لقد طالت الغيبة حتى أخذني الحنين وجرني جرا الى الكتابة والتواصل مع القراء، وخاصة فئة الطلبة، الذين أكن لهم احتراما خاصة، وخاصة أني واحد منهم، وخطابي في المقالين السابقين وفي هذا المقال عنهم ولهم. أتدرون أيها القراء أن الجامعة تقتسم ساحاتها فسيفساء من الفصائل الطلابية من ثورين وقاعدين وعدلين وتجديدين وصحراوين وأمازيغ وعبثيين وسلفيين وصوفيين، وأن لكل فصيل من هذه الفصائل ليلاه التي يتغنى باسمها ليل نهار، حاولت أن أنظم الى جميع هذه الفصائل لكن وجدت نفسي في دوامة لا تنتهي، الكل يصرخ ويرفع الشعارات الرنانة ويدعو بالويل والثبور على مخالفه، والكل مستعد للمواجهة والحرب وكأننا في غابة تقتسم أحراشها وسهولها وجبالها الوحوش الضارية. فمن هذه الفصائل من يقدس ماركس ويرفعه الى درجة الألوهية, ويعتبر كتابه" رأس المال" كتابا مقدسا لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ومنهم من يرفع صورة تشي غيفارا كأنه نبي مرسل, الكل يتغنى بأقواله, فيقلده أتباعه في كل شيء، فأتباع هذا الفصيل غالبا ما يرتدون المعاطف في جميع فصول السنة, حاولت أن أعرف السبب فقيل لي أنهم لا يتحاورون الا بالحديد والنار, أي أنهم يدخلون الى الحرم الجامعي وهم مسلحون بمختلف الأسلحة البيضاء, لأن دينهم عفوا فكرهم المثقوب لا يؤمن الا بقلب الأنظمة وخلق الفوضى, ويتهمون الجميع بالفاشية وإن سألت أحدهم عن معنى هذه الكلمة وأين تم ابتكارها لما أجابك. كما أن أتباع فصيل القاعدين هم معمري الجامعة، إذ قد تجد من قضى عشرين سنة في كلية ما ولازال يقود المظاهرات ومقاطعات الامتحانات ويسمي ستالين ولينين شهيدين، ولا يعلم أن من الروس من قطع أولاده إربا ووضعهم في قدر ثم أكلهم من شدة الجوع الذي أصاب هذا الشعب في زمن هذين الطاغوتين، لكن ماذا يعني أن يظل شخص عشرين سنة داخل الحرم الجامعي يخرب ويقف حجر عثرة في وجه تقدم الجامعة دون أن يطاله العقاب أليس موظفا من نوع خاص؟ وهناك جملة منتشرة بين الطلبة ينسبونها الى فصيل القاعدين تقول أن " الرفيقة لكل الرفقاء" ولا أدري ما المقصود منها هل أن هذه الرفيقة هي حاضنة كل هؤلاء الرفقاء، بمعنى آخر هل يستمتعون بها في إطار ما يسمى" نكاح الثورة" قصد تثبيتهم في معركة خلق الفوضى في الجامعة أم ماذا؟، كما أن هناك حقيقة أخرى الكل يعلمها وهي أن أتباع هذا الفصيل من مروجي المخدرات داخل الحرم الجامعي وكل الطلبة على دراية بذلك كما أن الإدارة هي الأخرى لابد وأنها على دراية كذلك, كما أنهم غالبا ما يكترون منزلا واحدا ليسكن فيه الرفيقات والرفقاء مجتمعين, وأنتم تعلمون ماذا يقع إذا ما اجتمع الوقود والنار في مكان واحد. وهناك من يرفع صورة الوالي السيد ويكثر من ذكره، ويرفعه الى مستوى الشهادة، ويقولون إنه المؤسس الفعلي للدولة الصحراوية الوهمية، والتي أصبحت هذه الأيام أمام ريح هوجاء انتقلت اليها من المغرب تارة ومن المشرق تارة أخرى، ونحسب أن الخريف العربي قد بدأ يدب في أوصالها، ولا نعتقد أن العافية