يفاجئنا السيد رئيس حكومتنا الموقرة بين الفينة و الأخرى بطرفة من طرائفه التي لا تنقضي.. ولا مجال هنا للتذكير بطرائفه السمجة ، التي طالت كل الميادين ، حتى أصبح هو نفسه المقصود بقول الشاعر : زن الكلام اذا نطقت ولا تكن .. ثرثارة في كل ناد يخطب واحفظ لسانك واحترز من لفظه.. فالمرء يسلم باللسان ويعطب كان آخر ما خرج به سيدنا الرئيس في جلسة حكومية ، وأمام "أوزاره" على حد تعبير أحد الظرفاء ،هو دعوة هؤلاء الأوزار إلى الاستقامة و الإخلاص ،"على الخصوص أننا على أبواب شهر رمضان ، ليكونوا مثالا لمواطنيهم ، لكي يدوم علينا فضل الله ، كما كان في السنوات الماضية" على حد تعبير السيد الرئيس .. مستندا في ذلك إلى خلفيته الدعوية التي يستحضرها متى كانت الحاجة ماسة إلى ذلك، متوسلا صهوة الخطاب الديني الذي جعل منه مطية مستساغة لحربه الشعواء التي ما فتأ يوجه حرابها ،نحو صدور الفقراء و الموظفين من أبناء هذا الوطن.. أو ربما، وراء ذلك القول ،ما يكون قد رآه السيد الرئيس من عدم استقامة أو إخلاص في عمل وزرائه المحترمين، وهذه إدانة مجانية و صريحة لنفسه و لفريقه ، لم ينتبه إليها سيادته .. يبدو ذلك واضحا من كلامه الذي جاء فيه "حسب عقيدتنا، الله عندما يؤخر الأمطار، يكون لتنبيه عباده لمراجعة أنفسنا جميعا، لأننا أمة مسلمة ومؤمنة ونحن في شهر شعبان" . هل يليق برئيس حكومة يفترض فيه الدقة و العلمية ، أن يتفوه بمثل هذا الكلام ، الذي لا ينسجم مع الدين و لا العلم معا ؟؟ كيف يمكن أن يستخف السيد الرئيس بذكاء المغاربة، وذكاء "أوزاره "الحاصلين على أعلى الشهادات ، من أكبر المدارس العالمية "يا حسرة" ؟؟ .. ما قول السيد رئيس الحكومة الصالحة المصلحة، في أن أروبا والصين وأمريكا وأستراليا وروسيا لهم فائض في الأمطار والثلوج ،رغم أنهم غير مسلمين في غالبيتهم العظمى ،بل هم علمانيون ومسيحيون و بوديون و ملاحدة ؟؟ هل يفترض بحكومتنا أن تَرْكَنَ إلى مثل هذه التحليلات في تسيير الشأن العام ، وإلى هذه الخزعبلات في استشراف الآفاق الممكنة و غير الممكنة، لتفادي ما يمكن أن تأتي به عوادي الزمن،أو على الأقل للتقليل من تداعياتها ؟؟ لن نعود هنا ثانية ، إلى التذكير بإخفاقات الحكومة في كل المجالات و الميادين ، لأنها أضحت واضحة للقاصي و الداني، ولكن نريد أن نذكر فقط السادة القراء، إلى استجداء السيد رئيس الحكومة كما فعل في السابق خطاب الحلقة ، والديماغوجية النازعة نحو الاستهتار والاستخفاف بعقول المخاطبين ، مستندا إلى رصيده الزاخر من الخزعبلات الهلامية ، والسماويات الغارقة في الضبابية و الحربائية ، وهي ذات المبررات التي شرعن بها انتصاره إلى معسكر الفساد ، ولصوص المال العام ،الذين أسماهم بعظمة لسانه ب" التماسيح و العفاريت " حين صرح بقوله المأثور في حقهم " عفا الله عما