هل سنعاقب طبيبا نفسيا إذا ما عالج مريضا بواسطة نكت مضحكة ومسلية مهما كان طابعها؟؟هل سنعاقب معلما إذا ما شرح أو علم لتلامذته النكتة والضحك؟؟هل سنمنع تأسيس جمعية هدفها جمع وشرح وإشاعة النكتة؟؟فكل من سيمنع الجمعية من التأسيس أو يعاقب الطبيب أو المعلم، وكل من سيمنع النكتة أو يعاقب قائلها أو ناقلها أو حاكيها هو ذاته إنسان مريض يشكو من عاهة خطيرة ، لا علاج له سوى سماع النكتة والضحك حسب تعليمات الحكماء.إن من يتمتع بالكفاءة القانونية البسيطة يعرف بأن النكتة ليست جريمة، لسبب بديهي هو أن الجريمة هي فعل أو امتناع معاقب عليه بعقوبة منصوص عليها في القانونوالنكتة عطاء من الخيال والذكاء، وهي بذلك ليست جريمة لسبب بسيط وهو أنها لا تستهدف شخصا بذاته أوتقصد مركزه القانوني، ولذلك لم يجرمها القانون. ولا بد من أجل إنزال العقاب على من يحكي أو يكتب أو ينشر النكتة، أن يتوفر في الفعل العناصر الثلاثة وهي العنصر القانوني الذي يحرم النكتة والعنصر المادي والمعنوي أي القصدونحن أمام فراغ في القانون، ما العمل للحيلولة حتى لا يمارس التعسف السياسي والسلطوي وحتى لا نقع ضحية لممارسة فاشستية حكومية ضد هواة ومحبي النكتة ومبدعيها ؟؟على الحكومة ووزيرها الأول التي فتحت الآن باب العبث بمنع مجلة بسبب النكتة، ومن واجبها الآن، أن تسير في درب العبث أي أن لا تترك فراغا تشريعيا، و أن تبادر بسرعة إلى وضع مشروع قانون بين يدي البرلمان، في شكل مدونة الضحك، على غرار مدونة التجارة أو مدونة الأسرة أو مدونة الضرائب، مدونة تجمع وتجرم كل النكت السياسية والدينية والجنسية والطائفية والمذهبية والفكاهية والمبكية والمضحكة والمقلقة والمغضبة والعامية والشريفة والقروية والمدنية والبرلمانية والوزارية والسلطانية والبوليسية المغربية والإفريقية والأمريكية والصينية والبيضاوية وو ......وذلك حتى يجد وكلاء الملك سندا للمتابعة ويجد القضاة قاعدة للإدانة.وما دامت الحكومة لم تنضج لديها الفكرة ولم تقم بهذا السبق المغربي السياسي التشريعي، قررت أن تمتثل لتعليمات وأوامر أخواتها من بعض الحكومات الخليجية الملتحية والمحتجبة وراء عباءات البترول والدولار، وأن تصنع محاكمة للصحفيين بسبب النكتة، وأن تفتعل جريمة تسمى جريمة النكتة بصفة مؤقتة، لتجد سندها لمحاكمة صحفيي نيشان، وأن تفتعل النص لمعاقبة النكتة، وأن تشكل محكمة استثنائية خاصة بالنكتة، وتصنع قضاة لا يضحكون ولا يفهمون النكت للحكم على النكتة، على الحكومة كذلك أن تنشر تجربتها هذه التي طبقتها على نيشان وعلى كسيكس وسناء، وأن تعرف بها دوليا، وتسجلها في سجلات براءة الإختراع وفي مركز الملكية الفكرية، وأن تسهر أن يتم كل ذلك ليلا وسرا، لكي لا تثير الضحك عليها وحول مشروعها السياسي لمحاربة النكتة ومحاكمتهاوعليها كذلك أن تنتبه جيدا لكي لا تصبح هي نفسها نكتة وهي تحارب النكتة وتحاكمها.وعليها أن تفخر أمام العالم لأنها ستصبح حكومة بلد يمنع الضحك، وحكومة فرضت على المغاربة التمتع بالبؤس والحزن وانسداد مسالك الفكاهة والمرح والبسمةلكن، وفي انتظار أن يستفيق مبدعو النكتة وعشاقها ومستهلكوها من صدمتهم، تعالوا لتصدمكم مرة ثانية وفي ظرف وجيز مشاهد ومقاطع من محاكمة نيشان أمام المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء صباح وزوال الاثنين الثامن من يناير.