن عواصف جبران والذي صاح؛ لكم لبنانكم ولي لبناني لكم لغتكم ولي لغتي . شيء من هذا في نفاضة الجراب ، والزفرات ينسخ بعضها بعضا ،وإن الحسنات يذهبن السيآت فالقولة ? الزفرة ، المنصوص عليها ، نصا وفصا ؛ أتهيب من تهجيتها ؛ " كرهتك يا تطوان "، فهي منسوخة بعشق دائم ووصال خالد ،ترجمته المقالة النورانية عن حب الأوطان ، وقد قضى الأديب الأريب ، سنوات من عمره ليحصل على شهادة جامعية وجامعة ، مطهرة ، عنوانها ؛ ( سنوات من تطوان ، وأنا أتعلم كيف أحبك يا تطوان) ،هو الجواب الفصيح المبين ، البليغ المكين ، عن ترقيمات النقرات ، وافدة إليه يحملها الحمام الزاجل ، وقد ألقاها نثير جمان على حواشي صومعة حسان ... فالرباط تحكي والعنادل شنفت أسماع مملكة الطيور بلحنها ها هو الصباغ عريس الزمان ؛استجابة لطلبات في رسائل ورغبات ، كي يطرح عن كاهل شبابه جبة المسيح ( يسوع ) ، أعزب العصور والدهور ؛ فللعزوبة عذوبتها ، ومذاقها ذائب- كمذاق سكر قندل ...لا يلبث أن يذوب... ومن هذا التحول الاجتماعي ، تجدد محصول البيادر والحصاد ، ولكل أديب مزرعته المختارة ، ولا تخطيط سابق لها ، نعم بهذا التحول عرف المشروع الأدبي ، في كتابة الصباغ لونا نابعا من الأسرة ومن المحيط ، والحال ، أن ثقوبا فارغة على جداريات في أدبنا المغربي ، ومن هذا المعطى ،اندلقت العنادل- الفراشات من أفرشتها ، واستحمت بشعاع القمرين ، منابر الخافقين ، بلغة بوح ، وشفافية فوح ، برقة لفظ وعبير مجاز ، بزقزقة عصفور ، وهديل حمام ، بنقرات نورس ، ويخضور محارة ، بمسيل شفق ، ووضوء فجر وصفوة مناجاة وابتهالات . أتبصر أمامكم ، والصباغ طفل وسيم ، يعدو كالظل ، يثب الوثبات ، نعم ؛ أتبصر لقطات من زمن الطفولة بالمدرسة الإسلامية الحرة يتأبط محفظته ؛ خطط نقوشها ذلك الجد لحفيد ، وبداخلها علبة ألوان وكنانيش مزوقة ، وبحروفه المتوثبة ، تحضن الفواتح الأولى عن التربية الجمالية والخلقية . فريدة الفرائد أتبصرها ، عبر معراج رفراف؛ مجرد توصية زائرة. إن حصاد البيادر في مزارع الصباغ ، وبخاصة المحصول الذهبي عن " أدب الأطفال" لتدعو خبراء في التربية الجمالية إلى طرح الأسئلة مجددا عن مصير " لغتنا الجميلة " كما يصفها الشاعر فاروق شوشة ، وهو اليوم على رأس مسؤولية عظمى مجمعية لغوية ؛ هي أمانة عظمى على كاهل مجامعنا ومهندسي الخرائط اللغوية .. والحال أننا نعيش ما يشبه الصراع على الوجود ، إن الخبراء في المجامع اللغوية هم قاصرون ومقصرون حيال هذا التنافس اللغوي الحضاري ؛ فاليونيسكو ؛ والإيسيسكو ، والمجمعيات الألمعيات العربيات ، وخبراء التربية والتعليم في العالم العربي ، لم يضعوا بعد في أرقام معادلاتهم أرقاما لها أسبقيتها ، هي علاقة الطفل العربي بلغته ،فهل قمنا ببعض ما تقوم به البعثات الأجنبية من إقامة حوار جميل بين الطفل ولغته ، بين التلميذ الطالب وأدبه وتراثه ، هل صنفنا معاجم للتربية الجمالية ؟ إن لغتنا الجميلة ما زالت تشق طريقها بأظافرها وضفائرها ... -هم قلائل ممن أعاروا اهتمامهم الكامل، إلى مسألة الهوية اللغوية- وفي باطنها الهوية الحضارية- ففي المغرب كان مشروع الراحل أحمد بوكماخ ، هو جهد المقل حاول به تقديم " الفصحى " إلى أطفال لغة الضاد ، وفق المشروع الحضاري الذي تبصره برؤى متجانسة متقاطعة ، ولأنه عاش في طنجة معقل اللغات الحية ؛فكان الملاحظ الأمين على مشاريع "الآخر" ، حول إفادته من التطور العلمي والتربوي ، والجمالي، لكي يعشق أطفال "الآخر" لغتهم وإبداعاتها عبر وسائل جديدة. أستحضر بين أيديكم شهادة مسؤول كبير ، يوم كان وزيرا للتربية الوطنية ، وقد صمم العزم على إدخال " لغة الضاد" في الدواليب المخبرية ،وفي المضائق التكنولوجية ، وحتى لا تبقى لغة الضاد لغة المتاحف والفنون ،مشروع جابهته وواجهته العوائق والعراقيل ، من لوبيات وحتى من " إخوان الصفا" ومن عبقرات، هي على رأس المشاريع الحضارية ؛ فكرة ذكية خامرته ، وقد اطلع على أغلب التجارب العالمية التربوية ، وضمن ما اطلع عليه تجربة الدولة العبرية ، في تدريس التكنولوجيا المتطورة ، بمعاهدها وجامعاتها ، مستعملة اللغة القومية العبرية ، هو أقوى برهانا ودليلا قدمه- لأصحاب القرار، في ملف الدفاع عن مشروعه الحضاري اللغوي ؛ أشد هذا القوس الفضي ، وقد تجاوزت حدود المربع الأخضر ، وفي لغة الصباع ، جني الثمار، لمن صمم العزم على تحبيب أجيالنا لغة الضاد ، الجميلة ، المتطورة المتجددة ، المستجيبة لتحديات العصر ، وقد تحدثت ، هي عن نفسها عبر العصور والدهور ، وبلسان الخوارزمي وابن النفيس وعظماء الملة .. وكثير منهم ... 5- إلى جانب مشروع أدب الأطفال ، وبحمولته التربوية ومسؤو ليتها- وكما حددها الصديق العزير د محمد أنقار ، فإن الأديب الكبير ، وقد تعاظم أمر الكتابة في ذهنه ، وبما عكسته وترجمة للتفاعلات والتجاذبات الحاصلة بين حرية الفكر والإبداع ، من جهة ، وبين القوانين السيابية الوضعية ، والمفصلة على مقاس شهوة الحاكمين بأمرهم من جهة ثانية .. إن جدلية الصراع الموصوفة بالتحدي والاستجابة كانت موضوع دراسات وتحليلات سواء من وجهة علم النفس السياسي ، أو من وجهة مؤرخي الأفكار الأدبية ، ومساراتها الإبداعية ؛فالقصة لها أبطالها في التاريخ ، عرض لبعضهم الكاتب المصري سلامة موسى وغيره ، إلا أن الجديد الطريف في العرض والتناول، هو إتحاف محمد الصباغ المتجلي في فن العرض وبإتقان أخاذ ، رسم به مواكب الخلود لشخصيات عبر التاريخ ، رفعوا أعلام الحرية ، ونصبوا أنفسهم " شهداء على الحق"، حتى أضحوا هم الشهداء- بحق - على الحق إنهم ؛( اللا ئيون .....ويحترق البحر*)؛ يحلو لأديبنا المتفرد أن ينحاز إلى صف جمع المذكر السالم ، فاللائيون جمع لمفرد " لائي " لما تحويه الصيغة من جمهرة القوة ، لا بعددها بل لقوتها ونوعيتها ، " صمود وسط الأعاصير"؛ ولقد ظل مشروع " اللا ئيون .. ويحترق البحر " تحت الأدراج ، بل إنه صار في البال ، في حالة تأمل، وفي صيرورة اختمار. وكأنه بداية الخاتمة في كتابة "الأدب الملتزم " بالمعنى الأيديولوجي الصرف ، علما بأن صاحب " شلال الأسود" وخاطرة " أنا الشعب " هو ذاته ، بصورته وهيولاه ، صاحب كتاب متميز ،وأعني به؛ " أطالب بدم الكلمة"؛ولم لا يكون هذا الكتاب بمثابة الشرح الضافي لكتاب " اللا ئيون ويحترق البحر ؟"