سلف" ليُثَبّتَ بعد ذلك ، أحقيتهم في نهب مقدرات الوطن ، و تكريس هيمنتهم القديمة الجديدة على مفاصل الدولة . و بفس النبرة الدينية الممزوجة بالخطاب السياسوي المعسول ، استطاع ومن معه تسويق الأوهام إلى فئات كبيرة من الضعفاء والفقراء ، الذين توسموا فيه خيرا ، واعتقدوا في يوم من الأيام أن الزمان أخيرا قد منّ عليهم ، بمن يحقق أحلامهم و آمالهم، التي ناضلوا وصبروا من أجلها عقودا وعقودا .. لكن الخيبة كانت حصادَهم ، والحربَ الضّروس على لقمة عيشهم كانت جزاء صنيعهم ، ومعروف ثقتهم . إن دعوة السيد رئيس الحكومة وزرائه إلى الاستقامة والإخلاص في العمل ، يشي بانحراف ضمني و تهاون مألوف في أداء المهمة ، واستهتار مفضوح بالمسؤولية ، مقابل أجر عظيم ، و تقاعد مريح مُبين، إضافة إلى امتيازات شَتّى لا محدودة و لا ممنوعة ، كان آخرها ،سيارات فارهة ، تُقتَطعُ أثمانها الخيالية من جيوب دافعي الضرائب ، من أبناء الشعب ،أما لصوص المال العام ، الذين لم يَجِد السيد الرئيس في حقهم أي نص قرآني أو حديث نبوي ، إلى حدّ الساعة !! فإنهم لا يدفعون الضرائب ، ولمْ تعرف الحكومة لأموالهم سبيلاً ، ولا لجُرمهم دليلا ، رغم ما طَفَحَ إلى السّطح من فضائح التسريبات الأخيرة ل"باناما " .. ولكن ، "الله غالب يا الطالب " ما باليد حيلة ، فالتبوريدة لا تستقيم إلا على الشعب ..كيف لا ، وهم النزهاء المُنزّهون - حسب بنكيران - عن أداء الضرائب ، وركوب سيارات "داسيا" ،التي استنكر السيد الرئيس أن يركبها الوزير، و المنزهون أيضا عن الاقتطاع عند غيابهم عن واجباتهم المهنية ، بل وحتى عن المحاسبة ، رغم ثبوت تورطهم في الاختلاسات الكبرى ، التي عرفها تاريخ السرقات في المغرب، ابتداء من فضيحة القرض العقاري و السياحي (CIH) ،و مرورا بالتعاضدية العامة لموظفي الإدارات العمومية . وانتهاء بالصندوق الوطني للتقاعد ، وما خفي أعظم .. و إن هذا ليس بغريب عن حكومة تبني رؤيتها على مطر قد يأتي وقد لا يأتي، إنها لعمري حكومة " الشوافة " قارئة الكف . يبقى أن نهمس في أذن السيد رئيس الحكومة ، عطفا على كلامه ، و بكل الأدب والاحترام الواجب : - هل تقتصر الاستقامة على شهر رمضان فقط، أم هي فرض عين ، ينبغي أن يُلازم المسؤول طيلة حياته ؟؟ . - هل بالفعل -كما جاء على لسان السيد الرئيس - عمتنا فضائل الله تعالى كما في السنوات الماضية ،أي سنوات حكم السيد بنكيران و صحبِه ؟؟ . هذه بعض الأسئلة .. ولكم أن تسألوا أنتم كما تشاؤون ..ولكل سؤاله أو أسئلته ، المهم ألا تنتظروا جوابا من السيد بنكيران ، و لا من وزرائه ، لأنهم سيكونون في شهر رمضان مشغولين ، بتزكية أنفسهم و تقويم اعوجاجهم ، ليكونوا بالفعل " مثالا لمواطنيهم " على حد قول السيد رئيس الحكومة.. مثالا يُحْتذى ، و قُدوة تُقْتَدى .. وكل رمضان وحكومتنا بألف خير .