كان يوم الخميس 22 من رجب (22/5/ ) موعدا التقى فيه كثير من رواد فكر (علال الفاسي) ومحبيه وكان اللقاء مناسبة استمع فيها الحاضرون إلى شهادات من لدن ممثلي المؤسسات العلمية والفكرية المعنية بمجموعة من المناضلين الذي خدموا وطنهم ومواطنيهم خلال مراحل الكفاح الوطني من أجل الاستقلال والوحدة والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، وقد التقى المتحدثون نيابة عن هذه المؤسسات على نقطة واحدة وأساس وهي مكانة الرائد علال الفاسي في نضال الشعب المغربي من أجل استعادة الحرية والاستقلال والوحدة، وما كان لهؤلاء المتحدثين إلا أن يرجعوا الفضل إلى صاحبه، والاعتراف بمكانة الرجل وأفضاله على الكثير إن لم يكن الكل من الذين هداهم الله إلى البذل والتضحية في سبيل الله والوطن. وكانت شهادات هؤلاء السادة تذكيرا للناسي من الناس وتعريفا لمن لم يسبق له علم بتاريخ الزعيم ونبوغه وعبقريته، وتنبيها لأولئك الذين يجحدون التاريخ ويكابرون أمام حقائقه بل يسعون إلى خلق تاريخ مزيف ما انزل الله به من سلطان، وما لصانعي التاريخ الأحياء منهم والأموات من علم بهذا الزيف الذي طرحه البعض سعيا لقلب الحقائق وإنكارها والدفع بمن كان على هامش التاريخ إلى محاولة النيل من صانعي التاريخ. وإذا كانت كلمة رئيس مؤسسة علال الفاسي الأستاذ محمد بوستة تذكيرا بما سمعه من الرحيل وهو يستعد للقاء ربه، مع ما لهذه الكلمات من تأثير في النفوس وفي مجريات التاريخ فيما بعد، فإن كلمة رئيس مؤسسة أبي بكر القادري الأستاذ خالد القادري كانت اعترافا من شاب في مرحلة اندفع فيها الشباب إلى ما عرض عليه آنذاك من فكر وتوجهات في سياق الدعوة إلى تقدمية موهومة وكان علال الفاسي يعتبرها انحرافا عن المسار التقدمي الوطني الحق، ولاسيما وقد أيد الشاهد شهادته باعتراف شخصيات أجنبية لها مكانتها الفكرية في حلبة الصراع الفكري الدائر حينذاك بل حتى السنوات الأخيرة ونحن في الألفية الثالثة وأعني بذلك "انور عبد الملك" المفكر القطبي اليساري المصري ناهيك عن شهادة مركز (محمد بن سعيد أيت ادر ومؤسسة الزرقطوني والمندوبية السامية للمقاومة. وإذا كان الأستاذ محمد بوستة قد وصف شهادته بأنها وصية من علال الفاسي فإنني هنا أضيف شهادة أخرى وكانت بمنزل المرحوم عبد الرحمان بن العربي الحريشي قبل سفر علال الفاسي سفره الأخير حيث أخبرنا أنه سيخصص ما بقي من عمره للدعوة الإسلامية، وفي هذا السياق اقترح على أن اقنع الأخ محمد السلوي أبو عزام رحمه الله بتحويل الصحيفة التي كان يصدرها بعنوان "فاس" إلى صحيفة إسلامية خالصة وبعد تبال وجهة النظر خلص إلى القول سنصدر صحيفة دعوية تتولى أنت إدارتها مشيرا إلي وأنا سأسعى لضمان تمويلها ولكن إرادة الله وقضاءه لم يمهلاه رحمه الله وتقبل منه ولهذا فإنني في قراءتي لهذا (الدرس الحسني) الذي اعتبره (وصية) إنما أحوال إبراز فكره الدعوى وتوجهه الخالص للدفع بالمجتمع والأمة إلى تبني تطبيق الشريعة الإسلامية تطبيقا كاملا في جو طغت فيه موجات فكرية منحرفة ومعادية للإسلام وشريعته. *********** مفارقة في القسم الثاني الذي أدرجناه في حديث الأسبوع الماضي استعرضنا مع المرحوم في درسه مجموعة من الآيات القرآنية التي تتناول ما يجب أن يقوم به المسلم إذ عانا لما جاء به الدين من الأوامر والنواهي كما بين مدى ارتباط الإيمان بالعمل لأن العمل هو الذي يعطي للإيمان صدقيته وأن الإنسان لا يمكن أن يكون مقرا بأحقية الشيء وهو في الوقت نفسه يرفض أن يكون ممثلا له في واقعه الذي يعيشه، وهو يستهدف عندما يقر ذلك أن بين مدى البعد الحاصل بين المسلمين والشريعة