في الساعة الخامسة من يوم 23 نونبر 2016، وإلى جانب القاعة التركية التي احتضنت القمة العربية الإفريقية في عاصمة غينيا الاستوائية، ألغت ثلاث دول محادثاتها بشأن عودة المغرب إلى الاستفتاء لحل قضية الصحراء، من أجل عودته إلى الاتحاد الإفريقي “تعزيزا لبروتوكول مولابو” الذي وقعته عشر دول إفريقية إلى الآن. وأكدت الجزائر في مارس الماضي، عن توجهها لتحويل البرلمان الإفريقي من دوره الاستشاري إلى برلمان فعلي على أساس تشريع الاستفتاء “حلا قانونيا” لحل قضية الصحراء، وهو ما لم يتخوف منه المغرب، لأن الإجراء يشكك في وجود الدولة المعلنة من جانب واحد، لكن الجولة الثالثة من المحادثات قالت أن الاستفتاء “حل لدمج دولتين” من دول الاتحاد الإفريقي (المغرب وجمهورية البوليساريو). وعلق الوزير الجزائري، رمطان لعمامرة في لقائه مع رئيس البرلمان الإفريقي بالقول: “إن هذه الطريقة حل قانوني للطرف الذي يريد إخراج عضو مؤسس من الاتحاد”، ويقصد جارته المملكة المغربية. رئيس البرلمان الإفريقي، الكاميروني روجي نكودو دانغ، إحدى قنوات الحوار بين المغرب والاتحاد الإفريقي، دافع عن حوار بين طرفي النزاع لإقرار مسطرة الاستفتاء قبل أن يقرها البرلمان فور امتلاكه الصفة التشريعية، فيكون الحل إفريقيا مائة بالمائة حضر رئيس البرلمان الإفريقي، الذي له تكوين دبلوماسي، الذكرى الأربعين لإعلان جمهورية البوليساريو، والتقى رئيس “الكوركاس” بناصر بوربطة عن الخارجية المغربية في زيارة للرباط، وباشر مع الجزائريين في 14 مارس الماضي، ما سمته الصحافة في هذا البلد، “التصديق على البروتوكول الجديد لبرلمان عموم إفريقيا”(1). وعرض، روجي نكودو دانغ، حلا إفريقيا مائة بالمائة، لبقاء أو زوال جمهورية البوليساريو، يتجلى في إعمال (الاستفتاء) بإشراف الاتحاد الإفريقي، وبمساعدة الأممالمتحدة، بما يبعد المغرب من المعايير الصارمة لمجلس الأمن، ويضمن للصحراويين الاختيار الذي تمسكوا به منذ بداية النزاع. وهذه الصفقة مررتها الجزائر، وانطلق الرئيس دانغ، يناقشها بشكل سري في عواصم إفريقية، وسمحت الرباط، من جهتها، بلقاءات شخصه مع مسؤوليها(2)، ودعمته في إلقاء خطابه التاريخي أمام الجمعية الوطنية للبرلمان الفرنسي داعيا إلى إفريقيا واحدة “تحترم كل الجذور والحساسيات السياسية والدينية والإثنية المتداخلة” تحت شعار: “إفريقيا واحدة صوت واحد”. وفي هذه الأجواء، خيضت المحادثات على أساس عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي والسماح بحل مشكل الصحراء قانونيا عبر الاستفتاء، للاستمرار في الوضع القائم مع جمهورية البوليساريو، أو اندثاره في حال فوز المملكة بأصوات الصحراويين، وبمساطر “قارية”. ولتعزيز هذه المحادثات، جرى لقاء في مراكش، بين رئيس البرلمان الإفريقي ورئيس البرلمان الجزائري، وظهر سر الجارة الشرقية في إرسال تشكيلة وفدها، من رئيس برلمانها وليس رئيس حكومتها (عبد المالك سلال)، وهو ما نقله أفارقة إلى وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، الذي أخبره وزير خارجية جنوب إفريقيا بتفاصيل ما يجري في الكواليس، التي لم يكن رئيس البرلمان الإفريقي، دانغ، قناتها الوحيدة، بل شهدت مدينة ميدراند في جنوب إفريقيا جولة أخرى من هذه المحادثات، في إطار اللقاء الثامن لرؤساء البرلمانات الإفريقية يوم الثالث من غشت الماضي. وتواصل رئيس البرلمان المغربي مع هذا الانفتاح، عندما دافع الطالبي العلمي عن مصر في قضية رفع علم البوليساريو بمؤتمر في شرم الشيخ، احتفالا من المصريين بتجربتهم