والبداية من شوط النهاية وهو الهجوم السياسي والحكومي الذي عبرت عنه بواسطة التعليمات التي ظهرت بوضوح في مرافعة النيابة العامة على لسان ممثل وكيل الملك الذي يعلم العارفون أن لا حول له فيما قاله، تلك التعليمات المغلفة في ثوب قانوني يرفع سيف المس بالإسلام وبالملكية، وفي ثوب مثقوب تسقط منه الجدية والمنطق والمصداقية والمسؤولية، وتبعث منه رائحة القمع الحكومي من خلال رغبة الحكومة أن تعدم منبرا صحفيا إلى الأبد وتعدم صحفيين اثنين وتقبر القلم والورق والذكاء والفكر والجهد في مقبرة جماعية معهما في مدفنهما، النيابة التي طالبت من المحكمة جهرا بأن تدين كسيكس وسناء بالعقوبة الحبسية والمالية، و أن لا تمتعهما بظروف التخفيف، وأن بمنع صدور نيشان، وأن تحرمهما معا من ممارسة المهنة الصحفية.هذه هي ملتمسات وكيل الملك، وهي ملتمسات لا علاقة لها بالعهد الجديد ولا بالإنفتاح ولا بدولة القانون ولا بالعدالة الجدية، أنها تذكر بحضارة العصا قائمة على قاماتها السابقات.إنها ملتمسات من القرون الوسطى تبعث على الضحك رغم أنها ليست من باب النكتة، ملتمسات تُظهر وجه الحكومة الرسمي الذي يريد الانتقام من نيشان بأي ثمن رغم ما قيل وراج بأنها أعطت في الكواليس وعودا لإنهاء الملف دون مخاطر، ورغم إلتماساتها من نيشان بأن لا تسيس المحاكمة وأن لا تصعد من وثيرتها وأن لا تنصب محافين يعطون للمحاكمة بعدها وعمقها، وأن لا تقبل مراقبين من جمعيات حقوقية لمتابعة المحاكمة، لكن الأربع عقوبات القاسية في وزنها كالقنبلة العنقودية التي طُلب من المحكمة إنزالها بكسيكس وبسناء، قد فجرت ردود فعل كبيرة من قبل منظمات دولية ومن فنانين وصحفيين في كل أنحاء العالم وأظهرت أن السرية التي أرادتها الحكومة في المحاكمة قد انقلبت إلى فضيحة دولية لن يُخمد جدواها ولو استقالت لحكومة.وفي سياق الفضيحة التي سبق أن فجرها حكم قاضي الرباط ضد علي المرابط مدير دُومَان حين عاقبه بالمنع عشر سنوات من مزاولة الصحافة، لم تتأخر الدولة في أن تطالب من النيابة العامة أن تؤكد أمام المحكمة على رغبتها بأن تنزل نفس العقاب ضد كسيكس وسناء من نيشان، أي أن يصدر حكم ضدهما بمنعهما من المزاولة بقا للفصل 87 المشئوم، والجميع يعلم أن القانون الجنائي لا يمكن أن يطبق على جرائم الصحافة لأن العقوبات بهذا الصنف من الجرائم منصوص عليها في قانون خاص يحدد بالحصر أنواع الجرائم وقواعد المسطرة ومختلف الأحكام المالية والحبسية والإدارية حصرا كذلك، الشيئ الذي لا يسمح بأن يستورد أيٌ كان نصا أجنبيا خارج قانون الصحافة ليطبق على جرائم الصحافة، لكن في المغرب وأمام البعض من القضاة، يمكن أن نكون وجها وجه أمام هذا الخلط وهذه الفوضى التي تظل دون محاسبة مهنية ولا مساءلة قضائية، لأن احتقار القانون وقواعد المسطرة من البعض يتساهل معها بل تكون أحيانا وسيلة للمكافئة.فضلا عن مرافعة النيابة، فوجئ المراقبون والحضور من مرافعات من نوع آخر قدمها رئيس المحكمة خلال المحاكمة، فكيف ذلك؟؟ هل كان ادريس كسيكس وسناء العاجي يوم الثامن من يناير الجاري أمام محكمة أمن الدولة، أو أمام محكمة عرفية، أو أمام محكمة تحاكم نازيين، أو محكمة لمحاكمة صهاينة أعداء الإنسانية، أو أمام محكمة من القرون الوسطى؟؟....والجواب يسهل على من تابع عن كثب وقائع تلك الجلسة التي مثل فيها إدريس وسناء، والتي حاول رئيسها أن يظهر خيال عبقريته من مستوى اقل من الضعيف.