الأسد و القذافي – عينة من الطغيان العربي ( 2) تكلمنا في الحلقة السابقة عن خطأ الساسة العرب القاتل بالجهل بالقوة الحقيقية لشعوبهم , وهذا الجهل بالقوة الحقيقية وقد يصاحبه احتقار وازدراء يكاد يكون عامل مشترك بين الحكام العرب , وبما إننا في سبيل تبيان أوجه الشبه بين معمر القذافي وبشار الأسد كعينة من الطغاة العرب , نجد أن خطاب القذافي الشهير والذي أطلق على شعبه الثائر تسمية " الجرذان " ويقابله بشار الأسد الذي أطلق على شعبه الثائر تسمية " الجراثيم " وقد يكون فرق التسمية ناتج عن التخصص فبشار كطبيب يتعامل مع الفيروسات اكثر من غيرها ولكن معمر بتصنعه للطبيعة البدوية يتكلم عن جرذان , وهذا الاحتقار للشعب لم يسبق أن حدث في أي عصر من العصور , حتى ما يقال عن أن ماري أنطوانيت قالت عندما ابلغها خدامها أن الشعب الفرنسي يتظاهر لانعدام الخبز , قالت لماذا لا يأكلوا البسكويت إذا لم يجدوا الخبز , فلم يسبق هذه النقيصة وعمق الاحتقار للشعب أي حكام آخرون سوى الحكام العرب ,
أما وجه الشبه الآخر بين معظم الحكام العرب فهو إعطاء" الوعود الزائفة بالإصلاح" . وقد يتساءل البعض لماذا أسمينا هذه الوعود بالزائفة . وسأشرح لكم لماذا أقرر صادقا إنها زائفة بل وكاذبة . كل الحكام العرب يخرجون إلينا بين حين وآخر يعدون بتحسين أداء أنظمتهم , ويعدون بالإصلاح , ولكن سرعان ما تتبخر هذه الوعود , والأدهى والأمر أن تكون هذه مجرد كلمات لا تحمل مضمونا بالطبع نعلم أن الحاكم يتأثر بالحاشية المحيطة به , وقد يكونون هم من يقاوم الإصلاح , ولكن هذا لا يعفي الحاكم من مسئوليته , فهو المسئول عن الحاشية , ففساد الحاشية , يتحمل هو وزرة , وتقع عليه مسئوليته , أذكر حكاية عن ملك صيني , وضع جرسا معلقا في غرفة نومه , وحبل الجرس خارج وعلى أسوار قصره , فيأتي كل من لديه شكاة أو تعرض لظلم ويسحب الحبل , فيطل عليه الملك ويسمع منه , حتى لا يضع بينه وبين شعبه حاشية قد تظلمهم , أصيب الملك بمرض افقده حاسة السمع , ولكن إحساسه بالمسئولية , ورغبته في الالتحام بشعبة , جعله يصدر أمرا بان يلبس أي مظلوم أو صاحب شكاة لباسا اصفر , حتى يراه ويتحقق من شكاته , بالطبع لدينا أمثلة في تاريخنا مثل هذه بل وقد تكون أروع , مثل ما يروى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه , عندما زار المرأة ذات الأطفال التي كانت توقد على قدر ليس به طعام لتسكت جوع أبنائها , وغيرها من الحكايات الكثيرة . قد يخرج بعض حكامنا إلى شعبهم بين فينة وأخرى , ولكن هل يستمعون حقا لشكاياتهم ؟ وعندما يستمعون لها , هل يحلونها ؟ ولماذا لا ينظرون إلى حالات الفساد الكبيرة التي تحدث في دولهم , ولماذا تذهب وعودهم في الإصلاح أدراج الرياح ؟ احمل السؤال , واعرف الجواب , ولكني كمن في فمه ماء . نعود لأمثلة القذافي والأسد , فقد خرج علينا سيف ببرنامج لتطوير ليبيا , وأسماه " ليبيا الغد " وصدق في التسمية , فهو كالتاجر الذي علق لوحة على متجره , "اليوم نقدا وغدا بالدين" , فالغد لا يأتي أبدا , فكل يوم نحن به هو اليوم , لم يفلح مشروعه , لأنه لم يكن صادقا , بل كان للاستهلاك الخارجي خرج علينا بشار منذ أن ورث الحكم في أول مملكة جمهورية أو جمهورية ملكية في العالم , وكان الفساد واضحا قبل أن يتولى الحكم , أتعرفون لماذا ؟ لقد كان الدستور السوري يحدد عمر الرئيس ب 40 أو 45 لا أذكر , وحينها كان بشار عمر 34 سنة , فعدل الدستور خلال ساعة واحدة ليصبح عمر الرئيس 34 سنة , ونسى المشرعون السوريون أن يحددوا اسم الرئيس دستوريا ب "بشار" . فهذا الفساد بدأ من أول لحظات حكمه , ولكنه كان وقحا بما فيه الكفاية ليخرج علينا و يعد بان الإصلاح سيكون غدا , ذلك الغد الذي لم يأتي خلال العقود . كلها وعود زائفة , ويجهلون أن شعوبهم تحسب عليهم هذه الوعود الزائفة , ولهذا سقط معمر وسيسقط الأسد وسيتبعه كل حاكم يعد بان الإصلاح سيكون غدا , فالإصلاح اليوم , اليوم هو ما نملكه , وهو المحك الحقيقي . أتمنى أن يعي كل الحكام العرب أن وعود الإصلاح لا تكفي , فنحن لا نريد وعودا , بل نريد أصلاحا , إصلاح بغير وعود , إصلاح حقيقي يقضي على الفساد ويعطى المواطن حقه ويعيد له كرامته . وثقوا أن الشعوب العربية واعية , وقد تكون أوعى من حكامها وأكثر حنكة منهم ويخطئ الحاكم الذي لا يعي لهذه الحقيقة , وعلى دروب الحرية والكرامة نلتقي