الكاتب : رشيد الفرتيت – باحث في العلوم السياسية و القانون الدستوري. التتمة ....
في ظل الدستور السابق، كان يتم تعيين الوزير الأول من خارج الأغلبية، وحتى اقتراح مشروع قانون على البرلمان، كان من الضروري أن يمر، قبل كل شيء على المجلس الوزاري. والتحول وقع في هذه النقطة بالأساس، ولكن لابد من الإشارة إلى مشكل الثقافة «الحكومية» إن شئنا التعبير، السائدة عندنا، فحتى لو منحنا صلاحيات واسعة للحكومة، فهل الأحزاب مؤهلة فعلا، أن تضع الشخص المناسب في المكان المناسب، ألا نصبح أمام حكومة العائلات؟ وهل ستختفي تلك الحسابات المرتبطة بسيادة الثقافة التقليدية المخزنية داخل الأحزاب؟ لهذا، نعتقد أنه لا يجب أن نتوقف، بالضرورة، عند الدستور وما يعكسه من حمولة، بل يجب أن نثير مسألة تأويل وترجمة مضامينه ومقتضياته .
تأويل الدستور:
الدستور الجديد يمنح صلاحيات واسعة للحكومة، ولكن تطبيقه سيكون إما ديمقراطيا، وسيصوت المغاربة على نساء ورجال قادرين على تحمل المسؤوليات في إطار وثيقة الدستور الجديد، والدفاع عن الصلاحيات التي يخولها للحكومة، وإما أن يكون التأويل مخزنيا. بمعنى أن النخب والمسؤولين سيكونون دون المستوى، لأن المشروع الحالي يضم مقتضيات متقدمة، والولاية الأولى والثانية هي التي ستعيد وتتمم كتابة هذا الدستور، وتصنع لنا أعرافا حقيقية. هل سيدافع رئيس الحكومة المعين، بقوة واستماتة، عن الصلاحيات المخولة إليه، هل سيكون بإمكانه، مثلا،أن يقترح وزير الداخلية، أو وزير الأوقاف، أو وزير الشؤون الخارجية، أم أنه سيتفاوض وسيتوافق؟ وفي هذا السياق، ما هي مساحات الاتفاق، والتوافق، وهل ستسير الحكومة، فعلا، في اتجاه اقتراح العمال والولاة، والسفراء،إذن القضية كلها مرتبطة بالتأويل، والحمولة الحقيقية التي يمكن إعطائها إلى الدستور هو التملك، خاصة من طرف القوى السياسية الحقيقية. دون ذلك، سنكون أمام دستور متقدم من جهة، وأمام نخب مخزنية من جهة أخرى. يتضح مما سبق أن المسألة تتجاوز التأويل، لتشمل الممارسة والتطبيق، بمعنى هل سيكون رئيس الحكومة في مستوى التطلعات، لأن الدستور وثيقة ومرتبطة بالتطبيق، فهل سيكون لرئيس الحكومة الجرأة في تطبيق مضامينه بشكل كامل وجريء، ويكون في مستوى تطلعات الشعب، وتطلعات المغرب الجديد؟ إن الدستور ثمرة عمل مشترك، ويضع الحكومة ورئيسها أمام المسؤولية، فهل ستكون هناك موضوعية وشفافية في تنزيل المضامين، وفي إسناد المسؤوليات الحكومية؟ أم هل سيخضع توزيع المسؤوليات إلى أسس لا علاقة لها بالكفاءة، والنزاهة، والشفافية؟
ازدواجية الحكومة-الدولة:
ينبغي أن نتعمق في موضوع الحكومة وهنا، أريد أن أثير مسألة جوهرية، وهي أن موضوع الإصلاح الدستوري هو السلطة التنفيذية، بمعنى أن عقدة الإصلاح الدستوري، هي المسؤولية السياسية، وفي هذا السياق ينبغي التأكيد أننا كنا نعيش في زمن سياسي تطبعه اللامسؤولية. كان ثمة من يدبر الشأن العام بعيدا عن المراقبة والمحاسبة، وبالنسبة إلى هذه القضية، يجب أن ننطلق من الممارسة وليس من مرجعيات فقهية أو معيارية، وننطلق أساسا من تجربة حكومة التناوب، التي أسسها عبد الرحمان اليوسفي. المشكل الذي ساد، كان يتمثل في ازدواجية الحكومة والدولة، يعني أن منطق اللامسؤولية كان أكبر من مجال المسؤولية، ثم هناك جزء من أعضاء الحكومة يخضعون للمراقبة والمحاسبة، باعتبارهم وزراء ينتمون إلى أحزاب، ولكن هناك من جهة أخرى، وزراء السيادة، والتقنوقراط، وهم يشكلون جزءا كبيرا من الحكومة،ولا يخضعون إلى المراقبة أو المحاسبة..
