حاز حزب العدالة و التنمية في الانتخابات التشريعية ل25 نونبر، التي اتسمت بارتفاع كبير لنسبة المقاطعة، حوالي 80 مقعدا برلمانيا، وفق النتائج الأولية، من أصل 305 مقعدا برلمانيا. و نجح حزب بنكيران، حزب مزيج من حزب الادارة "الحركة الدستورية الديمقراطية" و حركة دعوية "التوحيد و الاصلاح"، في مضاعفة عدد المقاعد البرلمانية قياسا إلى النتائج التي حققها الحزب المذكور في انتخابات 2007. و يعتمد حزب العدالة و التنمية، الذي استدرج للعملية السياسية من طرف شخصية مقربة من القصر ( عبد الكريم الخطيب)، على خطاب شعبوي يختزل جذر كل المشاكل الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية في بعدها الأخلاقي. كما أنه يركز، في خطابه السياسي، على إثارة المخزون الديني للمغاربة في قضايا الأسرة، كما وقع في الصراع على مدونة الاحوال الشخصية، و اسثتتمارها في المحطات الانتخابية. فقد تواثرت الحالات التي اختزل فيها الحزب كل قواه لمواجهة إبداع فني، في المسرح أو السينما أو الكتابة، ووجه آلته الاعلامية لتأجيج المخزون الاخلاقي لعامة المغاربة وفق معايير "فقهية" خاضعة لفهم "نقاذ" الحزب للإبداع الفني. لم يتوان زعيم الحزب على إطلاق تصريحات نارية على خلفية مشهد مسرحي للفنانة المبدعة " لطيفة أحرار" يندرج ضمن التعبير الجسدي، بيد أنه يصمت عن خروقات حقوق الانسان في حق المحتجين و المطالبين بالحقوق الأساسية. المؤسف أن هذا السلوك السياسي لحزب العدالة و التنمية لا يمكن وصفه إلا بكونه إلهاء للمغاربة و تصريفا لانتباههم عن قضايا مركزية مثل الاستبداد و الفساد و اللاعدالة الاجتماعية..الخ. يؤكد زعماء الحزب، بمناسبة أو بغيرها، على التزامهم بالملكية التنفيذية، بل أنهم خاضوا معارك سياسية ضد التيارات المطالبة بتقليص صلاحيات الملكية المغربية. و كان بنكيران، كأول مسئول حزبي، قد أعلن صراحة من مراكش معارضته لمطالب حركة 20 فبراير المطالبة بالديمقراطية و الحرية و الكرامة و العدالة الاجتماعية. غير أن زعماء الحزب يوظفون، في نفس الآن، حركة 20 فبراير كفزاعة في وجه الدولة المغربية لانتزاع موقع متقدم في الهندسة الانتخابية؛ التي تشرف عليها وزارة الداخلية. بنكيران، المسئول رقم واحد في الحزب، تعرض في عدة مدن لاحتجاجات قوية من طرف نشطاء حركة 20 فبراير، كما وقع في سيدي قاسم و تازة و مراكش (...)، على خلفية تصريحاته النارية ضد حركات الاحتجاج التي تقودها حركة 20 فبراير. كما أنه معروف بارتباطاته، في سنوات الجمر و الرصاص، مع وزارة الداخلية من أجل مواجهة المد اليساري في الثانويات و الجامعات، حسب رسالة منسوبة إليه كان قد رفعها إلى ادريس البصري، السئ الذكر، وزير داخلية سابق. و كان عدد من المتتبعيين قد رشح حزب العدالة و التنمية "لقيادة" المرحلة المقبلة تمشيا مع استحقاقات السياق الاقليمي و ما أفرزه من تجارب انتخابية. فإذا كانت الانتخابات التونسية، مثلا، أوصلت التيار الديني المعتدل، في شخص حزب النهضة، إلى السلطة بعد تضحيات كبيرة من طرف الشعب التونسي في مطلع شهر فبراير من السنة الجارية، فإن الحالة المغربية، الممهورة بطابع "الاستتناء"، قد مكنت التيار الديني المعتدل من المشاركة في الحكم، وليس الحكم، عبر الآلية الانتخابية. و ما يعزز هذا الاتجاه هو تخوف النظام المغربي من الانتخابات الديمقراطية في تونس، التي ستنهي "التجربة المغربية الفريدة"؛ كماركة مسجلة يتم تسويقها في المنتديات الدولية. حزب "العدالة و التنمية"، استناذا إلى مرجعيته الدينية، مؤهل للصراع و التنافس مع "العدل و الاحسان" في المجال الدعوي مع تمتع حزب بنكيران بامتياز تعيين أعضاء حركة "التوحيد و الاصلاح"، الجناح الدعوي للحزب، في مناصب دينية في وزارة الأوقاف و الشئون الاسلامية. و يبدو الحزب، الذي تنحذر مرجعيته الدينية عن سقف إمارة المؤمنين، يوظف كجبهة أمامية للسلطة في مواجهة جماعة ياسين؛ التي يتراءى بصرها نحو دولة "الخلافة على منهج النبوة"، التي لا يمكن تحقيقها إلا بإسقاط "حكم الجبر". كان الراحل الحسن الثاني، في نهاية التسعينيات من القرن المنصرم، قد أشرك معظم "أحزاب الكتلة"، الاتحاد الاشتراكي و الاستقلال و التقدم و الاشتراكية، في حكومة هجينة، سميت بالتناوب، تمهيدا لانتقال سلس للملك. أما الآن، فإن "العدالة و التنمية" مؤهلة، بتسخير المخزون الديني، لامتصاص غضب الاحتجاجات المتنامية للشارع المغربي في زمن الربيع العربي. مع ما يعنيه ذلك من من تأمين للدولة المغربية، بمقوماتها الآنية، أمام رياح التغيير الديمقراطي بالعالم العربي. بعيدا عن الشعارات الممزوجة بالحمولة الدينية، فهل يدرك الحزب ثقل ما تشكله نسبة المقاطعة الواسعة في الانتخابات التشريعية؟