قد يتساءل مراقبو هذا المنتدى قبل أعضاءه و متصفحيه عن توالي مقالاتي على غير عهد مسبوق و هو نفس السؤال الذي يخالجني ، إنه لإحساس عظيم يكسر القيود و يحرر النفوس و يسيل مداد الأقلام الجافة بل لا غرابة أن ينطق الحجر، إنه ما حدث و يحدث في تونس و في مصر ... وأنا أتصفح البارحة مواقعي المعتادة على الشبكة العنكبوتية استوقفني في احدى المقالات مقطع / حوار مقتبس للفيلسوف إبكتيتوس مع تلميذه ارتأيته مقدمة لمقالي هذا فحواه : - الفيلسوف : هل يستطيع أحد أن يجعلك تصدق ما لا يصدق ؟ - التلميذ : لا - الفيلسوف : و هل يستطيع أحد أن يجبرك على فعل ما لا تريد ؟ - التلميذ : نعم - الفيلسوف : كيف - التلميذ : إذا هددني بالسجن أو الموت - الفيلسوف : وإذا لم تخشاهما - التلميذ : لا ، لن يستطيع - الفيلسوف : أنت عند ذلك حر صحيح أن حوار النص فلسفي محض لكنه يعكس بجلاء واقعنا المعاش و المهين و يجعلنا نتساءل : هل فعلا الأنظمة العربية تخيف شعوبها ؟؟؟ مشكلة الإنسان لم تعد خوفه من الطبيعة بزلازلها و براكينها و عواصفها و فيضاناتها أو من حيواناتها و حشراتها السامة و لا حتى من جنها الأبيض منه و الأسود ...الخوف كل الخوف خوف الإنسان من الإنسان خوف الشعوب من أنظمتها يفوق خوفها من خالقها و يرفع مخوفها إلى درجة الألوهية ، على أي الإجابة على السؤال سبقت لها تونس وأكدت صحتها مصر وأرسلتاها بالمضمون إلى كل الشعوب العربية من الرباط إلى صنعاء مفادها : التغيير التغيير ممكن وألف ممكن فالعبرة لمن يعتبر و الدرس لمن يتعظ من الأنظمة الحاكمة . إن المكسب من الثورتين التونسية و المصرية ليس من سيتبعهما من شعوب الأقطاب العربية عاجلا كان أم أجلا وإنما أن الشعوب العربية جمعاء باتت تعلم علم اليقين أن بإمكانها تغيير وضعها المهين وكفى دون مساعدة الويلات المتحدة و دون نووي ودونما ارهاب أو 11 شتنبر ... أما مسألة متى و كيف فلا تهم لأن الزمن كفيل بالإجابة عليهما ، إن كلا من زين الهاربين و قبحي مبالغ لا يشتركان فحسب في طول مدة تقهيرهما لشعبيهما ومحاولة توريتهما نظاما جمهوريا و إنما باتا يتقاسمان مساء الجمعة و ما ينقص مبارك هو الإلتحاق بصف الحاج بن علي في مكةالمكرمة من دونهما طبعا و قد تلاحقهما ملائكة شعبيهما بأقدس أرض الله الواسعة و لا غرابة أن يجعل حاضنهما و حاميهما بدل الحرمين الشريفين ملك السعودية للكعبة عجلات لتطوف بهما و هما جالسين على كرسيهما الفاهرين بدل أن يطوفا عليها فلهم هم الثلاثة من المال العام المنهوب ما يكفي لذلك ، إن شعور من يجري الدم العربي في عروقه لحظة سماع نهاية فيلم هروب بن علي و مسلسل تنحي مبارك شعور بالتحررالنفسي و بالإرتياح و كأن حجرة سيدنا بلال أزيحت عن صدره ليتنفس الصعداء ، لقد بات للمواطن البسيط الفقير قبل الغني و المسجون قبل الطليق والعاطل قبل الموظف بل و الصغير قبل الكبير منذ الأن وبفضل الثورة وزنا و قيمة لدى الأنظمة القائمة و خير مثال على ذلك ما كان و أضحى عليه مقر اصلاح و تجديد البطاقة الوطنية بكلميم