إذا كنت من محبي النكت والتنكيت فغالبا ما يبدرك أصدقاؤك ومعارفك بهذا السؤال ولو لم تلتق بهم منذ مدة طويلة وهو سؤال يسبق السؤال عن الاحوال وعن الأهل : هل سمعت آخر نكتة؟، هل عندك نكتة جديدة ..ونظرا لأنك معروف بباعك الطويل في هذا الباب فإن في جعبتك أكثر من نكتة تشفي غليل سائلك . . و لايكاد يمر يوم دون أن تجد احدا يسألك (هل سمعت آخرنكتة؟) . والنكتة لغة هي ‘‘النقطة ... وهي تركيبة لغوية معقدة تنم عن القدرة العقلية على جمع كلمات أو أفكار ، متناقضة أصلاً ، في قولٍ يثير فينا الدهشة فالتعجب فالضحك... وقد نجدها تحت عدة مسميات كالطرفة ، فقد ورد في لسان العرب ‘‘شيء طريف : طيب غريب ... واستطرف الشيء أي عدّه طريفاً ''،و النادرة و هي الخبر القصير أو الأقصوصة التي لا تطول إلى درجة الحكاية الهزلية ولا تقصر إلى النكتة و التي تضحك ... فسر البعض النكتة، على أنها نوع من أنواع التعبير عن اللا شعور والأفكار غير المعلنة، وأن قوة النكتة تكمن في هدفها، وعادة تكون الأفكار غير المعلنة مؤلمة ومستفزة تؤدي إلى صراع نفسي كبير لدى الفرد، وتعبر النكتة عن نقد لواقع يصعب نقده بشكل مباشر وصريح، لذلك يلجأ الناس عادة إلى النقد عن طريق النكات . ويقال : أن الفرد يضحك للنكات الأكثر استفزازاً وإيلاماً للذات. وأنه يمكن اكتشاف اللاشعور لدى أي شخص من خلال تحليل ودراسة ما يثير ضحكة لأن النكتة هي إحدى وسائل التعبير عن الانفعالات وإطلاقها، ومن خلال مضمون النكتة وموضعها يمكن أن نستنتج طبيعة الشحنة الانفعالية التي تحملها، فالغضب مثلاً يمكن التعبير عنه بنكتة عدوانية فيها التهجم والسخرية وحتى انفعال الخوف يمكن أن يظهر في صورة نكتة بها مسحة من الأسى، وكذلك التقزز عن طريق النكات البذيئة، والرغبات الجنسية في صورة الفكاهة المكشوفة والقهقهة العالية،
يقول المازني 1889 – 1949 م " تدل النكتة على الأخذ بالثأر وتجعل الإنسان ينتصر وهو واقف مكانه ، وهكذا تعد النكتة وسيلة تفريغ نفسي ، وهي بأنواعها المتطورة عبارة عن جواز سفر لا يقف عند حد ، ولا يعترف بالإشارات الحمراء ، وهي في المحصلة إبداع جماعي . " والنكتة ، عمل درامي مستقل بذاته له تركيبة أدبية مضغوطة ومكثفة , وهي إفراز ساخر لأزمات الدول والثقافات . و المجتمعات الناضجة هي التي تسخر من جراحاتها و تبتسم في وجه أزماتها . لا أحد يعرف كيف تكتب النكتة أصلا، ولا أحد يعرف من أين تأتي , تظهر في حالات الضغط الاجتماعي الكبيرة أو الإحساس بالقهر ، وتختفي في حالات الإجهاد الاجتماعي وفي حالات غياب التسامح وزيادة العصبية الجماعية . فالنكتة انغمرت في الصراعات الاجتماعية والسياسية منذ القدم، وهل هناك من شك في أن شعوبا كثيرة اشتهرت بالتنكيت والتفكه على مر الأزمنة، لان النكتة تشكل نوعا من الإحتجاج ، الدائم على السلطة التي كانت لهم دوماً هدفاً سياسياً بحتاً، يجدون ضالتهم