البرلمانية، وحل بهذه المناسبة بالقاهرة، رئيس المجلس الشعبي الوطني في مصر، وقال ولد خليفة، بعد لقاء رئيس البرلمان الإفريقي: “إن العمل جار لحل النزاعات، يتقدمها نزاع الصحراء، وشكر دانغ، المساهمة البناءة للجزائر في هذا المجال”(3). وقابل رئيس البرلمان الإفريقي، خطري أدوه، عن الجبهة، وأكد قبول حل دولته إن قرر الصحراويون الاندماج في المغرب. وبدا الحوار مشجعا لعودة المغرب إلى ما قرره وقبله في منظمة الوحدة الإفريقية، وعززه الإجماع الإفريقي الذي برز مجددا في القمة العربية الإفريقية في مالابو، حيث لم ينسحب مع المغرب أي بلد إفريقي، من الدول الموقعة في “إعلان 28” الذي طالب بتعليق الدولة المعلنة في الصحراء، لأن الدول الأنكلفونية في القارة أضافت عبارة: “إلى حين إعلان نتائج الاستفتاء”. وهذا البند الذي عرفته محادثات “ميدراند” في جنوب إفريقيا كشف ما قيل في اللقاء، داعيا الطرفين (المملكة والبوليساريو) إلى الانتقال من الخطابة إلى جوهر الأفريقانية(4). والاستفتاء هو الحل في بقاء أو ذوبان (جمهورية البوليساريو)، واتفاق الدول الإفريقية الناطقة بالإنجليزية والفرنسية في ميدراند على هذا المبدأ نقل المحادثات إلى مرحلة متقدمة تحت ما يسمى حاليا “بند ميدراند”، وهو البند الذي وحد القارة السمراء، وسمح للمغرب بدخول شرق إفريقيا. وعززت دبلوماسية دانغ هذا التوجه منذ لقائه بناصر بوريطة عن الخارجية المغربية وقوله للعلن: “إنه تلقى دعما خاصا لإيجاد الطرق والحلول لمشاكل القارة”. كانت الالتفاتة متقدمة وشبه رسمية لمواصلة المحادثات، وتراجع الأفارقة عن توقعاتهم منذ عدم سماح المملكة لصحراوية بصفتها في البرلمان الإفريقي حضور قمة المناخ بمراكش، ولم يفقد دانغ الأمل، فحضر نشاطات صحراوية على الطرف الآخر، ولبس (دراعية) للقول بحياده بين الصحراويين، المناهضين والموالين للمملكة، قبل أن يفقد كل شعور بالثقة في العاصمة مالابو، حيث انسحبت تسع دول عربية من القمة المشتركة بين جامعة الدول العربية والاتحاد الإفريقي. وغادرت البعثة المغربية عاصمة غينيا الاستوائية في الوقت الذي يحاول المغرب إعادة دمجه إلى الاتحاد الإفريقي، بعد انسحابه عام 1984(5)، وهو التعليق الإفريقي الذي طال جل وسائل الإعلام في القارة السمراء حيث ذكر انسحاب 2016 الأفارقة بانسحاب 1984. ولم تلتفت وسائل الإعلام الرسمية في غينيا الاستوائية إلى ما حدث من انسحابات، وقال رئيسها، تيودورو سوغو، الذي جاء إلى قمة مراكش وألقى خطابا في القمة الإفريقية على هامش قمة المناخ : ” إن تجربة غينيا الاستوائية مثال للأفارقة ، لأن نموها لم يكن ثمرة تعاون مع أي دولة ، بل بفضل إدارتها ومصادرها، ولا تطلب من الدول العربية سوى التعاون التقني والعلمي(6). ودافعت الدول الإفريقية عن “جمهورية” البوليساريو وهي توقع على “إعلان فلسطين” في ضربة موجعة لمآل المحادثات والتوافقات “السرية” بين الدول الإفريقية، حين حدث إجماع بين مجموعة(28) الصديقة للمغرب وباقي الدول المناصرة للبوليساريو. وذهبت الأمور، في وقت سابق، إلى ما دعاه رئيس البرلمان الإفريقي، تعويض 28 دولة بأخرى تؤيد الاستفتاء كحل قانوني للحسم في مصير “جمهورية” البوليساريو، ولمواجهة هذا الانقسام الذي أصبح اليوم متساويا، بعد “قمة مالابو”، فضل الجميع خيار الاستفتاء بإدارة البرلمان الإفريقي في صيغته التشريعية الكاملة. وفي ظل هذه التطورات، نزع الأفارقة عن المغرب دولا حليفة: السودان، سلطنة عمان، مصر والكويت، واستقبل رئيس غينيا رئيس مصر، والمسؤول العماني يحيى المطيري