منذ ما يزيد على 35 سنة، ظل اقليم الصحراء الغربية المتنازع عليه امميا بين المغرب وجبهة البوليساريو مسرحا تاريخيا مخضرما وشاهدا على عصرين مأساويين: عصر الامبريالية الاوربية، وعصر تقاطبات الحرب الباردة، وما نتج عنها من حرب بين الأشقاء و ما واكبها مما يعرف في المغرب كله باسم سنوات الجمر والرصاص ابان حكم الملك الراحل الحسن الثاني..تلك الحصيلة المؤلمة أقر بها العاهل المغربي الشاب محمد السادس فور اعتلائه العرش في محاولة للمصالحة و طي صفحة الماضي الأليم لانتهاكات حقوق الانسان في المغرب..إلا انه و على ما يبدو للمتوغل في اعماق النزاع وخلفياته، فقد كانت جراح الصحراء عميقة عمق وادي الساقية الحمراء و واد الذهب اشهر المعالم الجغرافية المحددة للرقعة المتنازع عليها من اقليم الصحراء الكبير الممتد تاريخيا من واد نون شمالا الى نهر السنغال جنوب موريتانيا.. الأواصر التاريخية والعرقية القوية التي تربط سكان الصحراء بإخوانهم العرب والأمازيغ المغاربة، لا يمكن ولا ينبغي انكارها، إلا انها أصبحت الآن شيئا من التاريخ المجهول المتجاهَل..على الأقل في عرف جبهة البوليساريو و من يتبنى أو يؤيد خياراتها من الصحراويين وهم كثر سواء في تيندوف أو داخل الصحراء من واد نون الى واد الذهب وذلك بفعل تراكمات الأخطاء المخزنية المغربية و مؤامرات الامبريالية الاوربية..فبعد جلاء المستعمر الاسباني و تقسيم المغرب وموريتانيا للاقليم في تجاهل لارادة سكانه، لم يكن دخول النظام و الجيش الملكي الى الصحراء سلسا ولا حكيما رحيما، بل كان من العنجهية والقمع بحيث ارتكب مجازر جماعية في حق بدو الصحراء العزل و استهدفت بالأساس تطهير معاقل جيش التحرير الصحراوي الذي قاد معارك المقاومة ضد الغزاة الأوروبيين لوحده دون مؤازرة من النظام المغربي، وقد احكمت الدولة بعد ذلك بقبضة من حديد على الصحراويين و هي تحاول أن تعيد اعمار المدن الصحراوية الكبرى بعد ان تعرضت الكثير من المداشر الصحراوية للقصف والتدمير كتفاريتي والمحبس و بيركندوز وغيرها..مما اضطر أغلب الناجين الى الفرار طواعية نحو مخيمات اللجوء بحمادة تيندوف بقيادة جبهة البوليساريو وتحت الحماية والدعم الجزائري.. الا ان من الصحراويين أيضا من طوى صفحة الماضي ويتبنى الوحدة والاندماج داخل المغرب كخيار واقعي أو سياسي وخاصة بعض النخب الريعية المتنفذة والمستفيدة من امتيازات الدولة مقابل الولاء والتعاون المشترك، هذا فضلا عن وجود متحفظين يتوجسون خيفة وحذرا سواء من الواقع السياسي الراهن تحت نفوذ المغرب أو من أي مستقبل سياسي واداري يختاره الصحراويون أو يفرض عليهم..! ومن أسباب هذا التحفظ تخوف بعض الشرائح من هيمنة النزعة القبلية على الصحراويين أو من امكانية التلاعب بمصائر الناس في غياب اي ضمانة لروح الديمقراطية والعدالة الاجتماعية في مجتمع عشائري صراعي لمّا يتشرب بعد روح المدنية، و قيم المواطنة الحديثة المناقضة للذهنية القبلية..وعلى العموم فلا يوجد هناك أي احصاء كمي ولا نوعي لخيارات الصحراويين قبل الاستفتاء أو اي حل مجمع عليه، إلا أن أكبر الخيارات فيما يبدو هي الثلاثة المعروضة على الاستفتاء في الطرح الذي تقدمت به جبهة البوليساريو: الانضمام أو الاستقلال أو الحكم الذاتي.. ويبقى خيار تقرير المصير عموما الأكثر جاذبية و ديمقراطية في أوساط الكثير من الصحراويين .. لقد كان تجاهل انسانية الانسان البدوي الصحراوي خطأ فادحا لم يراع الذهنية القبلية الصراعية المعتدة بذاتها المعتزة بأيامها، و المستقلة منذ البدء بتسيير شؤونها عن الحكومات المركزية لسلاطين المغرب رغم ما كان من ولاء رمزي لشخص الملك من طرف بعض القبائل..