في انتقادها وصب اللعنات عليها . وللنكتة وظيفة اجتماعية للتواصل مع الناس ولتحقيق التفاعل بين الأفراد والجماعات، وللتحكم في سلوك الآخرين بالسخرية أو إزالة الخوف، ولمهاجمة السلطة السياسية والدينية والاجتماعية، وفي نقل المعلومات باتجاه تحذير الناس وتعزيز التماسك الاجتماعي، وتحديد أنماط السلوك المقبول عبر النقد والسخرية والكشف عن العيوب الاجتماعية، وتعديل القرارات الخاطئة وتحسين الظروف السيئة .لأن العالم من حولنا لا يعرض نفسه لنا في وضوح لكي نتبين تفاصيله فنبعد عن القبيح فيه ونخطو في اتجاه الجميل ، ذلك لأن القبح فيه قادر على إخفاء نفسه بعيداً من أبصار البشر تحت طبقات كثيفة من الأكاذيب والشعارات والملصقات المزخرفة . وللتعرف على هذا القبح والإمساك به وعرضه على الناس في وضح النهار، يتطلب الأمر قوة خاصة ، قوة خارقة قادرة وبسرعة مذهلة على اختراق طبقات الزيف للوصول إلى القبح والقبض عليه وعرضه على أولي الألباب . هذه القوة هي النكتة , قوة كاشفة وبوصلة تتجه دائماً إلى الحقيقة ، حقيقة عيوب النفس البشرية وآليات الخلل في تفكير أصحاب هذه العيوب . والنكتة أنواع . فهناك النكتة السوداء والنكتة الحمراء والنكتة البيضاء والنكتة الصفراء . فالسوداء مثلاً هي المأساوية والحمراء هي التي تقود إلى عراك وإسالة الدماء ، والصفراء هي اللئيمة المتشفية والبيضاء هي البريئة. وتتصف النكتة بأنها مصنعة لكن تصنيعها ليس صافياً إذ تدخل عليه عناصر حقيقية وواقعية ، وتنطلق النكتة من واقع أو من حدث أو خلاف أو قول شرط أن يكون يمس الناس ، ويؤثر فيهم ... ولكن أين تولد النكتة ؟ في الحقيقة هناك أماكن عديدة ... فأحياناً تولد النكتة في المقاهي الشعبية أو في الملاجىء أو في السجون أو في الشوارع ، وتنتشر بسرعة ، ويجد فيها الإنسان المضطهد ، ضالته ، وقد يضيف إليها ، ويؤطرها حسب رغبته ... وقد عرفها علماء الاجتماع بأنها : إدانة مباشرة لحقيقة مرة وواقع مؤلم تسلك الضوء على هذا الواقع كي تكشف حقيقته وبعده الثالث . إنها حصيلة معقدة وذكية جداً لموقف إجتماعي يعجز عن الإفصاح عن نفسه مخافة لحاق الأذى به من الجهة المدانة ، وعلى هذا فالنكتة جزء من الثقافة الشعبية ثقافة الطرف الأضعف الذي لا يملك القدرة على المواجهة لذلك نجدها تزداد في المجتمعات التي تبالغ قوانينها في القمع والمراقبة والمحاسبة ، وكذلك في المجتمعات الفقيرة والمسحوقة حيث البطالة والجهل في ظل الأنظمة الاستبدادية ، حيث تضيق مساحة التعبير عن الرأي ويلاحق المعارضون ويلجأ الشعب إلى النكتة كطريقة موارية لتمرير آرائهم والتنفيس عن كبتهم وهي أيضاً محاولة لإعادة النفس المضطربة إلى الهدوء متى اخترع الإنسان النكتة ؟ يقول علماء النفس إن النكتة اخترعت منذ أول ضحكة ارتسمت على وجه الإنسان لأن الهزل موجود وملازم للجد في كل زمان ومكان ، وما الرسوم الكاريكاتورية التي وجدت على جدران الكهوف القديمة إلا دليل على قدم فن الضحك . وعرفت المدرسة الفرويدية النكتة، على أنها نوع من أنواع التعبير عن اللا شعور والأفكار غير المعلنة، وأن قوة النكتة تكمن في هدفها، وعادة تكون الأفكار غير المعلنة مؤلمة ومستفزة تؤدي إلى صراع نفسي كبير لدى الفرد، وتعبر النكتة عن نقد لواقع يصعب نقده بشكل مباشر وصريح، لذلك يلجأ الناس عادة إلى النقد عن طريق النكات . أما المدرسة التحليلية فتقول : أن الفرد يضحك للنكات الأكثر استفزازاً وإيلاماً للذات. وترى أنه يمكن اكتشاف اللاشعور لدى أي شخص من خلال تحليل ودراسة ما يثير ضحكه . و نحن إذا نظرنا إلى أكثر النكات تداولاً في العالم العربي سنجد أنها النكات الجنسية والسياسية ( وهما من التابوهات التقليدية في المجتمعات العربية ) بشكل عام. إن معظم المواقف المثيرة للضحك مواقف اجتماعية، وهي تشتمل على العلاقات بالآخرين، عن طريق تلقيهم نصّا ما مضحك أو بالنظر إلى مشاهد كوميدية في السينما أو المسرح، أو رسوم كرتونية أو رسم كاريكاتيري، أو تتطلب على ألأقل حضورهم . حتى الدغدغة يجب أن يقوم بها شخص آخر، وكلما كان الشخص معروفاً لنا كانت هناك ضحكات، وكلما قلت معرفتنا به قلت الضحكات، ويحدث هذا لدى الكبار والصغار على حد سواء. والضحك يرافق الشعور بالأمان وقد يرافق الأمن والنجاة التي تعقب الخطر، والضحك في المسرح والسينما في المشاهد الكوميدية والكاريكاتيرية والرسوم المتحركة، يكون غير مثير للخوف والأذى. تنبع الأهمية السوسيولوجية "للنكتة " من حقيقة أن معظم ما يتم تداوله منها هو وليد البيئة الاجتماعية للمجتمع بمختلف شرائحه ومناطقه وأقاليمه و وقبائله، لأنها في الغالب الأعم تقوم بفضح المستور من ثقافة المجتمع مما يقدم مادة خصبة للباحث السوسيولوجي لفهم خفايا المجتمع. هناك بطبيعة الحال ما يتم "توطينه" من النكت اللاذعة بعد إجراء بعض التعديلات والإضافات حيث تحور النكتة بشكل بارع ومن ثم يتم إلصاقها بشخص آخر أو بسكان منطقة معروفة لترسيخ صور نمطية معدة سلفا حول ذلك الشخص او حول سكان تلك المنطقة كالسذاجة وربما الغباء الذي يصل إلى حد السخرية المرة. ومن السمات المألوفة في النكتة تركيزها الدائم على قضايا أصبحت مألوفة جدا تدور حول فكرة التباينات بين الأفراد على أساس مناطقي وقبلي ناهيك عن علاقات الرجال بالنساء وعلاقة الأزواج بزوجاتهم والمعلمين بتلامذتهم ، أي دوران النكتة في المحيط الاجتماعي- الثقافي أكثر من المحيط السياسي؛ فالأخير يتم استجلاب نكتته - عادة وليس دائما- من مجتمعات أخرى ليصار إلى إعادة إنتاجها بنكهة محلية . وللنكتة مواسم تزدهر بها إلا إنها عموما تنتشر في المجتمعات التي تتناقص فيها حرية التعبير بدرجة كبيرة ، بل إن هناك علاقة جدلية بين النكتة وحرية التعبير إذ كلما ضاقت مساحة حرية التعبير في مجتمع ما أزداد انتشار النكتة