عندما تقرأ أولى العتبات ( عنوان هذه المقالة ) ، يُلقى في روعك السؤال عن سر اختيار تعبيرات السالكين عن الأحوال والمقامات ، ولكيلا تتيه في صحراء التساؤلات – والسؤال مادة استدرار واستحضار الأفكار والخواطر و الشطحات - ، فإني ألقي اليك ببعض الجواب ،وإن كان ما كل ما يعلم يقال ، لقد قال النفري : "إذا اتسعت الرؤيا ضاقت العبارة " أو ماتت ، فالتمسنا الإشارة ، إذ ما عاد للكلام متسع ولا بالسمع يُنتفَع ، فكم سمعنا من أخبار وإشهار فطربنا وانتشينا بما سمعنا ، لكننا فجعنا و أسِفْنا لرداءة ما رأينا ، وإذا بالهاتف بمعناه الصوفي يهز أعماقنا هزا يكاد يقطع نياط قلوبنا :" أن تسمع بالمُعَيْدي خير من أن تراه " ، وقد صدقناه حين شهدنا كيف تبرم صكوك المضايفة مع من تسمى مجازا " هَمْزة " تهتبل كل فرصة أو "هَمْزة " يتناقل خبرها كل هُمَزة لمَُزة !. إني لا أكتب مقامة من مقامات الحريري ، وما اضطرّني الى الكلام الملغّز الاّ ما عناه الشاعر بقوله : " إياك أعني واسمعي يا جاره ! " وليس سرا أن الخاطر قد تكدر صفوه من سوء الاختيار ، خاصة وأن الأرائك الوثيرة تنضح من غبار "دثارها " آثار بخل أو استهتار ! ، وكأنما ألقي الجمع ببئر مقعرة لا ماء فيها ولا ثمار ! . فأي انحسار أو احتضار لحلمٍ استبد بعشاق زخرف القول سنين عدة ، حين يحيط بالحلم غبش أو يطيح به غش ! . ليست هذه المقالة مناحة ولا مرثية سقوط أحلام ، وما انسقتُ لحظة الى القدح أو العذَل ، فإن أعقل الناس أعذرهم للناس ! ، وإنما عبرت عن خلجات النفس بصدق لا نفاق يخالطه ، لأن العتاب الظاهر خير من حقد مستور ! . ليس سرا أن النغمات إكسير النشوة ، وقد تكبر النشوة وتعظم فينوء بها الصدر ، أو يفور من وقعها تنور الشعر ، فتغدو خيمة الشعر فضاء يضج بخيبة جندلت الصدر ، أو ذكرى ظئر سقت الغير الغيل من غير حبَل ، فصَدّت حين رام الإسماع والإمتاع ، وكأني بالأعشى ينشد : صدت هريرة عنّا فَما تُكلّمنا **** جهلاً بأم خُليْدٍ حبلَ من تصل ؟ و حين صدّت ، وقد صدحت ربة الشعر بما حقه الكتم ، جال في الخلد أن النشوة والقسوة لا تجتمعان ، وأن شيطان الشعر تصرعه ولا تخرسه فنتة الناي إذا نُفخت ! ، فقد أنطقه المزمار ، وانبرى يفتش في دفاتر الذاكرة عن قصص الصرعى والمولهين في مجالس السلاطين : و لخولة أطلال ..... من أجمل ما قيل : الإيناس قبل الابساس ، والشعر شعور لا ينبجس و لا تصير جَزُورُه بَسوساً فتُحتلَبُ ، إلا إذا استأنس القلبُ أو استأسن الشعور من فرط ما كدرت صفوَه النائبات ، و لذلك قيل : إن الشعر بابُه نكد ، فإذا دخل باب الخير لانَ ، وقد لان بعضه فمَجّتْه الآذان ، وأفرط بعضهم فأثقل الميزان ، أعني ميزان السمع الذي لا يقبل من الفن إلا أعذبه ، ولا يستلطف من القول إلا أطرفه وأخفه ، فكل طريف خفيف في معجم الظرفاء .