هم عمال وبحارة أومنيوم المغربي للصيد،وهم أنفسهم و معهم عوائلهم الذين صوتوا إجماعا ب "نعم" لصالح الدستور، في الإستفتاء المجرى يومه الجمعة فاتح يوليوز2011،وكلهم أمل آنذاك، في عيش حياة كريمة ،حياة تراعى فيها كل المبادئ والقوانين الوطنية والكونية،لكنهم وجدوا أنفسهم بعد وقت قصير لم يتعدى السنة على ميلاد هذا الدستور، أمام واقع انتهاك واضح لحرمة القانون ،الذي يتساوى أمامه الجميع،أشخاصا ذاتيين أو إعتباريين،بما فيهم السلطات العمومية، بل وملزمين أيضا بالإمتثال له،اعتبارا لما جاء في الفصل 6 من الدستور،إلا أن السلطات المحلية والوطنية لم تبدل جهدا في سبيل إرساء مفهوم دولة الحق والقانون ، في غياب سياسة ديمقراطية تشاركية منصوص عليها في الفصل12 تلزم من خلالها كل الأطراف المعنية بالمشاركة في الحياة السياسية ، عبر إعداد قرارات ومشاريع لدى المؤسسات المنتخبة والسلطات العمومية،وكذا تفعيلها وتقييمها،على الرغم من أن تنسيقية عمال وبحارة ( أ.م.ص ) ،استنفدت كل الوسائل القانونية والحضارية للتعريف بقضيتها ولعرض ملفها المطلبي الذي لا يكاد يخرج عن إطار أبسط حقوق الإنسان المتعارف عليها دوليا. عبر إيصال صوتها إلى كل المسؤولين المحليين والوطنيين وكل المنتخبين، لكن الحكومة وعوض أن تشرك الشغيلة كطرف ثالت في المعادلة ، إكتفت بالتفاوض مع طرف واحد فقط ، في خرق سافر للدستور الذي يفترض فيها حمايته والدود عنه. ولم يقتصر الأمر على غياب وتغييب الديمقراطية التشاركية فقط، في ملف عمال وبحارة ( أ.م.ص ) ، بل تعداه إلى تقييد الحق في الحصول على المعلومة، من حوزة الإدارة العمومية والمؤسسات المنتخبة،والهيئات المكلفة بمهام المرفق العام،والمضمون بقوة القانون في الفصل 27 من الدستور، وذلك بانتهاج سياسة التكتم والتستر،جاهلين أو متجاهلين بأن الحق في المعلومة لا يعد حقا إنسانيا فحسب ، بل شرطا أساسيا من شروط الحكا مة الجيدة،و التي لا يمكن الحكم على شفا فية أي عمل للحكومة دون توفير المعلومات الرسمية لمواطنيها للإطلاع عليها،وكذا تقييمها واتخاد الموقف المناسب اتجاهها ، وسبق في هذا الصدد أن أوضحت نائبة رئيس المنظمة العالمية لحقوق الإنسان السيدة أمينة بوعياش في تصريح لمركز الدوحة لحرية الإعلام،( أن ضمان حق الوصول إلى المعلومة له صلة وثيقة بتعميق المسلسل الديمقراطي ببلادنا ،وتوسيع وتعزيز الحريا ت العا مة والممارسة الفعلية للمواطنة،ومن شأنه أيضا المساهمة في محاربة الفساد وثقافة التكثم وضمان عدم تكرار ما جرى من انتهاكات جسيمة ). وإذا كانت مؤسسات الدولة التي يفترض فيها أن تقوم بدور ومهمة السهر على تحقيق الحق وسيادة القانون، تصبح عن قصد أو عن غير قصد أول منتهك لحرمته،فلماذا سنطا لب إذا شركة أومنيوم المغربي للصيد بتطبيق القانون ؟ إذ لا يمكننا في أي حال من الأحوال أن نلوم الشركة على ضربها بمدونة الشغل عرض الحائط ،وبتطاولها على حقوق العمال المكفولة في المادة 24 من مدونة الشغل ، والتي تلزم المشغل بضرورة وضع نظام داخلي ، وتحديد تواريخ أداء الأجور ومواقيتها ومكان أدائها ،في إطار تكريس مبدأ صون الكرامة المنصوص عليه في نفس المادة ، هذا دون الحديث عن باقي التجاوزات التي سمعنا عنها و لا نملك الحيز الكافي لسردها،نظرا لكونها أصبحت تدخل في حكم الطابوهات والمسلمات بالنسبة للشغيلة. ولكن الأمر الخطير في هذه المعادلة هو إغلاق الشركة لأبوابها في وجه عمالها دون اتخاد أي إجراءات قانونية،أواعتبارات إنسانية،ولم تلزم نفسها بتوجيه أي إخطار أو إشعار ،من شأنه تبرير التطاول الواضح على المادة 43 من مدونة الشغل، وفي ظل حرمان الشغيلة من راتبها لمدة ما يزيد عن الشهرين، دون مراعاة لظروفها المأساوية وهي اليوم في هذا الشهر الأبرك ،وغدا هم مقبلون على العيد، وبعده على الدخول المدرسي،رغم أن المادة 352 تنص حرفيا أن : الإنقطاع المؤقت عن الشغل بسبب توقف المقاولة كليا أو جزئيا بفعل قوة قاهرة، أو بمقتضى حكم قضائي، أو قرار إداري تعد فترات شغل فعلي . وفي نفس هذا السياق لم يخطئ الأب الروحي لحقوق الإنسان " روني كاسان" حين قال : (إن حقوق الإنسان لا يمكنها أن تستقر، إلا إذا استقرت في أفئدتنا وعقولنا قبل أن تستقر في مواثيقنا وأعرافنا الدولية.)