أين صوت الحكمة فيما يقع في مصر؟ أين الصوت الذي يوازي بين المطالب المشروعة والواجبات الشرعية؟ من يحب مصر ومن يكرهها؟ هل يفرق المصريون بين دعاة التغيير وبين نعيب الغربان؟ إن حال مصر اليوم لا يسر أحدا. أصبحت مصر الحضارة تنكل بنفسها وأصبح المصريون من ينطبق عليهم "ويخربون بيوتهم بأيديهم"، ففي غمرة نشوة الانتصار للشارع وهيمنة المواطن على الحياة العامة وغياب الأمن بدعوى أن حفظ النظام ليست مهمته وفي ظل ارتفاع أصوات داعية إلى رحيل مبارك نسي المصريون حياتهم اليومية التي تضيع بين أجندات مختلفة ونسوا تاريخهم الذي يتعرض للنهب كما تم سلب ثرات وتاريخ بلاد الرافدين الناطقين دون كتب. لسنا ممن يحشر نفسه في شأن مصري داخلي كما فعل القرضاوي اللاجئ بالديوان الأميري لقطر ولا أحد تلاميذته الأغبياء ولكن ننظر إلى هذا البلد ذو الموقع الاستراتيجي في العالم العربي والإسلامي وأيدينا على قلوبنا من أن يتم تدميره حتى لا يستطيع النهوض، ولسنا ضد حق الشعب المصري في التعبير عن مطالبه مهما كان سقفها، فالمصريون أدرى بشعاب أهراماتهم لكن نقول إنه لما تغب الحكمة ويحرض الغوغاء والناعقون يخسر الجميع. إن الخاسر الأكبر هو مصر، فأي طرف ربح المعركة سيكون ذلك على حساب سمعة مصر وتاريخها وشعبها وفنها وحضارتها، إن الطرف الرابح للمعركة سيرث ركاما من التدمير والتخريب. طوال أيام الانتفاضة المصرية استمعنا إلى شيوخ وسياسيين وطارئين ومحللين، سمعنا إنشاء ولم نسمع فكرة قادرة على التغيير مع حماية مصر من الضياع، سمعنا للبرادعي، الموظف الدولي الذي غاب عن مصر، سمعناه وهو يرفع التحدي مقترحا نفسه رئيسا دون أن يقول للشعب المصري أنه يخدم أجندة أجنبية مكافأة له على خدماته الجليلة، أجندة تعيد إلى الأذهان فكرة تصدير الزعماء إلى دول العالم الثالث كما حدث مع حامد كرزاي الرئيس الأفغاني التي تحاول دول الغرب اليوم التخلص منه، وسمعنا القرضاوي، الذي طلق الإخوان المسلمين لأن الأمن استنطقه لمدة ساعات بتهمة حيازة بعض الكتب، يطلق العنان لشدقيه ليؤلب الشعب المصري، وسمعنا محللين تحولوا إلى ثوار يدعون الشعب المصري إلى مواصلة احتجاجاتهم. لكن وسط كل هذه الأصوات لم نسمع صوتا للحكمة يتحدث عن مصر التي تنكل بنفسها وعن خراب الديار ونهب الممتلكات، وكان الصوت الحكيم هو صوت مدير متحف القاهرة، الذي كان على وشك أن يصبح في خبر كان، وهو يطالب بحماية المتحف، حماية لتاريخ مصر وذاكرتها. صوت الحكمة هو صوت بعض الفنانين وبعض المواطنين الذين قالوا إن مصر تنتهك سرا وعلانية وطالبوا بحمايتها لأن ما وقع ويقع هو جريمة ضد الإنسانية، فإذا كان الاحتجاج حقا مهما كانت المطالب التي يعبر عنها فليس من الحق أن يتم تحرير آلاف السجناء ومنهم مجرمون وقتلة خرجوا كالثيران الهائجة التي تعيث في الأرض فسادا وما اغتصاب نساء بالاسكندرية إلا خير دليل على ذلك. والحكمة ضالة الشعوب أين وجدوها هم أحق بها.