سقط القناعُ عنِ القناع حاصر حصاركَ ...... لامفرُّ سقطت ذراعك فالتقطها واضرب عدوك لامفرُّ وسقطت قربك فالتقطني واضرب عدوك بي .. فأنت الان حرُّ حرُّ وحرُّ هي كلمات قالها محمود درويش شعرا, حينما اشتد الحصار على أبناء عشيرته و ذويه من المهجرين و المناضلين على جذوة الثورة, يوم كانت فيه بيروت محاصرة بشدة, يومها كان الجميع قد تخلى عن بيروت و عن من كان فيها, يومها لم يعد للفلسطيني إلا الريح, و يومها ضاقت بالثوار هذه الآفاق, و تلاشت على أنظارهم الأبعاد, فلم يعد شيء يخيفهم ولم يعد في الحرب ما يرهبهم, إنها لحظة للمواجهة, لحظة يصعب فيها التراجع و ينتفض عند حدودها الكبرياء, لحظة لقتل الخوف فكرةً في النفوس, هي بالفعل مرحلة أخيرة قبل الإنتصار. كذلك هو حال الأغلبية الصامتة في كل مكان, و في الطنطان مثلا يصعب على الفاسدين محاصرة الإصلاح طويلا, ببساطة لأنها مدينة سُمّيت ذات يوم بالطنطان. فساكنتها ضاقت بها الآمال بما رحبت، حتى اعتنقت فكرة المقاطعة مذهبا راسخا في النفوس, و جعلت من لغة الصمت السياسي وجهة لا محيد عنها, هي اليوم في مرحلة الهدوء الذي لن يسبق في نهاية المطاف إلا عاصفة تلقي بظلالها على الفساد و القائمين عليه. الطنطان..مدينة الاشيء كما يحلو للبعض وصفها, مدينة زادتها السياسة رهقا, و أتعبت كاهلها تلك المخططات الجوفاء التي تجعلت منها بطنا رخوة يسهُل اختراقها, هي الآن تئن على وقع الصدمات, إنه التهميش الذي انقطع في الصحراء نظير له, و لن نكلف أنفسنا عناء البحث عن تجلياته, فطوابير المعطلين التي لا حصر لها، و حملات تفريقهم و النيل من كرامتهم و اختراق صفوفهم تجعلنا أمام واقع مفضوح أمام أعين الراصدين, و لن تأنف العقول إدراك أن مدينة هي من أقدم مدن الصحراء و أعرقها تاريخا, هي اليوم بأزقة من الطين و الوحل, هي اليوم في ظلمات دامسة تهجع المصابيح عند مسالكها و في مفترقاتها, ظلمات لم يكن تجليها الوحيد ضعف الإنارة و هشاشة البنيات, بل تجلت أيضا في قلوب منتخبين لا يفقهون إلا الوعود الكاذبة و التماطل المهين لساكنتها. أغلبية صامتة أو أغلبية الصمت المطبق, هي ذلك المجال البشري الممتد من أول الخوف إلى آخر نقطة عند منعطف الإستسلام, فليس الخوف هو فقط ما يجعلها صامتة, و لن يكون الإستسلام مآل الراغبين فيها بمستقبل أفضل, إن الأغلبية لا بد أن تصنع حاضرها بيدها, و لأنها أغلبية فإن القاعدة الديمقراطية تفرض ذاتها على من يتجاهلها سهوا أو قصدا,هو إذن قدرهذه الأغلبية الذي لا مناص من معانقته، قدر يفرضه المنطق و تحدده الوقائع، فإما أن تكون أو لاتكون.