مؤكدا أن الاتحاد الإفريقي موحد في رؤيته حاليا وغدا، وهي رسالة قوية لكل من حاولوا إثارة الخلاف بين مجموعة “سيداو” لغرب إفريقيا وباقي المنظمات الجهوية في القارة، وجرى لقاء غير مسبوق ومنسجم بين مسؤولي غرب إفريقيا ومجموعة “سي. أو. أو. آ. سي” على هامش القمة العربية الإفريقية الأخيرة، وهو ما دفع بالسعودية، رغم انسحابها، إلى قبول احتضان لقاء الاستثمارات العمومية بين الجانبين العربي والإفريقي في 2019. إجهاض مزدوج لمحادثات سرية تقرب المغرب من دول الاتحاد الإفريقي المساندة للبوليساريو للحفاظ على وحدة الاتحاد، وأيضا لمحاولات الوصول إلى حل إفريقي إفريقي لإنهاء مشكل الصحراء، ولا تريد الرباط أن يؤول الحل إلى الاتحاد الإفريقي رغم مشاكل المغرب مع مجلس الأمن حول “الكركرات” وعودة باقي طاقم “المينورسو” إن فشل رئيس البرلمان الإفريقي في محادثاته الميسرة أو المسهلة لدخول المغرب إلى الاتحاد الإفريقي، انتقل معه موقف نجامينا، والرئيس الدوري للاتحاد الإفريقي، رئيس تشاد، إلى التحالف المناوئ للرباط، وربما ستعاني القمة القارية القادمة من أزمة، لأن خسارة المغرب لدعم رئاسة الاتحاد الإفريقي والبرلمان الإفريقي ووضعهما إلى جانب الجنوب إفريقية، رئيسة مفوضية الاتحاد، قد تذهب بعيدا في تعقيد عودة المغرب بشرط تعليق عضوية “جمهورية” البوليساريو. واقترحت الجزائر تعزيز “اتفاق مالابو” لإقامة استفتاء في الصحراء، انطلاقا من حوار مباشر من الطرفين المعنيين بالنزاع(7) ، كما قال رئيس البرلمان في الجزائر. وكان واضحا، أن المغرب لم ينسحب جراء “كولسة الجزائر وموريتانيا واستقرار الموقف الجنوب إفريقي وانضمام تشاد إلى المناوئين للرباط” كما قالت تعليقات إعلامية، بل جاء لوجود “المادة 50” التي تدعو إلى تصفية الاستعمار في قضية الصحراء، وكانت في نظر المملكة، قرارا بوأد المحادثات “المسهلة” لانتقال المغرب إلى الاتحاد الإفريقي، ورد الأفارقة بقرار عقد الدورة القادمة للبرلمان الإفريقي في جنوب إفريقيا، حاسمين في نقل قيادة الحل في الصحراء إلى مؤسسات الاتحاد حصرا. ورفضت الرباط هذه الترتيبات، وإن أخذ الاتحاد باقتراحات مغربية ما تضمنه عرض السفير، أوسما كي كامارا، سفير جمهورية سيراليون ورئيس مجلس “السلم والأمن”، حول مراقبة الاتجار غير المشروع للأسلحة، وإطلاق تشريعات موحدة لمحاربة الإرهاب(8) كما تسرب في العاشر من أكتوبر الماضي. صدمة رئيس البرلمان الإفريقي الذي جمد محاولاته قصد التوصل مع المغرب إلى جملة تفاهمات لتسهيل انضمامه للاتحاد الإفريقي، وجاء قرار، روجيه نكودو بعد “قمة مالابو” وهو من زار مدغشقر التي يزورها العاهل المغربي، وقد قال لرئيس البرلمان الملغاشي، جون ماكس راكوتو مامونجي: “إن عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي ضرورة، ودور مدغشقر قائم على “جمع القارة وحل خلافاتها”، وصرح الملك المغربي للصحافة الملغاشية، لأول مرة منذ 13 سنة من آخر لقاء له مع الإعلام، قائلا: إنه “ابن البلد” وكل يوم يعتز بإفريقيته في أبريل الماضي، قال رئيس البرلمان الإفريقي: “إن فرصة مدغشقر في استقبالها للملك المغربي “مؤكدة” لحل خلافات القارة، لكن الرياح لم تسر باتجاه دور إفريقي لحل قضية الصحراء، وأراد روجيه نكودو دانغ، تشكيل محور عربي إفريقي، كما قال في حواره مع حاتم باشات رئيس اللجنة الإفريقية في البرلمان المصري، لكن ما حدث في “قمة مالابو” أكد صعوبة الوصول إلى “توافق المحور العربي الإفريقي” من أجل المساعدة على حل قضية الصحراء، وهو سيناريو لم يكن