صحراء بريس / هشام الدللوري * - كليميم بحكم موقع الصحراء سياسيا واجتماعيا، يصبح الاحتجاج من الطابوهات المخيفة، إذ يرى فيها فريق تعطيلا لعجلة ( التنمية؟!!)، ويرى فريق آخر رفضا للإجهاز على المطالب المشروعة لفئات مجتمع الأقاليم الصحراوية، من باب الصحراء إلى آخر تخوم وادي الذهب. والغريب في الأمر كله، أن صوت الاحتجاج عندما يحتد ويعلو، يتماس مع صوت الانفصال بحسب المقاربة الأمنية. فإضرابات الشغيلة، واحتجاجات المعطلين، وأرامل المقاومين والشهداء، وذوي الحقوق المهضومة و..ليست وليدة اللحظة، بل كانت منذ زمن ليس بالقريب، لكنها تجهض في كل محاولاتها بدواع مفارقة أحيانا، بل ومخزية إلى حد اتهام كل من يحتج بأنه انفصالي. وفي هذه النقطة بالذات، نطرح السؤال الآتي: لماذا تقرن الاحتجاجات في الصحراء بالانفصال؟ أعتقد بأن لا أحد يدعي امتلاك أجوبة يقنع بها هؤلاء المحتجين على اختلاف مطالبهم، ويقنع بها الرأي العام. ولكن، لا بأس أن نختبر هذه الفرضيات: - أولا: إن الاحتجاج يعد استثناء، وهو ممارسة تلفت الانتباه إلى أن هناك شيئا ما يجب إصلاحه، وأن أي ديموقراطية كيفما كان لونها تتبنى الاحتجاج باعتباره صوت حق، لكن يعتبر عندنا صوتا نشازا لأنه يتردد في منطقة محرمة. - ثانيا: من يوظف ذريعة الانفصال لكبح جماح المتظاهرين، ولقضاء مآرب أخرى، يدرك – على أقل تقدير – أنها الورقة الرابحة لثني كل من يفكر في الاحتجاج عن الاحتجاج. - ثالثا:خطاب الانفصال قديم جديد، لكنه مع - الثورة الإعلامية – شهد تحولا كبيرا في جهازه المفاهيمي، وهو ما استغله البعض لتحريف شعارات المطالبة بالحقوق، وتوجيهها إلى شعارات المطالبة بالانفصال. وأخيرا وليس آخرا، بدعوى الوحدة الوطنية يسقط كل شكل من أشكال النضال السلمي حول الحقوق المدنية والسياسية التي يكفلها الدستور المغربي، وبالتالي لا جدوى من الخروج إلى الشارع للاحتجاج لأنه يتعارض مع المصلحة العليا للبلاد. لا يماري أحد في أن الأقاليم الصحراوية، تعرف في هذه الآونة الأخيرة على غرار باقي أقاليم المملكة والعالم العربي غليانا بسبب الأوضاع المزرية المتراكمة جراء استشراء الفساد. وتعالت أصوات من الداخل تطالب بالإصلاح، بما في ذلك إصلاح الدستور ومؤسسات الدولة التي ترى فيها شريحة عريضة من المجتمع قصورا عن أداء خدمات للمواطن وللوطن، ولا تحترم كرامتهما. ولكن للأسف، يفهم من دعوات الإصلاح ورد الحقوق إلى أصحابها – خاصة في الصحراء – توجه انفصالي داعم لأطروحة البوليساريو، وأن كل محتج هو مأجور من قبل قيادة الجبهة، وربما في هذه الاتهامات مسوغات لجهات مجهولة لتعطي الضوء الأخضر لزيادة نشاط ما يسمون ب (انفصالي الداخل) وهم موجودون على أرض الواقع، ويتغذون من مثل هذه الأحكام المسبقة الجائرة في حق جميع الصحراويين. إن الاحتجاج بكل ألوان طيفه: اعتصامات – إضراب عن الطعام – الشارات – المسيرات – إحراق الذات – نصب الخيام...كلها تؤدي وظيفة التمرد والتنبيه على مكامن الخلل في التسيير المؤسساتي. وليس يحز في النفس سوى المطابقة العمياء بين الاحتجاجات وبين الانفصال الذي أصبح لازمة بمدن الصحراء وقبائلها وجمعياتها وأفرادها. وكم من الصحراويين معتقلي الرأي ذهبوا ضحية هذا القران غير الشرعي بين الاحتجاج وبين الانفصال، حجة على أولائك الذين ما فتئوا يرددون – دون حياء – أن حرية التعبير والاحتجاج مكفولان دستوريا. ومما لا يدع مجالا للشك، أن الطعنات تتوالى في ظهر الصحراء، خذ مثالا على ذلك، ما وقع في مخيم (اكديم ايزيك) الذي رسم ملامح انتفاضة سلمية دخلت فيها الخيمة الرمز طرفا مناضلا، يقلق الجهات المسؤولة. وخذ مثالا آخر ما وقع بمدينة كلميم أيام 20-21-22 فبراير المنصرم، حيث تم تحويل مسيرة الاحتجاج السلمي للمطالبة بالإصلاح وتحسين الخدمات ومحاربة الفساد والمفسدين، إلى أعمال تخريبية، اتهم فيها جهاز الأمن بالتقصير في حماية الممتلكات العامة، وذهب ضحيتها شباب وقاصرون.وما وقع أيضا في مدينة السمارة،حيث وجد المجازون المعطلون أنفسهم بين مطرقة العطالة وسندان الملاحقة القضائية بدعوى أنهم انفصاليون... ماذا بعد؟؟ ألا يمكن استنتاج من كل ما قيل، أن كبريت الانفصال موضوع بعناية وبقصد على أوراق الإصلاح المنتظر؟؟ وأن « كل ما يحر ِّم على الإنسان النظر والفكر أو يمنعه من التمرد على ما لا يطمئن إليه فهو جمود »كما قال علال الفاسي؟؟؟. والاحتجاج نظر وفكر وتمرد، ولا يحق لأحد مهما كان موقعه ووظيفته أن يشتم الصحراء في توجهاتها وقناعاتها وسعيها للقضاء على كل مظاهر الجمود. وكأني بالصحراء تردد قول الشاعر:
ذُللٌ ركابي حيث شئتُ مشايعي ُلبي وأحفزه بأمر مبرم الشاتمي عرضي ولم أشتمهما والناذرين إذا لم ألقهما دمي