إن جوهر التباين الشاسع في مفهوم الاستقالة بين العالمين العربي والغربي يُظهر جلياً سر علو كعب الأمة الغربية إدارياً، وديمومة عافيتها وإنتاجيتها، كما يظهر في الوقت نفسه مصدر الإخفاق الإداري الذريع الذي نرزح تحت وطأته و هو ما يبرر فشل منظومة العمل الإداري العربي و المغربي و لو حتى في قلب الصحراء ، الذي تعاونت على تقويض أركانه مسلَّمات بالية، وحسابات قاصرة النظر، وفوق هذا وذاك مصالح ذاتية جشعة ذات وجه قبيح سهل عليها أن تدوس في معظم الأحوال على المصلحة العامة. أتذكر قبل نحو حوالي ست سنوات، وفي صيف العام 2005 شب حريق في دار الثقافة في محافظة بني سويف المصرية أثناء عرض مسرحي، عمت الفوضى المكان ولم تتمكن فرق الإطفاء الوصول مبكرا، مما أدى إلى مقتل 46 مواطنا، بينهم مسرحيون معرفون وصحفيان كبيران، وعانى المصابون بحروق مختلفة من تردي خدمات الإسعاف الطبي التي قدمت لهم. يومها قدم وزير الثقافة المصري فاروق حسني استقالته إلى الرئيس المصري المخلوع مبارك، شعورا منه بالتقصير، وتحمله المسؤولية عن مقتل العشرات، واعتذارا ضمنيا لعوائل الضحايا، وكشفت ردود غريبة من مواطنين مصريين إلى صحف ومواقع على الانترنيت كم من السنوات الضوئية تبعدنا عن الديمقراطية، بعض المواطنين أعرب عن استغرابه من استقالة الوزير، آخرين قالوا أن اللجوء إلى الاستقالة في مثل هذه الحالات تقليد غربي أوروبي ، مواطن قال أن الوزير أراد لفت الأنظار إليه، وهو يعلم مسبقا أن الرئيس مبارك لن يقبل استقالة ، كذلك الأمر بالنسبة لاستقالة رئيس بلدية المرسى حسن الدرهم البعض من عشاق المقاعد اعتبرها تراجع أو انسحاب . و لكن مصادر مطلعة أكدت أن بلدية المرسى تعيش على وقع حصار نافذ قبل ثورة الياسمين بتونس ، تقودها ولاية العيون بالوكالة ضد الدرهم ، عن طريق عرقلة جميع الإجراءات الإدارية التي تمر من خلالها سواء مسألة الإنعاش الوطني أو الصفقات العمومية أو التوظيفات و كل المشاريع الحيوية ، في محاولة لتحجيم دور البلدية و رئيسها الذي سجل عدة مواقف تحسب له مما يجعل استقالته قنبلة سيمع ذويها في كل جانب.
فالبرلماني الصحراوي حسن الدرهم عن الفريق الاشتراكي بمجلس نواب حسب بعض المصادر قد انسحب من لجنة تقصي الحقائق التي تم تشكيلها من الفرق البرلمانية الممثلة بالبرلمان للنظر في الإحداث الدامية التي عرفتها العيون يوم 08 نونبر بعد الهجوم على مخيم " اكديم ازيك". وحسب مصادر مقربة من البرلماني الصحراوي فإن انسحابه من اللجنة قد يكون جاء تفاديا للحرج الذي يمكن أن تسببه له مع ساكنة العيون . و نستحضر أيضا مداخلة البرلماني الصحراوي حسن الدرهم، أمام لجنة الخارجية بمجلس النواب، التي حملت مجموعة من الرسائل والمعطيات الخطيرة التي لا يمكن أن تكون كلاما عابرا من شخصية محنكة لها باع طويل في السياسة و المال ، المداخلة شخصت الأوضاع السياسية والاجتماعية بجرأة سياسية كبيرة ، مما جعلت خصمه التقليدي يستنفر كل صحفي العيون للرد ، بعدما كشف الدرهم ، في الجانب السياسي المرتبط بتدبير ملف الصحراء، أمام وزير الخارجية سعد الدين العثماني بأن برلمانيي الصحراء، وبالتالي أعيانها، فشلوا في أدوارهم ولم يستطيعوا تحقيق أية نتائج ملموسة وبعيدة المدى في ما يرتبط بالحرب الباردة الدائرة رحاها في المنتظم الدولي بين المغرب وخصومه. وزاد الدرهم على ذلك أن حتى سياسة الوفود التي تبعثها الدولة إلى مجموعة من العواصم العالمية لم تأت بشيء، اللهم استنزافها لميزانية الدولة بدون فائدة على المغرب، وقال إن الكل يتحمل مسؤولية ذلك الفشل.. الدولة وبرلمانيين .. فبوجود مجموعة من العراقيل تمنعه من مواصلة مهامه كرئيس لبلدية المرسى ، سجل حسن الدرهم هدف قاتل شباك أصحاب الدكاكين الانتخابية ، و فتح مرحلة جديدة تحتم على رؤساء البلديات و الجماعات ، إما العمل و خدمة الساكنة ، أو تقديم استقالة شجاعة و بروح رياضية. و ختاما عندما يستقيل حسن الدرهم و هو ذو منصب رفيع احتجاجا على و ضعية شاذة هو أمر مستحسن في نطاق العقليات الإنسانية المؤمنة بقيم التحضر وعلى رأسها قيمة تحمل المسؤولية الأخلاقية سلبا أو إيجابا، بخلاف البيئات البدائية القائمة على مبادئ القبلية الضيقة و العنف والمغالبة التي لا يلقى فيها مثل هذا الإنسان أكثر من العنصرية المفلسة ووطنية ربع ساعة الأخيرة. الاستقالة هي شجاعة ورجولة ، بل أكثر من ذلك هي تنفيذ للبرنامج الانتخابي. *مدير نشر ورئيس تحرير جريدة دعوة الحرية