و كانت تلك الأخطاء والملابسات التاريخية دافعا قويا أجج في نفوس المجتمع القبلي الانقسامي حسا قوميا وطنيا جديدا لا عهد له به، أصبح بموجبه يتبرأ و يتنكر من كل صلة تربطه بالتاريخ العريق لدولة المغرب ثقافة وشعبا.. فبعد أن كان ولاء الصحراويين لقبائل متفرقة يجمعها تاريخ من التعايش والصراع صار ولاء اغلبيتها لمن يحفظ عزتها و يرفع عنها الضيم، و يمثل مصلحتها في التكتل داخل جبهة صحراوية واحدة ضد من حولوا هدوء الصحراء الى عاصفة ناسفة..فلم تكن هذه الجبهة سوى جبهة البوليساريو التي وجدت نفسها وهي تطالب باستقلال الاقليم، مضطرة للنزوح بمن احتمى بها الى أي مكان يضمن شيئا من الكرامة ، و يضمد الجراح الغائرة..فبعد التراجع الجذري لليبيا عن دعم البوليساريو، فتحت الجزائر احضانها للجبهة وفاء بعهودها لدعم حركات التحررمن جهة و نقمة و نكاية في الجار / "الخصم المغربي" من جهة ثانية.. وبغض النظر عما اذا كانت هجرة الصحراويين لترابهم رغم القمع المخزني، تعتبر ردة فعل صائبة او مخظئة، أو لا بديل عنها، فإن الامر الواقع هو استمرار المعاناة الانسانية للصحراويين على الضفتين وان اختلفت ظروف و أسباب معاناة كل من الفريقين..فانقسم الصحراويون الى شطرين شطر في تيندوف والشطر الآخر تحت أعين وقبضة المخزن المغربي..ورغم تدشين المغرب لمرحلة حقوقية جديدة تحاول القطيعة مع ماضي الانتهاكات، إلا إن الاوضاع الحالية مازالت تعرف انفلاتات امنية مستمرة ليس آخرها حملات الاعتقال و الممارسات اللاانسانية التي مورست على المنتفضين المطالبين بتحسين اوضاعهم بعد التفكيك العنيف لمخيم اكديم ايزيك السلمي ذائع الصيت..وهذا ما جعل جبهة البوليساريو تلح على الاممالمتحدة لإحداث آليات مراقبة اممية لوضعية حقوق الانسان في الصحراء، وهو الشيء الذي استفز المغرب ورأى فيه مساسا بسيادته على الاقليم..وقد باتت الحرب الجديدة حربا حقوقية و اعلامية بامتياز أشبه بلعبة كبيرة يحاول كل خصم ان يسجل اكبر الاهداف في مرمى الطرف الآخر، فقد سجلت البوليساريو انتصارات حقوقية واعلامية كبيرة على يد النشطاء الحقوقيين الصحراويين " المزعجين" للمغرب كأمثال أمينتو حيدر و مجموعات المعتقلين الذين زارو الجزائر ومخيمات تيندوف اشهارا لمواقفهم المعارضة المتبنية للبوليساريو كممثل شرعي وحيد للصحراويين. وفي المقابل يحرص المغرب كذلك على رصد و اغتنام كل ممارسة لا انسانية او غير قانونية صادرة عن البوليساريو في معاملتها للاجئين، و قد دعم المغرب حملة وطنية ودولية كبيرة لمؤازرة مصطفى ولد سيدي مولود الذي وجهته السلطات المغربية و شجعته على أن يجهر بقناعته حول الحكم الذاتي كحل لقضية الصحراء و احراجا للبوليساريو من داخلها كما نجحت هي في ذلك مع المغرب من خلال نشطائها..إلا أن ولد سيدي مولود قد ووجه بالرفض فقد منعت الجبهة دخوله وقامت بتسليمه لمفوضية اللاجئين.. و قد جاء القرار الاممي الاخيررقم 1979 لينبه على خطورة انتهاكات حقوق الانسان في الصحراء، وضرورة أن تولي الأممالمتحدة أهمية كبرى لاستشارة الصحراويين وعدم تجاهل آرائهم فيما يخص مستقبلهم، لاسيما وأن الثورات العربية في المنطقة قد بعثت برسائل واضحة حول يقظة الشعوب العربية وقدرتها على خلق التغيير بأنفسها بعيدا عن السياسيين.. المصدر http://www.globalarabnetwork.com/opinion/5498-2011-08-09-04-36-14