مطروحا لدى القيادة المغربية التي ترى الأوضاع بطريقة مختلفة، وتعزل إفريقيا عن الحل الأممي في الصحراء، وتدعو إلى تعليق “الدولة” المعلنة من جانب واحد في الاتحاد الإفريقي. والأفارقة متمسكون بما قبله المغرب في وقت سابق، أي (الاستفتاء)، والعودة إلى الاتحاد الإفريقي، عودة إلى هذا الثابت. العودة إلى الاستفتاء يحظى ب”الإجماع الإفريقي” بعد “قمة مالابو” العربية الإفريقية في فبراير 1982، كانت لجنة التنفيذ في منظمة الوحدة الإفريقية قد أقرت الصيغة النهائية لإجراءات تنظيم الاستفتاء، والإدارة المؤقتة ووقف إطلاق النار، وأكدت الرباط منذ توصية نيروبي بالانتقال إلى التطبيق، وبمقتضى القرار “أ. ه. ج 103/18” المصادق عليه من طرف رؤساء دول منظمة دول الوحدة الإفريقية في غشت 1981، تكلفت اللجنة التنفيذية بتنظيم سير عمليات الاستفتاء، وقررت اللجنة إقامة إدارة مؤقتة لتنظيم استفتاء عادل ونزيه، ويوجب القرار المذكور، كما نشرت جريدة “العلم” (20 شتنبر 1983)، أن تضمن الحقوق الثابتة لشعب الصحراء “الغربية” في تقرير المصير، وفي ظروف بعيدة عن كل تهديد أو ضغط. وقبل المغرب إدارة مؤقتة، لها السلطتين التشريعية والإدارية اللازمتين لسير عمليات الاستفتاء، وله السلطة العليا في البند (د)، كما تقول الوثيقة، “إن الشرط المسبق لهذا الاستفتاء، هو وضع سجل للناخبين، وعند إقامة السجل الانتخابي يجب الأخذ بعين الاعتبار نتائج إحصاء 1974، وبعد إعداد اللائحة الأولية يجب نشرها، بهدف بحثها بصورة دقيقة، كما يجب اتخاذ الإجراءات الملائمة لمراجعة هذه اللائحة، وذلك بهدف التقرير في شأن الشكاوى والاحتجاجات المتعلقة بالاستفتاء”. وقبلت المملكة بتوصية تقول ب”تجمع أطراف النزاع في قواعد متفق على عددها ومواقعها” مع اللجنة التنفيذية للمنظمة، ويجب على هذه القواعد أن تكون في مناطق معنية، بحيث لا يمكن لوجودها أن يشكل عقبة نفسية أو أي عقبة أخرى في سير استفتاء عادل وحر في الصحراء الغربية”. وسيتم انسحاب القوات من مواقعها خلال وقف إطلاق النار، وهذه الصيغة المعتمدة تدمر “الجدار العازل” والوجود الأمني الذي ضمنته الأممالمتحدة بموجب إدارة المغرب للصحراء. وفي تقدير بعض الدول المساندة للرباط، لم يكن الرجوع القانوني للاتحاد الإفريقي رجوعا إلى 1984، وإلى كل ما قبله المغرب لحظة انسحابه من منظمة الوحدة الإفريقية، فيما ترى دول أن المغرب يعود قانونيا إلى كل ما وقع عليه ملتزما به فور عودته إلى الاتحاد. عودة محمد السادس إلى الاتحاد الإفريقي هو التزام للمغرب بكل الصيغ القانونية التي قبلها في المنظمة قبل الانسحاب منها، وتعود كل الصيغ النهائية التي وقعت عليها المملكة إلى النفاذ، وبموجبها قبل الملك الحسن الثاني اقتسام السيادة إن عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي لا يمكن أن يكون خارج التزاماته والصيغ النهائية والقرارات التي وقع عليها، خصوصا وأن ما ورد عن العاهل الراحل يعد “التزاما نهائيا”. ولقد سبق للملك الحسن الثاني، أن أجاب على ثماني أسئلة متعلقة بالإدارة المؤقتة، وكان جوابه المسجل في الوثائق والمستندات الرسمية لمنظمة الوحدة الإفريقية قبولا واضحا لا لبس فيه، بإدارة مؤقتة لمنظمة الوحدة الإفريقية. وقال الملك الراحل بالحرف: “أقول لكم تعالوا لمراقبتي، وحتى إذا كانت المراقبة شيئا كبيرا على صعيد السيادة، فإني أقبلها… تعالوا إني أقبلها… إنني لست مثل بعض الأشخاص الذين يرغمون الأفراد للتصويت أمام الملإ، ويظهر ورقة الاقتراع، وفي الختام، فإن المراقبة تعني اقتسام