ستعاودها مرة أخرى. ويقولون أن زعيمهم هذا حرم على نفسه حلق شعر رأسه حتى يستظل الشعب الصحراوي تحت جدائله، لكن المنية سبقت اليه قبل أن يحقق ما كان يصبو اليه من تقسيم شعب يأبى التاريخ والجغرافيا تقسيمه, الخطير هو أن نجد اليوم من يبتز الدولة ويقود مظاهرات صاخبة تدعو وفي العلن بالانفصال التام عن المغرب, وهؤلاء الغوغاء ليست لهم دراية بما يحاك للعالم العربي والإسلامي من مكائد ويخطط له من تقسيم ,حتى لو افترضنا جدلا أنهم حصلوا على الاستقلال فهذا المجتمع هو فسيفساء قبلية غاية في التعقيد الكل سيرنو نحو الحصول على مقعد في البرلمان, أما رئاسة الدولة فستكون القنبلة التي ستفجر الصحراء كلها إذ لن تتنازل أي قبيلة عن حقها في الوصول الى هذا المنصب. ومنهم من تجده يردد" قال سيدي عبد السلام" وقبل أي حوار معه يسألك إن كنت قرأت" المنهاج"، فان لم تكن قد قرأته فلن يحاورك، وإن حاورك فالهدف استمالتك نحو الفصيل، وكأن الفصيل يدين دين الحق والبقية الباقية على ضلال، كما أن الطابع الصوفي هو الطاغي على شخصية كل أتباع هذا الفصيل، لكن هناك شهادة للتاريخ، ليست مجاملة، هذا الفصيل يعرف تنظيما داخليا محكما، كما أن تحصيلهم الدراسي جيد وهذه مفارقة عجيبة، كما لهم طول نفس عجيب في الاستمرار في الدراسة بالرغم مما قد يواجه الواحد منهم من متاعب مادية ومعنوية. ومنهم من يرفع شعارات فضفاضة من تجديد وعلم ونهضة، ويقضي أتباعه جل أوقاتهم في الاجتماعات الى درجة تحار من كثرتها وشح نتائجها، بل حتى الإدارة الامريكية لا أعتقد أنها تعقد مثل هذه الاجتماعات وهي المسيرة لأكبر دولة في عصرنا الحاضر، هذا الفصيل ما هو الا الحفيد الأصغر للتوحيد والإصلاح والابن الشرعي للعدالة والتنمية، نعم هناك استقلالية تامة على صعيد الوثائق القانونية، حيث أن لكل هيئة قوانينها الخاصة لكن الفصيل يظل من المزودين الرئيسين للهيئتين معا بالكوادر. هناك نقطة هامة لابد من الإشارة اليها وهي أن هذا الفصيل بدوره يعرف تنظيما داخليا جيدا، كما أن بعض أتباعه مثقفون، وعند محاورتهم تحتاج الى" بكاج" معرفي مهم لمسايرة مستواهم المعرفي، كما أنه الفصيل الوحيد الذي له وثائق قانونية تسمح له بالتحرك بحرية نسبية داخل الحرم الجامعي مقارنة بالفصائل الأخرى، لكن هناك بعض الاختلالات التي وجب العمل على تجاوزها ,كما أنهم استغنوا الى حد كبير عن المسجد في قيام الليل واستبدلوه بما أسموه "المبيت" في احدى الجمعيات التابعة للحركة وهذا نوع من الابتداع في الدين والله أعلم, ومن بين أهم الأشخاص الذين يقرؤون لهم ,حسن البنا ,سيد قطب ,القرضاوي بالإضافة الى كتاب حركة التوحيد والإصلاح, ومن المعلوم أن كتب حسن البنا وسيد قطب منبع رئيس للفكر التكفيري الذي اجتاح العالم الإسلامي اليوم. ومنهم فصيل يضع العرب والإسرائيليين في مستوى واحد، ويدعي أتباعه أن العرب قد استعمروا أرضهم كما استعمر اليهود أرض فلسطين، فأتباع هذا الفصيل لا يتحدثون الا بلغتهم أو بلغة فرنسية ركيكة أما العربية فهي لغة مستعمر لا يجب الحديث بها، ولا أدري ماذا يعتبرون اللغة الفرنسية؟ ألغة صديق وحبيب هي؟، كما أن من أكبر أهدافهم على المدى البعيد والبعيد جدا بناء إمبراطورية كبرى يحدها غربا المحيط الأطلسي وشرقا مصر، مرور بالمغرب، موريتانيا، مالي، الجزائر، تونس ثم ليبيا، وهناك كلمتين محوريتين في فكرهم هما: التطهير وسحب البساط, فكلمة التطهير تعني تطهير هذه الدول كلها من جنس العرب, أما سحب البساط فالمقصود منها العمل على الإطاحة بالأنظمة العربية المتواجدة اليوم في هذه الدول, فهذا الفصيل من حيث التطرف يسير جنبا الى جنب مع فصيل القاعديين لكن والحمد لله أتباع هذين الفصلين في تراجع مستمر لكن الحذر الحذر. وهناك فصيل آخر إن صح تسميته بذلك ثائر ضد كل شيء، ثائر ضد الأخلاق، ضد المجتمع، ضد التربية، ضد العلم، فصيل يعيش عالمه الخاص، ملابس أتباعه تختلف كلية عن ملابس بقية الطلبة، يحب أتباعه الموسيقى الصاخبة كما أن لغتهم المفضلة الفرنسية أو الإنجليزية أما اللغة الأم فلا اعتبار لها ,كما أنهم غالبا ما يطلقون شعورهم لتتهدل على أكتافهم أو لتشكل شجرة فوق رؤوسهم, وهؤلاء هم الأذناب الحقيقيون للغرب في جامعاتنا, فما إن يتلقون الأوامر من أسيادهم حتى تبدأ الفوضى والاضطرابات ,نعم إنهم لا يشكلون فصيلا بما تحمله كلمة فصيل من معنى لكن تواجدهم على شكل مجموعات جعلني أضعهم ضمن فصائل الجامعة. ومنهم من هندامه وهيئته الفيزيولوجية تختلف كلية عن بقية الطلبة، فالذكور لحاهم تلامس صدورهم، وجلابيبهم تصل الى ما بعد الركبة بقليل، أما إناثهم فلا تحلم برؤية وجوههن، فالخمار قد غطى كل الجسم ولم يترك للمتلصصين مثلي من فرصة للاقتراب، وهكذا وفرن علي جهد المحاولة. عندما تقترب من هؤلاء لا تسمع الا قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يتحدثون الا عن عمر ابن الخطاب وعن علي وعن مختلف الصحابة، كما يتحدثون عن الألباني وابن باز وعن ابن عثميين وعن محمد حسان وعن أبو إسحاق الحويني وعن آخرين, كما أنهم يناقشون مواضيع كبيرة أحاول أن أعمل فيها عقلي لكني أصطدم بإلزامية الاتيان بالدليل، فالمتحدث منهم لابد من أن يستشهد بقول ابن تيمية وابن قيم الجوزية ,وأهم ما يركزون عليه قبل أي شيء العقيدة, فتجدهم يتحدثون عن العقيدة الواسطية لابن تيمية والعقيدة الطحاوية للطحاوي وعقائد أخرى, كما أنهم يشيرون للأخرين بالتبليغي والأشعري والعلماني وهكذا, فهم يعتبرون التبليغين و الأشعريين والصوفين على ضلال في المنهج وفي العقيدة. ومن أهم ما يناقشونه الاختلاف بين العلماء، فتجد المغراوين يرفعون من قدر المغراوي والربيعين يرفعون من قدر ربيع وأتباع ابن باز يرفون من مكانته وأتباع ابن عثميين كذلك، لكن هذا الاختلاف بين العلماء غالبا ما يصبح خلافا بين الأتباع الذين ليس لهم باع وفهم عميق لفقه الاختلاف وفقه الواقع الذي اعتمد عليه العالم الفلاني أو العلاني في اصدار فتوى ما، أصبحت مثار جدل بين أتباع مختلف هؤلاء العلماء. هذا الفصيل إن صح تسميته