كانت بداية البداية كلها ألَمٌ من طريقة استنطاق وتسيير الجلسة من قبله، يصعب على غير المتمرس أن يعتبرها طريقة عادية وعادلة، بل من يعرف دلالات محاكم التفتيش يسهل عليه وصف وإدراك ما جرى مع الصحفية سناء من خلال طريقة تعامله كرئيس للجلسة معها ومع ما أراد الوصول إليه من خارج نطاق الملف وبعيدا عن وقائعه.سناء التي أحيي من الآن، ذكائها ويقظتها تجنبت بصمود السقوط في فخ الأسئلة التي وجهت إليها خلال استنطاقها، سناء استطاعت أن تواجه الطريقة التي اختارها رئيس الجلسة للوصول إلى ما كان يرغب فيه، ويمكنني القول أنها انتصرت عليه بالنقط وبضربات الجزاء، تعددت الأسئلة التي طرحها القاضي خارج نطاق الملف والتي أكدها صراحة وأمام الملأ عندما ردد القول وخاطبها مرارا أنه يدردش معها خارج إطار الملف، أو أنه يطلب منها الإجابة دون اعتبار الملف، أو أنه يترك الملف جانبا وأنه يريد منها أن تجيبه كمواطنة، أو كمغربية ، أو كمسلمة ، أو كمعتزة بالملكية....قاضي مسؤول عن تسيير جلسة محاكمة لا يعلم أن القانون لا يسمح لأي قاضي أن يضع المتهم في فخ أسئلة خارج نطاق القضية التي يبحث فيها عن أجوبة خاصة به، ولا يعلم أن القانون لا يسمح له أن يستدرج متهما للوصول إلى أقوال منه أو إلى ما يريده منه ليشبع ملوماته، ولا يسمح له القانون أن يدردش مع متهم لأن الدردشة لا تكون في مكان الجد ولأن الدردشة هي باب من أبواب الهزل والنكثة ولأن الدردشة تكون من أجل ملئ الفراغ وتمرير الوقت الضائع، مسؤول كهذا لا يستحق أن يعهد إليه بمصير متقاضين، ولا يمكن لأي حكم يصدره أن يكسب مصداقية واحتراما.تعددت الأسئلة التي طرحها القاضي على سناء شرودا عن الموضوع وسمح لنفسه بذلك، وهي اسئلة يعتبر طرحها والبحث فيها من قبيل الترهيب والتخويف عند فقهاء القانون، وهكذا سمح لنفسه أن يبحث مع سناء ومن خلال أسئلة ملتوية في صياغتها، حول عقيدتها وما إذا كانت مسلمة، وحول جنسيتها وهل هي مغربية متشبعة بمغربيتها، وهل تقدس شعار المغرب الله الوطن الملك، وهل تعرف الدستور وتعرف مكانة والملك والمؤسسة الملكية فيه، وكأن جنسية سناء أوعقيدتها أو ديانتها أو قناعاتها السياسية والفكرية، من عناصر الدعوى ومن الأمور التي تهمه في الملف، أو يعنيه التأكد منها، حتى كاد للمراقب بالجلسة أن يُخَيل إليه أن القاضي سيطلب منها أداء وإعلان الشهادة أمامه ليستمع هو ويسمع من كانت تهمه الرسالة وما سوف تقوله سناء رسميا وعلنا في الموضوع.أن القاضي ممنوع عليه التدخل في كل ما له علاقة بالحياة الخاصة وفي أمور وقناعات ذاتية شخصية للمتهم والتي لا تعني القضية من بعيد ولا من قريب، ولما اعتقد رئيس الجلسة أن من حقه الخروج عن إطار الملف، والدخول فيما لا يعنيه من تساؤلات مع سناء، فإنه قد أعطى للمتتبع الحق في الخروج بالانطباع أن المحاكمة التي قادها كانت توحي أنها محكمة تفتيش، نصب نفسه فيها كزعيم حزب سياسي ملكي، أو كرئيس جماعة للدعوة والتبشير، أو ضابطا مراقبا لخبايا القناعات والأفكار، وكأنه يقول رسميا أن كل مغربي لا يمكن أن يكون إلا مسلما، وكل مغربي لا يمكن أن يكون إلا ملكيا، ناسيا أن المغرب قد اختار الإعتراف بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا وأن من باب الحقوق المقررة كونيا هي الحق في حرية المعتقد والإنتماء الفكري والسياسي والديني والثقافي. وشهوة منه في الإستمرار والسباحة في الخيال وكأنه في مسلسل درامي أو في مصحة للتخدير وللتنويم، سمح رئيس الجلسة لنفسه أن يطلب من سناء الإجابة عن افتراضات وفرضيات لا يدري الإنسان من أوحى له بها، وأصر عليها أكثر من مرة لكي تجيب منتظرا الإجابة التي يترقب، فكانت سناء وهي مندهشة لما تسمع لكنها صبورة هادئة ترد بصوت رنان وبلغة سليمة أن ليس لديها إجابة جاهزة، و أنها لن تجد نفسها أبدا في الفرضيات التي افترض وقوعها، وأنها تستبعد أن يحصل لها ما افترضه الرئيس من وقائع وما طرحه من خواطر.