كان المشكل يتجلى في وجود كاتب عام للوزارة يواجهك بكونه معينا بظهير، وكذلك الشأن بالنسبة إلى المدراء العامين للمؤسسات العمومية، والعمال والولاة،إذن كان لدينا إشكال يتمثل في ازدواجية الحكومة- الدولة، هذا هو الإشكال الحقيقي. إذ أن العقدة كانت تتجلى في الانتقال إلى المسؤولية، بمعنى أن الحكومة ستصبح لها مسؤوليات وصلاحيات حقيقية، وأعتقد أن المغاربة لم يكن لديهم أي مشكل مع الصلاحيات الدينية، وحتى العسكرية للملك، بل مشكل المغاربة كان مع نمط الملكية التنفيذية، ويجب أن نقيس تقدم الدستور الجديد، من خلال معرفة هل أجاب عن السؤال الذي طُرح، وليس الأسئلة التي لم تُطرح. ما هو الجواب المتوفر الآن؟ الجواب هو أننا أمام ملكية برلمانية تشاركية، والسلطة التنفيذية مقتسمة، أو تخضع للتشارك مع الملك، في ثلاث مجالات: الأول يتعلق بالمجال الديني، والاختصاصات السيادية العسكرية. والثاني مجال مشترك، يضم الأمن والعلاقات الخارجية، لماذا نعتبر هذا المجال مشتركا؟ لأن الحكومة لها إمكانية التداول، والحكومة أصبح لها اليوم دور في جميع الأمور العامة والتوجهات الإستراتيجية، بل أكثر من ذلك لديها سلطة الاقتراح،إذ يمكن أن تقترح مديرين لمؤسسات أمنية، إنها تتداول وتقترح، في مجال مشترك، الملك لديه القرار النهائي، ولكن السياسات تكون موضوع نقاش، السياسة الأمنية يمكن أن تكون موضع نقاش داخل المجلس الحكومي كما داخل المجلس الوطني للأمن. والمجال الثالث، مرتبط بالصلاحيات الذاتية للحكومة التي تبت فيها. وتهم هذه المجالات كل ما يتعلق بالسياسات العمومية، ويعني تدبير القطاعات الاقتصادية، والمالية، والاجتماعية، والثقافية، و التنموية هذا كله يندرج ضمن مجال الحكومة، يمكن أن تحيل جميع مشاريع القوانين على البرلمان، هذه اختصاصات تمر في مجلس الحكومة، يمكن لرئيس الحكومة أن يعين كاتبا عاما، أو مديرا لقطاع معين، أو مديرا مركزيا، أو مدير أكاديمية...، وهذا ليس بالأمر البسيط، لأنه ستكون له آثار مهيكلة بالنسبة إلى العلاقة بين الإداري والسياسي، وسيُسهم في حسن تدبير الشأن العام، وتحقيق النجاعة في سير المؤسسات. أما بالنسبة إلى قضية النخب، والسؤال المحوري هو ما هي النخب التي ستلج قبة البرلمان؟ وهل ستدفع الأحزاب السياسية بنخب جديدة؟ إذا كان المغاربة صوتوا على الدستور، فإنهم مطالبون ، بالتصويت على من سيتكلفون بتطبيقه، وهذا أهم بكثير، فما هي النخب التي ستدخل البرلمان وفق إرادة الشعب ، والتي سيتعين عليها أن تعمل على تطبيق مقتضيات الدستور؟