؛وبتناغم صباغي الفصول والغايات ، يندلق الخيط السري لينساب نسيجا متلاحما ينتظم أفراد الموكب اللائي، في رحلتهم عبر مدارات الفصول والأعوام ؛ وبطرافة معهودة فيه ، يختلق الصباغ حوارا ، في منتهى التخييل، ببعد مجاز ، وتجنيح استعارة ، و تكثيف استحضار لشواهد ومشاهد ، من مظان تواريخ ، وتلميحات حوليات ، حتى لتخال أن الحوار بين "لا" و"نعم" موثق بين أروقة المحاكم التاريخية؛ (يحضرني، في هذا السياق ، ما جرى بين الفيلسوف ابن رشد وبين الصوفي الكبير محي الدين بن العربي ، وهذا الأخير أرسله والده في مهمة إلى الشيخ الفيلسوف ، وابن عربي ? يومئذ- في مقتبل العمر : - كيف تراك ؟ - بين لا ونعم - وبين لا ونعم تطير الأرواح ) ربما يختلف الأمر ، باختلاف النازلة وحيثياتها ؛ فالصباغ في مراميه السياسية ، هو على غير تخريجات الفقهاء الذين يقولون ، في الدفاع عن أخلاقيتهم الاجتماعية ؛ إن "لا" تدفع البلا ، وإن " نعم " تجلب االنقم" ؛فالفقهاء بارعون في التخريجات غير المحرجة لهم ، وفيما يتخذونه من مواقف، وهم من أهل الحل والعقد؛ لنستمع إلى هؤلاء اللا ئيين ، يقدمون أنفسهم ، وبتوقيعاتهم التي تقطر دما مسفوحا؛ ( نحن اللا ئيين على مدار التاريخ ،بلونا الحياة، قشرنا الأجناس ، فتحنا الأفكار قطعنا دروب الإنسان ، تسلقنا أعنان الكتاب ، شربنا سواد المداد، فركنا بين أصابعنا سنابل التاريخ ، فلم تستقر في أكفنا إلا جوهرة واحدة ؛" الحرية"). ( هذه الباسمة للشمس للبحر للنسيم ، للإنسان للمحال ؛ هذه الجميلة أردناها ضحكة هجوم تقتحم فتنتصر ، على كل بؤس وقمع ووحش وانتهاز وسوط ، وتزوير وخداع ، وانتكاس وقفل ونار وحديد،بهذه الماسة وحدها ترقى علقة الطين ؛ إنسانا ، إنسانا ، إنسانية ، وبدونها يهوى الإنسان ، أتفه من وسخ بعوضة سكنا المشانق تجرعنا المنافي مضغنا الحديد لبسنا النار والدم لبسنا القبور هكذا كانت تمر القماقم في حدقة الرعب ، مملوءة بأغصاننا المتناثرة ، مشحونة بسحيق موتنا على طول التاريخ وعرضه)؛ لعله أشبه بفلاش سينمائي ،هذا التقديم ، وقد جاء بعد السيناريو الفريد، كحوار متبادل في مجال إسناد التهم ، بين لا ونعم ، حتى يتسع المجال ، بعد ذلك ، لعرض بانورامي ، استبطاني لمواقف ووقفات صدرت عن جمهرة اللائيين عبر التاريخ ، وحضارت متعاقبة وأديان متلاحقة ، ودون أن تأخذ مجراها الكرنولوجي ؛فمن عهد الفراعنة الأقدمين إلى عصر الفراعنة المحدثين ؛ بدءا من أخناتون الى سيد قطب ؛يتوالى مو كب " اللا ئيون " ؛ فمن العصر اليونان ، أناجزاجوراتس، ومحاكمة سقراط.. - ومن العصر الجاهلي ، طرفة ابن العبد و يقف الصحابي الجليل ؛ أبو ذر الغفاري على رأس القائمة ، في العصر الإسلامي لتختم القائمة برقم 20 يحمله الشهيد سيد قطب. - ومن