ولكي نتقترب من صور هذا المشهد المثير للنكتة داخل القاعة، أي مما راود ذهن الرئيس من احتمالات استفسرها عن توقعاتها حولها وردودها إذا ما وقعت فيها شخصيا، فسألها مثلا حول رد فعل أبنائها لو اطلعوا على ما نشر بنيشان بخصوص ما تعلق بالجنس، ورد فعلها لو أن جريدة مغربية أو أجنبية قالت نكتا في حق والديها، وما ذا سيكون موقفها لو قرأت في مجلة ما يمس المؤسسة الملكية أو المغرب .....؟؟وهنا كذلك، يمكن طرح السؤال، هل أن رئيس الجلسة لما انساق مع مثل هذه الأسئلة، كان قاضيا بكل معاني الكلمة ودلالاتها ووزنهل أم كان رجل مباحث؟؟ وهل كان رئيس الجلسة يعلم أن مثل تلك الإفتراضات و الأسئلة التي وجهها لمتهمة في قضية محددة، يدخل في باب التحرش الفكري ولا علاقة له بالقانون ولا بالتحقيق القضائي بالجسلة، وهل كان يعلم كذلك أن الجواب عن الإفتراضات النطرية التي كان يحلم بها والمفترض حصولها أو عدم حصولها هي من صميم محاكمة الرأي والضمير، ومن باب استنزاف معنويات المتهم، ومحاصرته فكريا لإرهاقه، وللتأثير عليه، ولمحاولة بلوغ هدف تطويقه في موضوع محدد، ومحاولات مثل هاته التي أسقط الرئيس نفسه فيها، هي التي تجعل من المحاكمة التي أشرف عيها محاكمة للرأي وللمعتقد الفكري، وتجعل النكت والضحك أسبابا ظاهريا مبررة لقرار منع نيشان.وهكذا حين يصيب القدر الضحك والنكتة بقسوته، يصير كل شيئ في هذا الزمن مضحكا وضربا من العبث......لقد كشفت هذه المحاكمة أن الملف لا موضوع له، وأن القضية أصلا مفتعلة، وأن المتابعة ضد كسيكس وسناء وضد صحيفة مستقلة أسطورة مقتبسة بدون نضج، وأن المحكمة أمام العبث والفراغ اختارت لعبة محاكمة الآراء والقناعات وإلتجأت للإفتراضات واختارت الإستنطاق السياسي والإيديولوجي فلعبت دور المطبل لشعارات الدولة وخرجت بذلك عن حيادها المفترض علما أن خروج القضاة عن وظيفتهم هو أكبر تهديد حقيقي للأمن الإنساني وللإستقرار السياسي ولقيم العدالة واليمقراطية.إن محاكمة نيشان أكبر خطورة من محاكمة الموسيقيين الشباب ومن محاكمة على المرابط ومجلة دومان، ومحاكمة لوجورنال، لأن الحكومة بهذه المحاكمة النكتة، ترفع من درجة النفاق وتفتح الباب لكل سلوك فاشيستي يهدد المواطن، خصوصا أنها منعت وتابعت ودخلت بقوة خرق القانون باب التفاوض تسعى لحل سلمي مع نيشانوأخيرا وبعد أسبوع صدر الحكم المنتظر، صدر بالقساوة التي إرادتها الحكومة وبالأسلوب الهزلي الذي عرفته أطوار الجلسة، حكمت المحكمة بالسجن الموقوف الذي سيبقى سف ديموقليس على عنق الصحفيين، حكمت بالغرامة الغالية لكي يقوم الصحفيان برهم فكرهما وقلمهما للحصول على المبالغ، وحكمت بمنع نيشان لكي لا يضيع شرف الوزير الأول الذي كان السباق لمنعها.هذه هي النهاية وتلك هي الدروس التي تبخرت من المحاكمة، ليبقى القول الختم للصحفيين هل سيقبلون الضغط السياسي بديلا عن المسؤولية والحرية، وهل سيرفعون عن طواعية من الراقبة الذاتية ليعوضوا الراقبة الحكومية عليهم، وهل سيسكتون عن أداء واجبهم إزاء القارئ قبل أن تسكتهم السلطة أو تحاكمهم؟؟الرباط 16 يناير 2007