السيادة، وإذا كان اقتسام السيادة يذهب إلى حد أنه لن يرضيكم، فسيكون الانطباع بأن إفريقيا بدأت تصبح إمبريالية”. إن “اقتسام السيادة” الذي قبل به الملك الحسن الثاني مع منظمة الوحدة الإفريقية، هو الذي دفع رؤساء أفارقة إلى نقل نفس الالتزامات إلى الملك محمد السادس بشكل “أتوماتيكي” بعد قبوله دخول الاتحاد الإفريقي، ويرغب الأفارقة بالتزام كامل لروح ونص القرارات المتخذة من طرف الملك الحسن الثاني لتجديد الالتزام الذي يعتبر واحدا ومتواصلا، ولا يمكن تجزيئه من طرف الدولة المغربية. التذكير بقبول المغرب لكل التزاماته التي وقع عليها في منظمة الوحدة الإفريقية قبل قبوله في الاتحاد الإفريقي ليس الأمر ماليا، وإن قال به الإعلام المغربي، لأن ميزانية 2016 بالنسبة للاتحاد الإفريقي البالغة 416 مليون دولار، يدفع الأعضاء منها 169.83 مليون دولار أي 40.82 في المائة، وتأتي 247 مليونا من الشركاء الأوروبيين، ومن الولاياتالمتحدة واليابان، وتدفع الخانة الأولى من الدول التي يتجاوز ناتجها الخام 4 في المائة عن المعدل الإفريقي، 12 في المائة من الميزانية، وهي الجزائر، نيجيريا، جنوب إفريقيا، مصر،أنغولا وليبيا قبل أزمة 2011، و19 دولة من أصل 54 لا تدفع مساهمتها في الاتحاد حسب المسؤول الإفريقي، دجانيما ديارا. ويظهر أن خمس دول داعمة للبوليساريو تمول 60 في المائة من ميزانية الاتحاد التي يريد المغرب أن يمولها عوض ما سماها “موقع 360″، مساهمة البوليساريو البالغة 25 في المائة من ميزانية الاتحاد(10). ورد رئيس غينيا الاستوائية بغضب على مثل هاته الاتهامات، فيما طالب الآخرون بالتزامات المغرب القانونية تجاه المنتظم الإفريقي كما وقع عليها قبل انسحابه. ومحاولة أصدقاء المغرب من الأفارقة 28 دولة إبداء التشاور لإيجاد مسالك قانونية، لم تنجح بشكل كامل منذ القرار الرسمي للرباط بالانضمام للاتحاد الإفريقي(11)، فيما اعتبرت “أوجوردوي لوماروك” خطاب الملك إلى رئيس الاتحاد، خطوة رسمية في الموضوع. والواقع أن ظلال ما قَبِله الملك الراحل، وتراجعت عنه المملكة في قضية الاستفتاء، فرضت القول في كواليس الاتحاد الإفريقي بضرورة “التعاطي القانوني” مع كل التزام وقع عليه المغرب إلى حدود انسحابه. والقراءة القانونية التي يغيبها المسؤول المغربي في تحركاته بالقارة يستحضرها القادة وكل مؤسسات الاتحاد، خصوصا وأن الرباط تجاوزت ما دار في الكواليس من أجل تسوية “العودة الهادئة للمغرب” إلى المنتظم القاري، وعدم تضامن أي دولة إفريقية من الموقعين على “إعلان 28” الداعي إلى تعليق “جمهورية” البوليساريو مع المغرب، بعد انسحابه مؤخرا إلى جانب حلفائه العرب من “قمة مالابو”. وتهدد تطورات ما بعد “قمة مالابو” العربية الإفريقية سياسات المغرب في إفريقيا الغربية، بعد المساس الشديد بما راكمته دبلوماسية المملكة في باقي القارة. وموقف السنغال في “قمة مالابو” كما حللته صحيفة “دكار بوست”، استمرار لتصريح الرئيس، ماكي سال في القمة الاستثنائية للاتحاد الإفريقي حول الأمن البحري والتنمية في إفريقيا بالعاصمة الطوغولية، لومي، والتي أشار فيها إلى أن بلاده تضع علاقاتها مع الجزائر في نفس الميزان مع المغرب، ولن تسمح لأي طرف بإضعاف هذه العلاقات. وصمت الحلفاء الغابونيون أيضا في “ملابو” لأن المعارضة في بلادهم رفضت أي وساطة مغربية، وانتقدت الرباط منذ افتتاحية “ديزيري إنامو” في “إيكو دونور” وهو ما أثر على قدرة المملكة لاعتمادها على مواقف ظرفية وغير استراتيجية مع حلفائها. وفي غينيا الاستوائية التي عرفت