وتداولها بل وزادت كمية السخرية في محتواها لتصبح كوميديا سوداء بجداره. وفي معظم دول العالم الثالث فأن سياسة الدولة وقراراتها و رموزها تصبح موضوعات للنكتة؛ وهو ما يذكرنا ببعض "الوظائف الايجابية" للنظم الدكتاتورية كما هو الحال عليه في المجتمع المغربي حيث راج في عهد الحسن الثاني عدد كبير من النكت التي يمكن وصفها بالسوداء بسبب كمية السخرية التي تتضمنها، وظائف النكتة أشارت دراسات عدة إلى وجود فوائد كثيرة للنكات في الحياة الاجتماعية، يمكن تلخيصها فيما يلي: *تقوية التعاون الاجتماعي، * تنشيط العقل والإبداع والخيال، * فهم مطالب الآخرين . * والتفاعل والتواصل مع الناس، والتقرب إليهم وكسبهم في العمل العام، * مقاومة الاكتئاب والقلق والغضب . وتقوم النكتة بثلاث وظائف: الوظيفة الاولى: تحفيز الإبداع لدى مؤلفي النكتة وكذلك الكتاب والأدباء الذين يدفعهم بطش النظام إلى ابتكار أساليب جديدة في التعبير يغلب عليها الطابع الرمزي وربما الإغراق في الرمزية لدرجة الإبهام المفتعل للتحايل على الرقيب ومن ثم نشر العمل وجعله في متناول القاريء. الوظيفة الثانية : إضحاك الناس والتنفيس عن معاناتهم جراء الكبت وصعوبة التعبير، علما إن معظم النظم الحاكمة في العالم العربي تتسامح مع تلك النكت حتى وان اتسمت بالمبالغة. الوظيفة الثالثة :النقد الاجتماعي للنظام وربما رموزه عندما يتعذر النقد في وسائل الإعلام وهي في الغالب أجهزة رسمية. ويتم كل ذلك من خلال قالب فكاهي يخفف من حدة الاحتقان الشعبي ويشير إلى مواضع الخلل في سياسة الدولة. في وضع كهذا يصبح للنكتة وظيفة خلاقة حيث لا يمكن السيطرة عليها فهي تنتشر بسرعة فائقة بفعل وسائل الاتصال الحديثة كالهواتف المحمولة والإنترنت. إلى درجة أن معظم الزعماء بمن فيهم رؤساء دول كبرى لديهم أشخاص مهمتهم الأساسية تتمثل في رصد ما يصدر من نكت لنقلها إلى الزعيم لاطلاعه على ما يوجه لسياسته من نقد ومدى الرضا الذي يحظى به بين أوساط شعبه. و تصبح النكتة والحال كذلك "ترمومترا" يقوم برصد المزاج الشعبي تجاه سياسة الدولة وهي وظيفة خلاقة للنكتة. وكان العديد من زعماء العالم يتابعون النكتة السياسية التي يرددها الشارع، فمنهم من كان يعتبرها كاستطلاع رأي لسياسته، وآخرين يعتبرونها توضيحاً لمؤشرات صعود أو هبوط شعبيتهم ك: "تشارل ديغول" الذي كان أكثر ما يزعجه هو أن النكتة السياسية أو الرسم الكاريكاتيري لم يعد يعره اهتماماً في الأونة الأخيرة، فقال: "لقد تدنت شعبيتي في فرنسا، فأنا لا أرى نفسي في الرسوم الكاريكاتورية ولا أسمع أسمي في النكتة السياسية التي تنتقدني" . وكذلك الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، الذي كانت تجمع له جميع النكات السياسية التي ابتلى بها بعد هزيمة 1967 بسيل من اللذعات الناقدة للسياسة المصرية، حتى اضطر إلى إثارة ظاهرة النكتة في خطبة مشهورة