حضارة الغرب في العصر الحديث؛ بلغ عدد " اللائيون" 12 شخصية . - هل نكون مجازفين ، إذا قلنا بأن محمد الصباغ ؛ الكاتب الأديب ن قد أتحف قراء العربية بمعجم فريد لبذور ضاوية في سماء الفكر البشري ( أناروا ليحترق بحر الدجى)، كانوا كالسراج المنير في عالم الظلموت ؛هو معجم ، طريف لطيف ، خالف فيه المصنف الصباغ المناهج المألوفة في ميدان التراجم ، وهم يسلكون التراتيب الأبجدية وبما سطر التوثيق والتدقيق ، لكن المؤلف ذيل كل لائي بتعريف وجيز ، لتكتمل الصورة لقارئ هذا المعجم اللائي ، الطافح بمكنون الأسرار ،وخوارق الأوتار ، وشوارق الأنوار ، هو هو الصباغ لايعدم قدرة الاستبطان ،ومدارك الاستبصار ، يمنحك البرهان قبل أن يتجلى للعيان ، وإذا بك تتقرى بالمحسوس بالمحدوس تقاسيم الشخصية اللائية, هوية زمن وتاريخ جغرافية ، يسلم إليك مفتاح الشخصية المرموز إليها بأوجز عبارة وألطف إشارة ، والصباغ في الحالتين يتماهى في شرايين العمق الثقافي ، فيغربل ما يغربل بمصفاة الفن الأنيق . صباغ يحكي ، لائيون هم الألى نفضوا غبار الصمت بالحرف " لا" فليحترق بحر الدجى بدمائهم ولتنطفئ نيرانها صوب العلا ترى وفيت حق صديقي الكبير ، الشاعر والأديب محمد الصباغ ، وقد غمرني شعاعه في المنتديات الممرعات ، وأنا قبل وبعد له مدين وكأني ، في ما قمت به ، هومن قبيل جهد المقل أوهو غيض من فيضه العميم. فلقد وضعت تراث الصباغ أما م بصيرتي ، كان أمام عيني كالقطوف من جني الثمار ، لم أخلخل ، ولم أفكك و لم أعقلن ، لم أفترض، فلم أستنتج ، لكني استعملت لغة الوصال ، كحوار باطني مع الكتابة الصباغية ، وقد أطلقت بسملتي في فاتحة السياق ؛ إلا ما كان من الكتاب الموسوم ب " اللائيون ويحترق البحر "، لأني قرأته مجددا ، بعد عملية المراجعة على طبعه ورقانتة ، يوم تشرفت " المواسم" الطنجية بتقديمه إلى قراء العربية ...وهو في نظري له الأحقية في أن يطبع وينشر في " سلسلة "ألف كتاب" ولي موعد، في المستقبل مع الثالوث ، كفن بديع في النثر العربي؛ شموع على الطريق - شجر محار - دفقات - يحكي صديق - المهرجان أنيسه- الليل ساج والنجوم سراجه.. قد تناغمت أطيافه ولحونه طبت نفسا هو الرحمان يكلأنا بعميم فضل؛ وبالاحسان ميسمه 29/4/2011 * ألقيت هذه الكلمة/ الشهادة ، بمناسبة تكريم الأديب الكبير محمد الصباغ ، من طرف جمعية " تطاوين أسمير" أصيل يوم السبت 30 أبريل 2011 بدار الثقافة بتطوان ، وبمشركة الشعراء عبد الكريم الطبال ، المهدي أخريف، وأحمد هاشم الريسوني واستهلت الكلمات بشهادة الشاعرة فاطمةالميموني وكان مسك الفوح والبوح ؛ عبير الصباغ المحتفى به . - وبا نصرافنا من رمل الماية ؛ إذا بسرب حمام يعتلي رؤوسنا ، و في الفضاء لازمة بلغة منطق الطير، كأنه جواب عن سؤال " نحن الحمام وأسراب غزلان ، سنقيم له مباهج المنى ، نطير به على أجنحتنا إلى أعشاشنا وعبر سنابل شمس ، ومشاتل نجوم. لكم احتفالكم ولنا احتفاؤنا * طبع ضمن ملف خاص عن محمد الصباغ ، بمجلة " مواسم" 9/10 صيف98/99