شراكة مع الرباط في يناير 2014، وتستثمر في عاصمتها شركات مغربية كثيرة، لاحظنا كيف تجاوز القرار الغيني المصالح الاقتصادية نحو “شراكة متوازنة” مع المغرب، يضمن فيها الأفارقة من خلال الاتحاد الإفريقي، الوجه القانوني لمنتظمهم بإنفاذ الالتزامات، فالمسألة لا تتعلق بتوسع القراءة “البرغماتية” في مقابل الإيديولوجية، بل في انتصار القانون. وعودة المغرب إلى الاستفتاء لحل قضية الصحراء، هي الطريقة الرابحة لتعليق الاعتراف ب”جمهورية” البوليساريو، والواقع أن التحولات التي شهدتها القارة في 2014 فاصلة، ومنذ “قمة القاهرة” وإطلاق خارطة الطريق بين 2014 و2017 بين اللجنة السياسية والأمن في الاتحاد الأوروبي ومجلس السلام والأمن الإفريقي، عرفت الرباط أن الفرصة “الاقتصادية” مواتية وطورتها إلى ثمرة سياسية بقرارها دخول الاتحاد الإفريقي، لكن تقديرات اللعبة مختلفة بين داخل الاتحاد وخارجه، ولم توقع أي دولة تعترف ب”جمهورية” البوليساريو أي اتفاق بخصوص الفوسفاط المغربي، إلا من زاوية عودة المملكة إلى الاتحاد الإفريقي والقبول بكل التزاماتها القانونية التي وقعت عليها قبل الانسحاب، ومنها استفتاء ساكنة إقليم الصحراويين وتخييرهم بين الاندماج في المملكة أو الاستقلال. إثيوبيا لم تناقش الفوسفاط القادم من الصحراء، لأن ساكنة الإقليم معرضة للاستفتاء تحت إشراف الاتحاد الإفريقي استمرارا لما وقعه المغرب في منظمة الوحدة الإفريقية وقعت أديس أبابا استثمارا فوسفاطيا ضخما 2.4 مليار دولار في أفق 2020 و1.3 مليار إلى حدود 2025 مع المغرب تحت شروط مركز إثيوبيا في مجال المناخ للحفاظ على الصرامة “الإيكولوجية أو البيئية” التي تعرفها أديس أبابا، ودون إثارة الفوسفاط القادم من الصحراء، لأن النظرة القانونية الأنجلفونية واضحة، لقولها أن عودة المغرب إلى التزاماته القانونية في منظمة الوحدة الإفريقية من خلال الاتحاد الإفريقي، شيء لا يقبل نقاشا ولا علاقة له بمستوى العلاقات الاقتصادية. وفرزت “قمة مالابو” الرسائل بين المغرب والاتحاد الإفريقي بشكل غير قابل للتأويل، والقفزة إلى “إفريقيا الهندية”، أو الدول الإفريقية المشاطئة للمحيط الهندي، تتطلب رؤية ومحادثات في العمق، ليس على صعيد إصلاح عطب الآلية الدبلوماسية فقط كما حدث في مدغشقر، حين قررت الرباط وقف المساعدات في الأزمة التي عصفت بالبلاد، قبل إعادتها مع انتخاب الرئيس الملغاشي الحالي، وتعيين الوزير الأول في 11 أبريل 2014، وقد أقالت سفيرها خلال زيارة الملك، بل أيضا على صعيد خلق مقاربة مشتركة من داخل تعاطي المغرب مع المرحلة الجديدة. الرباط تخوض ما تسميه “لوموند” حروب التأثير مع الجزائر، وإن ظهرت محدوديتها في “قمة مالابو”، وهذه الحرب السياسية الخالصة تأثرت بفعل وقف “قنوات سرية” لتسهيل عودة الرباط إلى الاتحاد الإفريقي لا تريد المملكة إثارة أي وجه قانوني لعودتها إلى الاتحاد الإفريقي، وتخوض “حربا سياسية” خالصة، لكنها ليست كافية في ظل توقف “قنوات سرية” لدعم المغرب في دخوله السلس إلى الاتحاد الإفريقي، موجدة مبررات أولها، قبول المغرب بالعودة إلى الاستفتاء “حلا” لقضية الصحراء. وسرى هذا المعطى في كل كواليس القارة إلى أن ظهر ما ظهر في القمة العربية الإفريقية الأخيرة، وانسحاب المغرب و9 دول عربية أخرى، وتأثرت الرباط بحروب التأثير مع الجزائر كما تسميها الجريدة الفرنسية “لوموند”(12). وتعيش القارة السمراء على وقع أهم انتخابات في 30 و31 يناير القادم من أجل خليفة لرئيسة مفوضيتها، نكوزانا دلاميني زوما. وقدم وزراء خارجية