له، فلم يطلب المستحيل، والمستحيل أن يكف الشعب المصري عن التنكيت، بل ناشد الجمهور أن يتقي الله في نفسه وأن يرشد النكتة بما لا تؤذي الشعور الوطني . و الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات كان أيضاً يبدي اهتماماً بالنكتة السياسية، التي كانت تزعجه في أحيان كثيرة، إلا أن معرفة المزاج الشعبي من القضايا السياسية كانت تخفف من وقعها . فالنكتة انغمرت في الصراعات الاجتماعية والسياسية منذ القدم، وما من شك في أن المصريين هم الأشهر بين شعوب الأرض بالتنكيت والتفكه على مر الأزمنة، فتاريخهم يقول ذلك، فلقد احتجوا دوماً على السلطة التي كانت لهم دوماً هدفاً سياسياً بحتاً، يجدون ضالتهم في انتقادها وصب اللعنات عليها . إلا أن معرفة المزاج الشعبي من القضايا السياسية كانت تخفف من وقعها . والنكتة في كل الأحوال تعبر عن الرأي العام واتجاهاته. وفي كل دولة هناك أجهزة متخصصة في قياسات الرأي العام، وقد اصبحت النكتة موضوع دراسة في العديد من المراكز البحثية العربية في الآونة الأخيرة، لان هذه النكات تعتبر قياس اتجاهات الرأي العام ومعرفة رؤيته للقضايا المتداولة على الساحة، تشتمل النكتة على ثلاثة مكونات هي المعرفي والوجداني والنزوعي، والشخصيات تصنف إلى نوعين أحدهم يهتم بالعلاقة مع الآخرين، كونهم متمرسين على إلقاء "النص" بطريقة جذابة توضح جمالياته بشكل شيق وممتع، والنوع الآخر إنطوائيون يتجنبون هذه العلاقات، ومعظم الناس يقعون في منطقة وسطى مع ميل خاص إلى إحدى الفئتين، والشخصيات الاجتماعية تميل إلى التفاعل والاستمتاع بروح "النص" وسرعة الاستجابة إليه، والشخصيات الإنطوائية تميل إلى الهدوء والتحفظ وتبتعد عن المناسبات الاجتماعية . ويتفاوت الناس في ميلهم إلى الضحك والنكات، وفي بعض حالات الفصام والتخلف العقلي يضحك الفرد على نحو مستمر، وفي حالات الإكتئاب الشديدة قد لا يضحك الفرد البتة . ويستمتع الأشخاص الأكثر ميلاً إلى الاتزان الوجداني بالنكات أكثر من الانفعاليين، وهناك انطوائيون يستمتعون بالنكات أكثر، ويتدخل العمر في علاقة الشخصية بالنكتة، وتكون ذروة الميل إلى الضحك في سن المراهقة ويسمى "سن القهقهة"، حيث تجليات تكوين "النص" ذو المضمون الهش، وتميل الإناث إلى الضحك أكثر من الذكور . وقد تكون النكتة تعبيراً عدوانياً عند اكتشاف ضعف الآخرين أو للاستمتاع بالتقليل من شأن الآخرين، وقد أثبتت دراسات عدة أن النكات السياسية الأكثر عدوانية "نصاً وفكرة" تكون أكثر إمتاعاً وطرافة من غيرها . ويراها فرويد تعبيراً عن دوافع جنسية أو عدوانية مكبوتة، وضحكة المنتصر التي تصورها الحكايات التاريخية والأعمال الفنية هي أبرز مثال على ذلك الارتباط بين النكتة والعدوان . وانتهت دراسات عدة إلى أن النكات ترتبط بالشخصية الإبداعية بدرجة كبيرة، بمنزلة الميسر للعملية الإبداعية تيسر إنتاج النكتة، فالإبداع