من الأكيد أن رياح التغيير في العالم العربي ضغطت على صناع القرار في المغرب ، فجعلته يغير تصرفاته في التعامل مع الشعب بعد سنوات من التزوير والتضليل و الدوس على كرامة المواطنين وبعد سنوات من التضييق والفساد الممنهج والمحمي قانونيا . لقد جاءت رياح التغيير فقلبت الموازين وجعلت من المخططين يراجعون حساباتهم خوفا على رقابهم من مشانق الشعب التي لا ترحم إن قامت لها قائمة... فتسارعت الأحداث وظهرت المبادرات والتقط المغرب الدروس من الجوار. فتم تسطير دستور جديد وتم اعتماده رغم ما تم حوله من نقاش حول ملابسات الاستفتاء وما شابه من تجاوزات.. ثم بعد ذلك جاءت الانتخابات التشريعية لترسم مسارا جديدا من خلال الضغط للظهور بمظهر النزاهة. وفعلا فقد مرت الانتخابات في جو يبدو انه نزيه رغم ما شابه من تجاوزات وغض الطرف حول ظاهرة الرشوة، وهذا أمر نسجله على السلطات التي سمحت للبعض من أجل استعمال المال الحرام في شراء ذمم الناخبين وخاصة في القرى والبوادي، حيث عملية الشراء تتم بالتقسيط وبالجملة من خلال سماسرة الانتخابات.. رغم كل شيء فإنه يسجل تحسن ملحوظ في تحسن مستوى تعامل السلطات مع مسالة الانتخابات ، فإلى وقت قريب لم نكن نتوقع ما حصل بالمغرب من نزاهة نسبية قادت ولأول مرة إلى إيصال صوت الشعب الذي ما فتئ أن يصادر حقه في الاختيار.. كل هذا قاد إلى اختيار المغاربة لحزب العدالة والتنمية ذو المرجعية الإسلامية ليقودهم إلى التغيير المنشود ... آمال وتخوفات إن آمال ملايين المغاربة الآن معقودة في قدرة هذا الحزب في مواجهة موجات التسونامي من لوبيات الفساد التي حتما ستضع في طريقه كل العراقيل وسنشهد جوا مشحونا بين أطياف المشهد السياسي في المغرب فالحزب الذي يميل إلى المجتمع والذي يعمل جاهدا في خدمته ، سيواجه أباطرة الفساد المدعومين من بعض الأحزاب التي أنشئت خصيصا لحمايتهم وعلى رأسهم حزب (التراكتور) حزب الأصالة والمعاصرة. فإن كان من تخوف فهو من أمثال هؤلاء المفسدين.. أما الشعب المغربي وعلى الرغم من تعدد مشاربه وتوجهاته فهو في غالبيته شعب مسلم معتدل يرى في حزب العدالة والتنمية مثالا للوسطية والاعتدال في أشخاص تربو في ظل حركة دعوية معتدلة قدمت للمغاربة خدمات جليلة في التربية والدعوة والتضامن الاجتماعي وهي حركة التوحيد والإصلاح التي ينحدر اغلب مريدي الحزب من روافدها... وعلى العموم فإن تصريحات الأمين العام عبد الإله بن كيران أكدت على أن من أولويات المرحلة الحالية هي : الإلزام بالحفاظ على خصوصية المجتمع المغربي، واحترام الحريات الشخصية، وأن تحقيق العدالة والكرامة يحتل قمة اهتمام قيادة حزبه، وهي مسائل جوهرية أهم واكبر من منع الخمور وفرض لباس معين. وأكد انه، أي الحزب، لن ينجرّ إلى صدامات جانبية ضد المخمورين أو المتبرجات، لان كل ما يتعلق بالحريات العامة للمغاربة لا يمكن لأي حكومة المس به.
لا خوف إذن . لقد مرت على المغاربة سنين عجاف ، فقد تعاقبت على تسيير أمورهم حكومات فاسدة مستبدة لأكثر من خمسين عاما، وأوصلونا إلى مراتب دنيا من الفشل في شتى الميادين الاقتصادية والاجتماعية والتعليمة.. وإن كان البعض من مقربي القصر يخططون ويعملون من أجل الاستحواذ كليا بالسلطة كما فعل الهمة ومن يسير في دربه من إنشاء الحزب السرطان حزب الجرار الذي كان سيجر الويلات على البلاد ويقودها إلى الهاوية، فماذا يمنع أن يحكمنا إسلاميون في نظام ديمقراطي تسوده الرقابة البرلمانية والشفافية والقضاء العادل المستقل والمؤسسات الدستورية، خاصة إذا عمل هذا الحزب على تخليق الحياة العامة ومحاولة إرجاع الثقة إلى المواطن المغربي في مؤسسات الدولة فأين الخوف إذن... والله الموفق.