التشاد وكينيا وغينيا الاستوائية وبوتسوانا ودبلوماسي سنغالي ترشيحاتهم في هذا السباق، وتحرك الكينيون من أجل (أمينة محمد نيروبي) لجمع أصوات 22 دولة من شرق ووسط إفريقيا، لكن 15 وزيرا للخارجية في مجموعة تنمية وسط إفريقيا “سادك” أعطوا أصواتهم لوزيرة خارجية بوتسوانا، بيلو نومي فينسون مواتوي. وتقول أمينة في تصريحات إعلامية، إن الجزائر ونيجيريا وسيراليون معها، ودعم الرئيس الكيني على هامش ال”كوب 22″ بمراكش مرشحة بلاده. وينافس المغرب جارته الشرقية على الورقة الكينية، وفاجأ التشاديون الأفارقة بتقديم مرشحهم في 21 أكتوبر الماضي، ويستفيد، موسى فكري محمد من رئاسة تشاد للاتحاد الإفريقي، ومن ضعف المرشح الغيني، أغابيتو مبابو موكاي. وقلب ترشيح “نجامينا” ورقة المغرب لدعمه للسنغالي، أبدولاي باتيلي، مرشحا لغرب إفريقيا دون الغامبي، يحيى جامي، عدو “دكار”. وباتيلي اليساري المذهب، لا يطابق المواقف الأخيرة للمغرب، ويدعم عودة الرباط إلى كل التزاماتها حال عودتها إلى الاتحاد الإفريقي، كما يعتبر ترشيح تشاد ترشيحا جزائريا قسم إفريقيا الناطقة بالفرنسية، ويبدو ثقيلا القول، أن الرباط تواجه صعوبات اشتدت مع مواقف حلفائها الأفارقة الذين وقفوا إلى جانب “جمهورية” البوليساريو في القمة العربية الإفريقية. ولا يلعب المغرب أوراقه في انتخابات نهاية يناير، بل يحاول الانحياز إلى جانب مشاريع “برغماتية” تحت عنوان الإصلاح لمواجهة ما يسميه المحور الإيديولوجي (الجزائر بريتوريا). وانخرطت الرباط مع مشروع الرئيس الرواندي، كاغام، الذي يخلق قطيعة تناسب المغرب وتدفن “الميراث القانوني” المزعج لمنظمة الوحدة الإفريقية. ولمواجهة هذه التحديات، استعجل العاهل المغربي استكمال زيارته نحو إثيوبيا ومدغشقر وباقي دول شرق القارة، رغم قول ناصر بوريطة لجريدة “لوموند” (11/11/2016) بأنها مبرمجة للسنة القادمة. يقول هذا المسؤول الدبلوماسي، “إن 80 في المائة من المناصب الدبلوماسية للمغرب في إفريقيا تغيرت، ويسرع إطلاق 5 سفارات جديدة، في تنزانيا، رواندا، موزمبيق، جزر موريس وبنين، من حضور المملكة، لأن 15 سنة من الاستثمار في غرب ووسط إفريقيا أينعت، والدبلوماسية حسب تعبيره، مثل الفلاحة، يجب قطف الثمرة في اللحظة المناسبة، لا قبل ولا بعد”. واليوم، لا تعترف 34 دولة ب”جمهورية” البوليساريو، ويمكن مواصلة الجهد في باقي القارة، لكن رفض المغرب للاستفتاء، ولكل ما وقع عليه والتزاماته في منظمة الوحدة الإفريقية يدفع هذا المجهود إلى الحائط، لأن بعض الأفارقة سحبوا اعترافاتهم ب”جمهورية” البوليساريو، لأن الجبهة قبلت الاستفتاء، وهم يرفضون ذلك، ويؤكدون أن “الدولة” معلنة، ولا يمكن الرجوع إلى الوراء، أو التشكيك في “دولة المنفى”. إن هذا التطرف هو ما دفع اليسار الراديكالي في برلمان جنوب إفريقيا إلى التهديد بإعلان الحرب على المغرب لتحرير الصحراء، بل إن البرلماني الجنوب إفريقي، جوليوس ميلما، تبنى مشاركة جيش بلاده لتصفية ما سماه “استعمار الصحراء”. ومن يراجع التقرير البرلماني الفرنسي الذي أعده، فليب بوميل، في 15 أبريل 2015، وحظرته رئيسة لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الفرنسي، يكتشف أن الوضعية الكارثية للمستعمرات الفرنسية السابقة في إفريقيا، لا تسمح بأي رهان عليها، وأشار إلى الرهان “الأفريقاني” الذي انتصر على الجبهة البرلمانية الأفرو-عربية بوصول غيوم سورو إلى رئاستها(13). المغرب لا يعلن رفضه للاستفتاء، ولا يعطي موقفا من التزاماته في منظمة الوحدة الإفريقية، قبل