والنكات كلاهما يقوم على أساس الخيال والمرونة العقلية والطلاقة في التعبير والأفكار والمواقف والعلاقات والجدة والتفرد . نشير بهذا الخصوص إلى إن العرب وفي مختلف عصورهم لم يهملوا النكتة والطرائف ونوادر الكلام تداولا وتأليفا؛ فالمكتبة العربية تذخر بالكثير من كتب التراث التي تعد بحق من أمهات الكتب كتصنيفات الجاحظ وكتابه الشهير "البخلاء" حيث يورد الكثير من المواقف الضاحكة لبخلاء مدينة مرو الخراسانية. أما الإمام الجوزي فقد وضع كتبا في النوادر والطرائف ناهيك عما كتبه عن أصحاب العاهات كالعميان والبرص. وفي العصور المتأخرة ظهر كتاب نوادر جحا الكبرى الذي تشير محتوياته انه مترجم عن التركية وربما الفارسية. عدا أن البعض يطلق على ما يكتبه الأدباء من كوميديا تتضمن بعض النكات "أدبا ساخرا" تمييزا له عن النكتة التي تمتاز بالتكثيف وإصابة الهدف المتوخى منها بأقل عدد من الكلمات. تمتاز النكتة أيضا بأنها تأتي باللهجة الدارجة فالنكت التي يوردها الجاحظ على سبيل المثال في "بخلائه" قد لا تضحك رجلا أميا لا يعرف أسرار اللغة العربية كمن هو ضليع بهذه اللغة. هل يعاقب القانون مخترع النكتة بتهمة القذف أو السب العلني؟ يقول الأستاذ/ عصام الإسلامبولي المحامى إذا كانت النكتة عامة أي مجرد نكتة، ولا تطلق ضد شخص أو أشخاص معينين ويوجه النقد البناء من خلالها فهي ليست مجرَّمة قانوناً. أما إذا كانت تهدف إلى التجريح والتحقير من شأن شخص أو أشخاص معينين وسط أهله وعشيرته لتصنع نوعاً من التفريق، هنا تجرم قانونياً، وتعد سباً وقذفاً. تشتمل النكتة على ثلاثة مكونات هي المعرفي والوجداني والنزوعي، والشخصيات تصنف إلى نوعين أحدهم يهتم بالعلاقة مع الآخرين كونهم متمرسين على إلقاء النص بطريقة جذابة توضح جمالياته بشكل شيق وممتع، والنوع الآخر انطوائي يتجنب هذه العلاقات. الجميل والطريف بالموضع أن النكتة دائماً ما تكون وليدة موقف عفوي نقوم به، ونحن من يروي ذلك الموقف للآخرين، بهدف إسعادهم وإضحاكهم على ذلك الموقف، وبطريقة غير مباشرة نعمل على إضحاك الآخرين على أنفسنا وبطريقة عفوية، هذا لأن الإنسان بفطرته يسعى إلى المرح وبشتى الوسائل حتى ولو كان يضحك الآخرين عليه. ودائماً ما تحوي جلسات الأهل والأصدقاء حيزاً كبيراً "للنكتة" إذ تعد النكتة سبيلاً للألفة والمحبة والتقارب العفوي بين الأشخاص، تقارب بلا تنظيم أو تخطيط، فنقول: نريد الجلوس مع "فلان" لأنه صاحب نكتة، ونقول: لم نضحك منذ جلوسنا مع فلان، نسعى إلى الالتقاء بمن يوصفون "بخفيفي الدم" وذلك لكسر الروتين اليومي، وتناسي مشكلات الحياة المتراكمة. والظريف في الموضوع أن الناس عموماً، وبعد جلسات الضحك المفرط يقولون " اللهم اجعله خيرا " وكأن هناك ضريبة عكسية للضحك متمثلة بالخوف من القادم، وما هي إلا ثقافة اجتماعية سائدة، لا مبرر لها لكنها للأسف موجودة في بلادنا.