" الشيطان يكمن في التفاصيل " ، لا أعرف السياق التاريخي الذي قيلت فيه ، هذه المقولة ، لكن الذي أعرفه ، أن صاحبها قد وقف عند حقيقة الأشياء ، لأن الكثير من التفاصيل التي تبدو للبعض تافهة ، ولا تحتاج إلى الوقوف عندها ، يمكن أن تحمل في طياتها الكثير من الحقائق و المعطيات الصادمة . منها ، مقال اليوم ، عن سرقة الجرائد من المقاهي ، قد يبدو للبعض تافها ، وليس بحجم الحديث عن الثورات العربية و حركة 20 فبراير و محاربة الرشوة وغيرها من المواضيع من الحجم الثقيل ، لكن هؤلاء يغيب عن بالهم ، عن الذين يرفعون هذه الشعارات الكبيرة ، ينسون أو يتناسون أن الواقع يحبل بالكثير من المتناقضات الصغيرة ، التي بالكاد يلتفت إليها البعض أو يقف عند تجلياتها لمعالجتها بعمق وروية . فماذا تنتظر من شخص يسرق جريدة من مقهى ، هي ملك للجميع وليست له وحده ، هل بهؤلاء يمكن الحديث عن التغيير و إرحل و الإسقاط و محاربة الرشوة و الفساد والمفسدين ؟ا هل بشخص مازال أسير نفسه و لم يتغلب على ميولاته الحيوانية ، أن نتحدث عن مواضيع بحجم الشعارات المرفوعة ، في المسيرات الاحتجاجية ؟ا التغيير ، بالنسبة لي ، لا يتحقق إلا بتغيير النفس و الدواخل و بمحاربة حب التملك لدى الفرد منا ، لأن رفع الشعارات ليس كأن تجد نفسك وجها لوجه ، مع حقيقة نفسك ؟ا بين أن تكون في موقع المسؤولية وأن تعطي الفرصة للآخرين في حقهم في التوظيف عوض توظيف الأهل و الأحباب و أفراد العائلة ولمن يدفع أكثر ، ضاربا عرض الحائط بكل الشعارات ، التي تدعو إلى توظيف ذوي الشواهد العليا و المعطلين المجازين و أبناء العائلات المحرومة ؟ا من هنا ، يبدأ التغيير ، أن تكون شعاراتنا منسجمة مع سلوكنا و أفعالنا ، وليس العكس . إن سر تخلفنا عن الركب الحضاري ، لسنوات عن الأمم الأخرى ، أننا نرجسيون و أنانيون و نحب ذواتنا و نحمل شعار " أنا ومن بعدي الطوفان " أينما رحلنا و ارتحلنا ، سواء كنا هنا أو هناك ، لا فرق . إن إهمالنا للتفاصيل الصغيرة ، هو ما يعجل في درجة تخلفنا و العودة بنا سنوات إلى الوراء . إن سرقة الجرائد من المقاهي ، هي جزء من الصورة ، وليست الكل ، لأن من شأن تجميع هذه الجزئيات ، أن نقف عند حقيقة الكل ، التي تعكس حقيقة الإنسان العربي كما المغربي ، أن حبنا للتملك فوق كل إعتبار و كل الشعارات التي رفعها الكتاب و الشعراء و المفكرون ، منذ سنوات . ولعل المتأمل ، فيما يحدث في مصر أو تونس أو ليبيا و غيرها من الدول العربية ، إلا الوجه الآخر ، الذي يخفيه الربيع العربي . ولعل المتأمل في الآية الكريمة ، التي قال فيها عز زجل ، في كتابه الكريم " إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم " ، إلا خير دليل ، على أن " الفايس بوك " و " اليوتوب " وغيرها من المواقع الاجتماعية ، قد تكون طريقا ، إلى التغيير ، لكن لن تكون أبدا التغيير نفسه ، لأن هذا لن يتحقق إلا بتغيير النفس . فهل نحن مستعدون لتغيير أنفسنا كما نغير جواربنا أم أننا سنظل ، حبيسي الشعارات الرنانة ، حتى يتحقق المراد ؟ا الحل هو التغيير من الداخل و ليس الاكتفاء برفع الشعارات .