»رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب«. الإمام الشافعي رحمه الله . حين فكر شباب حركة 20 فيراير ، في الخروج إلى الشارع ، للمطالبة بحقوقهم المهضومة ، إن على المستوى السياسي ، الاقتصادي ، الاجتماعي ، النقابي وغيرها من المطالب القطاعية ، حملوا معهم كل الشعارات ، التي قد تخطر على البال أو لا تخطر ، بدءا بتغيير الدستور ، حتى تغيير أصغر موظف فوق القانون والمحاسبة ، ولكن الشعارات الأكثر أهمية ، غابت عن شباب حركة 20 فبراير في وقفاتهم الاحتجاجية ، سواء في 20 فبراير ، 13 مارس ، 20 مارس ، في الوقت عينه ، الذي كان من المفترض فيه ، أن تتصدر وقفاتهم الاحتجاجية ، ليس لأنها مطالب عصية التحقق و صعبة المنال ، لكن لأنها ، من وجهة نظري ، على الأقل ،أس كل تلك المطالب و الشعارات المرفوعة ، و بدونها ، لن تتحقق « الجنة فوق الأرض « كما يرغب في ذلك الكثيرون . ولعل من أبرز تلك الشعارات الغائبة ، عن بال شباب حركة 20 فيراير ، ولم تعط لها الأهمية ، التي تستحقها ، «الشعب يريد تغيير العقليات « ، «الحقيقة ليست ملكا لأحد « « أنا ، أنت ، نحن وليس أنا ومن بعدي الطوفان « ، والتي قد لا تتطلب منا ، الإعتصامات تلو الإعتصامات ، من أجل سحب الكراسي عن الآخرين ، عبر فضح سلوكياتهم وخروقاتهم ، في الفايس بوك كما القنوات الفضائية ، ولكن تتطلب منا فقط ، سوى لحظات للتأمل في دواخلنا ، بحثا عن أسباب الخلل ، عوضا عن الساعات الطوال ، التي نقضيها مبحرين عبر الشبكة العنكبوتية ، بحثا أن أسباب التقدم والرفاهية . فالشعب الذي لا يؤمن بالاختلاف في الرأي ، بالنقد ، بالرأي والرأي الآخر ، كيف يمكن أن يساهم في التغيير أو حتى المطالبة به . فلكي ينجح التغيير السياسي ، لا بد من تغيير العقليات و النفوس و « الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم « كما جاء في سورة الرعد . أنا لست ضد المطالبة بالتغيير، والبحث عن الأفضل ، فالإنسان بطبعه ميال إلى التغيير وتجديد دمائه ، تماما كالسمكة التي لا يمكن لها أن تترك الماء العذب ، لتعيش في الماء الآسن ، أو لم يقل الإمام الشافعي رحمه الله قديما : إني رأيت ركود الماء يفسده..... إن ساح طاب و إن لم يجري لم يطب . أما والحال ، أن الكثير من المطالبين ، بتغيير الدستور وخلافه ، مازالوا أسيري إكليشهات « هل تخالفني الرأي .. إذن أنت عدوي « . لا يمكن ، أن نتقدم بخطوات إلى الأمام ، لأن من أسباب تخلفنا عن الركب الحضاري ، ليس في الأزمة السياسية ، الاقتصادية ، الاجتماعية ....و المناخية ، إلخ ، بقدر أننا لم نستوعب جيدا ما قاله الفيلسوف فولتير »قد أختلف معك في الرأي، ولكني مستعد أن أموت كي تقول رأيك» . لأنه وقف عند أسباب الداء والخلل ، الذي تعاني منه العديد من الشعوب في الكثير من البلاد المتخلفة . لأن التفكير الأحادي/ النرجسي ، ليس قدرنا ، أبدا ، بحيث يصعب تغييره أو تعديله كأسباب الرزق والموت والولادة . فالتخلف نحن أسبابه ، لأن البنية العقلية والنفسية للإنسان العربي ، ضد النقد والرأي الآخر ، ضد الفكر المشترك ، ولعل المتأمل في الانشقاقات التي عرفتها الحركة الشبابية الفيسبوكية ، إلا غيض من فيض ، عما يحدث في النقابات ، الأحزاب ، الجمعيات والكثير من المؤسسات التي لا تعد ولا تحصى و يعتقد أصحابها ، في قرارة أنفسهم ، أنهم ملائكة لا يخطئون و أن رأيهم هو الصواب فيما آراء الآخرين هراء و كلام زاد عن اللزوم . فهل بمثل هذه العقلية والأفكار ، يمكن خلق القطيعة مع الماضي ومع كل شيء ، ارتبط لدينا ، بالأمور السلبية ك « الحكرة « ، « القهر « ، و أختر ما شئت ، من معجم « الذل « و « الهوان «. ولأن الإنسان العربي « ناقد « بفطرته ، وجب التذكير بضرورة ممارسة « النقد « الذاتي ، على أنفسنا ، قبل أن نمارسه على الآخرين ، لأن عبر النقد الذاتي ، يمكننا أن نذهب بعيدا ، في تحقيق مطالبنا ، في المستقبل القريب . ولعل إرهاصات بداية حركة « 20 فيراير « الشبابية ، التي تصدرت الصفحات الأولى ، لمعظم الصحف الورقية منها والإلكترونية كما عناوين نشرات الأخبار المحلية منها والفضائية ، قد تكون «المنعرج «، الذي من خلاله ، نرى إلى المستقبل ، بعقلية جديدة منفتحة على الرأي الآخر وقابلة لسماع وجهة نظره ، إن أردنا أن نخطو خطوة إلى الأمام ، وأن نعيش كما الآخرين في جو من المساواة ، الديمقراطية والحرية . فهل أنت مستعد لسماع رأي الآخرين ، فيما تكتبه ؟ا أما أنا ، فمستعد .