العودة إلى الاتحاد الإفريقي، ويواصل حربه على المسارات الجهوية لإفريقيا مع الاتحاد الأوروبي واليابان والصين و الهند، وجامعة الدول العربية التي عرفت أزمة في القمة العربية الإفريقية المنعقدة بغينيا الاستوائية، ويسعى إلى إجلاء “جمهورية” البوليساريو من باقي المسارات. تقول “لوموند”: “رغم القمة الإفريقية على هامش المناخ بمراكش، لا تزال عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي صعبة”(14)، وهذه الخلاصة للشخصية الإعلامية التي استجوبت ناصر بوريطة، وهو من صقور الدبلوماسية المغربية، وبانت العقدة فصيحة في “قمة مالابو”. ومباشرة بعد توقف “القنوات السرية” حول ضمانات يقدمها المغرب بشأن التزاماته التي وقع عليها في منظمة الوحدة الإفريقية، اتفقت كل دول إفريقيا على وحدتها في لحظة انسحاب المملكة وحلفائها من القمة العربية الإفريقية الأخيرة، أما الجزائر فقررت رفضها دخول المغرب للاتحاد، منذ سماعها خطاب المسيرة من السنغال، وكتبت جريدة “المجاهد”، القوية التأثير، في 8 نونبر: “إن الجزائر قررت التصويت ضد عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي لأنها محاولة لتمزيق إفريقيا، وضربا لمصداقية الاتحاد”، وطالب الاتحاد الإفريقي في 27 مارس الماضي بتوسيع مهام “المينورسو” ودافع عن حق تقرير المصير. جميع “القنوات السرية” التي باشرت الحوار مع المغرب لتسهيل عودته إلى الاتحاد الإفريقي توقفت في ظرف حساس، وقبل شهرين من البت في طلب المغرب الانضمام إلى الاتحاد الإفريقي، عرفت الرباط اصطفافا جديدا بعد القمة العربية الإفريقية، ومن الخطورة أن يتوقف الحوار في الكواليس لتسهيل عودة المغرب إلى المنتظم القاري، في تجاوز كامل لخمسة عشر سنة قال عنها الوزير بوريطة: “إنها زمن لقطف الثمار”. وتواجه الرباط تحديا اقتصاديا قاسيا في مجال نفوذها، منذ دخول المجموعة الهندية “طاطا” -وبنائها مصنعا للإسمنت في جزيرة مانجي قرب ميناء جنتيلا إلى أرض حليفة (الغابون)، لمواجهة توقيع المغرب لاتفاق استراتيجي من 2.3 مليار دولار بين الغابون والمغرب قصد إنتاج أسمدة فوسفاطية، وردت المملكة بمشاريع في “إفريقيا الهندية” مما أثار جنوب إفريقيا، واعترف الملك المغربي علنا أمام الصحافة الملغاشية برفض هذه الأطراف لزيارته، وتصارع المملكة الشريفة تحديا قانونيا معقدا يطرحه دخولها للاتحاد الإفريقي لماضي التزاماتها مع منظمة الوحدة الإفريقية، وإن لم تحرك الرباط كل قنواتها السرية، ستتضاعف الصعوبة ولا شك. هوامش 1_ «radio Algérie dz» (14/3/2016). 2_ «2m» (13 sep 2016). 3_ Ould khalifa s'entretient avec le président du parlement africain, «aps.dz» (10/10/2016) 47410. 4_ «le faco.net» (72584). 5_ Arnaud Kouakou, Burkina 24.com» 23/11/2016. 6_ «guineacutorialpress.com» (23/11/2016). 7_ «alkhabar.com» (106165). 8_ «al jazirah.com» (10/10 2016). 9_ «midi-madagasikara» (1/4/2016). 10_ Union Afrique: les soutiens du Polisario financent 25% du budget, mar bassine, 21/11/2016 Afrique . «le 360.ma». 11_ABamako (26/9/2016) le Maroc official sa demande de l'adhésion (14568). 12_ Batailles d'influence pour la maitrise de l'union africaine, Jean Tilouine, «le monde» 21/11/2016. 13_ Guillaume Soro élu président pour 2ans, par Félix d.bony, «linfodrome.com» (25/6/2016). 14_ le délicat retour du Maroc dans l'union africaine, charlotte bozonnet, «le monde» (19/11/2016).