بذلك لا يعترف بفكرة التحزب ويعتبر الأحزاب بدعة ابتدعها الناس لتفريق الأمة والمجتمع، ويعتبرون الاحتكام الى الديموقراطية احتكام بغير ما أنزل الله ووثنية حديثة. وهناك فصيل لم يظهر بعد للعلن في الجامعات، فصيل أتباعه متساكنون، فكرهم يرتكز على الخرافة أكثر ما يرتكز على الحقيقة، يعيشون مع الأموات أكثر مما يعيشون مع الأحياء، يعتقدون أن الأموات يمكن أن يشفوا الأمراض ويزوجوا العوانس ويوظفوا المعطلين، وهؤلاء منهم من ينتمي للدرقاوية والشاذلية والتجانية والكتانية، كما يمكن للمريد منهم أن يقدس الشيخ ويرفعه الى مستوى الأنبياء, بل إن هذا الشيخ يمكن أن يصل الى درجة الألوهية فتسقط عنه التكاليف الشرعية فلا يصلي ولا يصوم ولا يزكي ,بل يمكن أن يرتكب ما شاء من الموبقات دون محاسبة نظرا لأن ذاته قد اتحدت مع الذات الإلهية وهذا ما يعرف عندهم بالحلول والاتحاد ، فيوما ما سندخل للكلية لنجد مجموعة من الدراويش تهز الأكتاف والرؤوس وتردد الله حي الله حي. كما أن المد الشيعي الذي يعرفه العالم العربي والإسلامي اليوم يمكن أن يؤدي الى ظهور فصيل شيعي يلعن عمر وعائشة ويحلف بروح الحسين ويحتفل بيوم الغدير وعاشوراء ولما لا الاحتفال بيوم النار المعروف بالنيروز في إيران، هذا الفصيل إن قدر له أن يظهر في كلياتنا سيشكل أكبر خطر يهدد مستقبل البلاد برمتها عقديا وفكريا, وخاصة أن شباب اليوم وفي مقدمتهم الطلبة غالبا ما ينساقون وراء كل جديد مهما كانت خطورته الفكرية والعقدية, وهكذا سنسمع بالأئمة المعصومين وبالخمس الذي ينهبه شيوخ الشيعة من الناس, كما سنتعود على رؤية هؤلاء الشيوخ بلحاهم وعمائمهم السوداء كرؤوس الغربان أمام أبواب المؤسسات التعليمية, وفي مقدمتها الكليات في انتظار خروج الطالبات للتمتع بهن لساعات قليلة ولما لا لدقائق ثم رميهن في الشارع العام دون خجل, وهكذا سيصبح عندنا زنا مقنعة تجد من الأدلة من كتب الشيعة ما يدعمها ويقويها ككتاب "نهج البلاغة" وغيره. كما أن الدولة لن تحتاج الى صباغة حمراء لصباغة الأرصفة، وإنما ستكتفي بدماء أتباع هذا الفصيل وهي تتساقط من هؤلاء الأتباع وهم يكفرون عن أخطاءهم بضرب رؤوسهم بالسواطير ومختلف الآلات الحديدية الحادة، ما أقبحه من مشهد وما أحطه من فكر أي خرافة هاته التي طبعت عقول هؤلاء الناس وجعلتهم كالبهائم لا عقول لهم ولا أحلام؟ إن هذه اللمحة البسيطة حول فصائل الجامعة تعطينا صورة مصغرة لما تعيشه الأمة اليوم من تشرذم وتمزق وفوضوية، الكل يدعي امتلاكه للحقيقة، والكل يرفض التنازل عن القليل من حقوقه من أجل السلم والأمان، الى أين نسير بمركب أمتنا أيها الشباب كفانا حماقة وكفانا تعصبا وعنجهية، فالجامعة جعلت للعلم ولبناء صرح الحضارات وليس للصراخ ورفع الشعارات الفارغة والجوفاء أنظروا الى الجامعات الغربية هل فيها فصائل مثل فصائل جامعاتنا أم أنهم استغنوا عنها لعلمهم بدورها الهدام والمقسم للأمم. الجامعة صرح للعلم والمعرفة فدعوها كذلك ولا تحولوها الى منصة لصراع التران. يتبع...