باعتباره أخر معاقل مخزن القرن 19م بناية و اجراءا وسلوكا ومهانة و تجبرا وذلا واحتقارا لبسطاء القرى النائية ممن لا وساطة لهم فلاعاش البوعزيزي ليراها و إلا كان قد قطع جسمه إربا بدل حرقه دفعة واحدة و للإشارة هذا المركز و سلوكات موظفيه و معه مركز الدرك الملكي يستحقان عشرة من أمثال البوعزيزي و مائة من أمثال الشعبين التونسي و المصري لإعادة النظر في سلوكاتهم اللا مواطنة ، فالبوعزيزي و هو يشعل النار في جسده أطفأ نيران ظلت مشتعلة بذواتنا زمنا طويلا وتنحي مبارك أدخل ثاني شعب عربي التاريخ من بابه الواسع مخرجا قادتيهما من نوافده الضيقة و لعل الدارس للتاريخ يعرف تمام المعرفة أن الثورة الفرنسية 1789م رمز نضال الشعوب إلى الأمس القريب خلفت عشرين ألف قتيل في يوم واحد و الإنجليزية و الأمريكية مرتا من مراحل دامت سنوات عدة لخصها التونسيون و المصريون في يوم واحد و هو الجمعة أفضل الأيام أدامها الله علينا و أطال في عمرنا لتعدادها . إن المتتبع لسيرورة الأحداث العالمية كمسلم قبل عربي ظل إلى وقت قريب إما يقتدي بالقاعدة بزعيميها بن لادن و الظواهري أو بحزب الله و قائده نصر الله أو بالفصائل الفلسطينية بفضائحها قبل نضالاتها ...كنماذج وحدها المرشحة لخلق التغيير المنشود في ظل شعوب نامت نوم أهل الكهف لكنها أصبحت اليوم النموذج الأفضل ليس عربيا فحسب بل تقتدي به البشرية عامة غربا قبل شرقا وإنه لفخر و اعتزاز أن ترى الشعب المصري بكل أطيافه ينظف الشوارع و الساحات و ميدان التحرير .. سلوك حضاري بأكثر ما تستطيع أن تحمله الكلمة من معنى ، وقد تتبعنا الثورة التونسية و 18 يوم من المصرية باحساس عصيب غاب فيه تماما الإعلام الرسمي لكل الأنظمة العربية (دون استثناء) دون أن نرى علما أمريكيا أو اسرائيليا يحرق كما عهدنا و لا حتى صورا أو تفجيرات و دون ترديد شعارات من قبيل سنفونية :"خيبر خيبر يا يهود-- جيش محمد سيعود " أو لافتات لأحزاب سياسية و منظمات انسانية ، فالتونسيون رددوا مقطع شاعرهم أبو القاسم الشابي "إذا الشعب يوما أراد الحياة" و المصريون نطقوا بملء أفواههم شعار "الشعب يريد اسقاط النظام" الذي أصبح يساوي بمنطق الرياضيات انسحاب الرئيس و القاسم المشترك بينهما كلمتي : الشعب و الإرادة من خلال أراد و يريد بمعنى أن إرادة الشعب وحدها القادرة دون غيرها على التغيير وقد: - رأينا اصرارا و عزيمة لشباب ضاقوا ظلما و مهانة و تهميشا - رأينا تعنتا و بشاعة و قسوة لأنظمة أكل عليها الدهر و شرب - رأينا دماءا تسيل و جتتا تحمل و ورودا تهدى للجيش - رأينا أن للظلم و الإستبداد و المهانة نهاية - رأينا أن عامتنا من فقيرنا و عاطلنا خير من خاصتنا من مثقفينا و مفكرينا و اعلاميينا ومتخبينا - رأينا أننا الأقوى و لسنا الأضعف كما أوهمونا - رأينا ما عجزت مخيلتنا زمنا طويلا عن تصوره - رأينا أن الشعوب هي من تصنع التاريخ - رأينا أننا منذ الأن تونسيون و مصريون - فهل رأيتم يا أنظمتنا ما رأينا ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