وأخيرا تمخض الجبل فولد فأرا. لعل أكثر ما يحير الناس الآن هو كيف يفكر هذا النظام المخزني المستبد وبأي منطق يتعامل مع واقع المغرب المائج. خرج الألوف من المغاربة منذ 20 فبراير الأخير معبرين عن سخطهم وقرفهم من تغول الاستبداد واستشراء الفساد ومطالبين بضرورة التعجيل بتطهير البلد من مصادرهما وآثارهما. فماذا كان جواب النظام الحاكم؟ لقد ضمن المخزن جوابه على تطلعات المغاربة وآمالهم في ثلاث رسائل وجهها لهم بصريح التعبير. عنوان الرسالة الآولى: العجز. فقد أفصح المخزن عن عجزه الواضح عن الاستجابة لمطالب الشعب. ومردُ هذا العجز إلى سببين رئيسيين: 1 الطابع الإستبدادي الشمولي لنظام الحكم في المغرب والذي لايتصور التنازل عن هيمنته واحتكاره لكل شيء في هذا البلد خاصة الثروة والسلطة. فالملك يجمع بين الاحتكار المطلق للقرار السياسي وبين الهيمنة على معظم مقدرات الاقتصاد الوطني. وقد أعلن عدم استعداده للتخلي عن أي منهما وأنه لا مجال لمناقشة ذلك أو تخيله. 2 الصراع بين أركان مربع السلطة الذي فاحت رائحته وأصبح حديث الخاص والعام. وهو ما يعيق أية مبادرة حقيقية لحلحلة أوضاع المغرب أو الدفع بها نحو التغيير الحقيقي. فتضارب مصالح المنتفعين من القرب من السلطة وتداخلها يشعل بؤرة الفساد ويعوق كل مبادرات الاصلاح لأنها في النهاية لاتخدم جشعهم وتكالبهم على خيرات البلاد وتسلطهم على رقاب العباد. فما عرضه الملك من إصلاحات للدستور لاتغير من حقيقة النظام السياسي كما أنها ليست معنية بالحد من فساده واستبداده إنما هي محاولة لإمتصاص الغضب الشعبي واحتوائه بإجراء عمليات تجميل ممجوجة لجسمه الهرم. فالمخزن متمرس في تسويق الأوهام. أما الرسالة الثانية فعنوانها: عصا غليظة في مقابل جزرة يابسة. فقبل خطاب الملك الذي اقترح فيه جملة من الترقيعات السطحية للدستور المعيب،سرب المخزن للإعلام خبرا مفاده أن وزارة الداخلية لن تتسامح مع أي شكل من أشكال الاحتجاج السلمي وأنها أمرت أجهزتها بقمعها والتعاطي معها بالقوة اللازمة. وكأن كل البطش المفرط والاعتداء الوحشي على الأبرياء الذي استخدم منذ 20 فبراير لصد كل التحركات السلمية للجماهير لم يشف عطش المخزن للدماء ولم يحقق مبتغاه. بهذا التصريح يقول المخزن للمغاربة بأنه ليس لهم إلا أن يقبلوا صدقته ويرضوا بالجزرة اليابسة التي تفضل بها عليهم والتي يعلم يقينا أنها لاتسمن ولاتغني من جوع وإلا فإن عصاه الغليظة مصلطة على رقابهم و لن ترحمهم. الرسالة الثالثة كانت ذات بعد نفسي دعائي. فصورة الملك إلى جانب ولده له دلالة في هذا الظرف. فكأن المخزن يقول للمغاربة بأن الملكية قدرهم ومصيرهم وليس منها مهرب ولافكاك. وهو بذلك يدفعهم لليأس من رؤية وطنهم في ركاب الأوطان المتحررة من ربقة الفساد والاستبداد ويدعوهم إلى الرضا بأوهام الدعاية ولو كانت مفضوحة ولا تقنع حتى السذج من الأطفال. لقد كانت ،ومازالت، مطالب المغاربة واضحة: تغيير دستوري يقطع مع الاستبداد ويحاسب الفساد ويرجع السيادة للشعب وليس للملك. فأساس مصاب المغاربة ونكبتهم في اجتماع الاستبداد والفساد في نظام يحكمهم بالقهر منذ أمد بعيد وقد آن أوان أفوله. فماذا سيكون جواب المغاربة وما رسالتهم للنظام المستبد الفاسد؟ هل سيسقط الشعب في فخ الدعاية الفارغة والأماني المعسولة التي لن تغير بؤسه ولن ترد كرامته المسلوبة؟ هل سيعاكسون رياح التغييرالتي تهب بقوة على كل الشعوب العربية؟ هل سيضيعون فرصة التغيير الجذري والحقيقي المتاحة أمامهم الآن؟ أم أنهم سيكونون في الموعد مع التاريخ ويأخذون زمام مستقبلهم ومستقبل أولادهم بأيديهم ويخوضون معركة التحرر من الاستبداد والفساد بكل تحضر ومسؤولية؟ الكرة الآن في ملعب الشعب و نخبه الراشدة.