التي يقرون بها، ويعتبرونها منهاج حياتهم. العمل والجزاء وإذا كان القرآن قد رتب الجزء على المخالفة لأوامر الله سبحانه بحسب مستويات المخالفة، وهذا الجزاء هو موزع بين ما يمارسه المسلمون على من خالف طبقا لأحكام اقرها الشرع، والمعبر عنها بالحدود أو ترك للمسلمين حرية تقديرها حسب الاجتهاد وهي المعبر عنها بالتعزيزات التي تختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة، واعتبار الظروف والبيئة التي ارتكبت فيها هذه المخالفة أو الخروج عن التعاليم. إلا أنه بجانب هذا الجزاء الدنيوي هناك جزاء آخر والمعبر عنه بالأخروي وهو ما أعده الله للمخالفين في الآخرة الذين اتخذوا دينهم هزوء ولعبا وقد استفاض في ذكر بعض الأمور وبالأخص عندما يصف البعض بالكفر وبالظلم وبالفسق وهي كلها أوصاف لها ما يقابلها من الجزاء في الآخرة. مؤاخذة الأمة ويعود بنا هنا ليقوم بالتحليل الضروري لواقع مجتمع منحرف أصبح في نظره ومن خلال ما مر له من إيراد النصوص القرآنية والحديثية مستوجبا ليقع عليه الجزاء بشكل ينال الجميع لأن الله يؤاخذ الأمة بالاعتبار الذي يبينه من خلال الدرس الذي الأساس فيه التضامن وقد نبه القرآن إلى أن الجزاء قد يشمل الجميع «واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة». وكما في الحديث هؤلاء الأشرار فما بال هؤلاء الأخيار قال لا يغضبون لغضبي. يقول صاحب الدرس الوصية: تكييف تجاوز الحدود «إن هذه الآيات المتعددة كلها تبين قيمة الوقوف عندما حده الله وشرعه، وتبين الأوصاف والعقوبات التي يستحقها مرتكب ذلك، فهو في الكافرين والمشركين والظالمين والفاسقين، وهو في الأذلين والخائنين، والمشاقين المحادين لله ورسوله، وهو في البغاة والخارجين عن طاعة الجماعة، وعقوبتهم عقوبة البغاة كما بينا ذلك كأفراد عاصين يستحقون العقاب الدنيوي والأخروي، اما اثر ذلك في نفوس مرتكبيه، فهو ما يقول عنه سبحانه في كتابه الكريم، (ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين، وأنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون). ولا يزال هذا القرين يضلله ويحبب له العصيان والفساد حتى يتمنى ان لو وجد ما يخلصه منه ولكن إني له ذلك، لأن عمله الفاسد خلقه له ولا يزول إلا بعمل يمحو به كل سيئاته ومثلاته، انه يقول: (يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين). انتقال الشقاء وهكذا ينتقل الشقاء والمعاناة من الأفراد إلى الأمة لأنها لم تمارس ما يجب من الحيلولة بين الأفراد وانحرافاتهم وخروجهم عن الطاعة وعن الحدود التي حدها الله لهم. وهذه المصائب التي تحل بالأفراد تعم وتنتشر فتصيب الأمة جمعاء فيحل بها من الشقاء والعناء ما لا تستطيع له دفعا، قال تعالى: (وقد أتيناك من لدنا ذكرا، من اعرض عنه فإنه يحمل يوم القيامة وزرا خالدين فيه وساء لهم يوم القيامة حملا) وقال تعالى: (وان لو استقاموا على الطريق لاسقيناهم ماء عدقا لنفتنهم فيه، ومن يعرض عن ذكر ربه نسلكه عذابا صعدا) وقال تعالى: (ومن اعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا؟ قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها، وكذلك اليوم تنسى، وكذلك نجزي من أسرف ولم يومن بآيات ربه ولعذاب الآخرة أشد وأبقى)، وعلى عكس هؤلاء، فإن المطيعين المتحاكمين لشريعة الله الذين يعملون الصالحات يحيون الحياة السعيدة الرغدة ويلقون الجزاء الأوفى قال تعالى: من عمل عملا صالحا من ذكر أو أنثى وهو مومن فنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون). ويختم هذه الفقرة من الدرس الوصية: سنن الله تلك هي سنن الله التي بينها كتابه في المقيم لكتاب الله الواقف عند حدود شريعته. وفي الواقع فيها الخارج عنها، فكيف يمكننا أن نشتكي من ما حل بالمسلمين بعدما علمنا أن من أعرض عن ذكر الله يحيا حياة ضنكا ويحشر عمى؟ ماذا حل بالمسلمين اليوم بعد كل ما عرفوه من أمر دينهم؟ إن المرحوم علال الفاسي يتساءل في الفقرة التالية عن الأسباب والدواعي التي أدت بالمسلمين إلى ما يشبه الردة إن لم تكن الردة بعيشها. تساؤل إن الأساس الذي ينطلق منه علال في هذا التساؤل له خلفية كلامية وفقهية وسياسية، وهو ما يستولي تحليله فيما يأتي من الدرس لأن الأمور متشابكة وواقع الأمة واقع تضافرت كثير من العوامل لصياغة هذا الواقع على ما هو عليه وهي ظروف يستولي تحليلها فيما بعد، وليس كيف كانت الأمة على هدى من الله وكيف انزلقت بها الظروف ودور القوى الخارجية في ذلك وما هي مسؤولية الأمة بمجموعها والقائمين على شؤونها بصفة خاصة. الردة ومن الذي أوقعهم في هذا النوع من الردة أو ما يقرب منها بخروجهم عن حدود الله وابتعادهم عن إقامة شعائره؟ واستبدالهم أحكامه بقوانين أجنبية ما أنزل الله بها من سلطان؟ ثورة ذاتية لاشك أن العالم الإسلامي لو ترك لنفسه لتنبه من يقظته وتفجر من ذاتيته طريق الثورة على التخلف والعمل على التقدم، ولكان له من رجاله من يعيد لهم أمر دينهم لاسيما بعد أن بدأت ملامح ذلك في حركة ولي الله الدهلوي في أقصى المشرق، والثورة الوهابية في نجد ومن تأثر بها من كبار المصلحين مثل جمال الدين الأفغاني». نماذج إن المرحوم يشرح في هذه السطور ويحلل ما جرى خلال عشرات السنين من التفاعل الذاتي في المجتمع الإسلامي فهو يشير إلى دور ولي الله الدهلوي المجدد في الهند وصاحب كتاب (حجة الله البالغة) وغيره من المؤلفات الغزيرة بالعلم والفكر والتوجيه نحو النهضة والتجديد ومن ميزات هذا المجدد أنه كان يكتب بالعربية وبالفارسية، وتجول في القارة الهندية وفي الشرق وبالأخص الحجاز حيث جاور في الحرم المكي مدة من الزمان وكان ميلاده 1114ه 1704م، وتوفي 1176 ه حوالي 1767م وهكذا أنه عاصر المخاض الفكري العسير في أوروبا القرن الثامن عشر فهو قريب العهد من حيث الوفاة ببزوغ الثورتان الأمريكية والفرنسية ولكن المسلمين لم يستفيدوا منه كما لم يستفيدوا من غيره من قادة الفكر والرأي في غيره من البلدان الإسلامية ومنها المغرب. وولي الله الدهلوي كذلك معاصر لثورة محمد بن عبد الوهاب ولذلك ربط المرحوم علال الفاسي بينه وبين محمد بن عبد الوهاب وصولا إلى جمال الدين الأفغاني، ولكن ما الذي حدث أنه سؤال يجيب عنه فيما يلي: الأجنبي ولكن الأجنبي المستعمر لم يترك المسلمين لأنفسهم وهاجمهم في عقر دارهم بوسائله الجهنمية التي كان قد تفوق بسبب اكتشافه للبخار وفتحه طريق امركا وبداية نهضته الصناعية التي تبحث عن المواد الأولية وعن الأسواق، وقد أضل جل ديار المسلمين وشغلهم بمقاومته عن أنفسهم وعن العمل على إصلاح شؤونهم، وإحياء مجتمعهم على الأسس الإسلامية الصحيحة وعلى ما يتفق معها من تطورات العصر وحاجاته». صيحة في واد المرحوم علال الفاسي يركز هنا على دور الأجنبي المستعمر في صرف الأمة عن التنبه للأخطاء والعمل من أجل إصلاح الأحوال وإذا كان هذا صحيحا إلى حد بعيد، فإنه لا يمكن ان نبرئ الأمة عن عدم التجاوب مع دعوات المصلحين إلى إسعادها، لقد أشار إلى دور كل من ولي الله الدهلوي في الهند الذي عاش في القرن الثامن عشر كما ومحمد بن عبد الوهاب، ولكن نظرا للواقع الذي وصل إلى الحضيض في المجتمع الإسلامي فلم يكن الأمر مسعفا ولا مواتيا للنهوض ففي القرن الثامن عشر والتاسع عشر فهناك محاولات ولكن هيهات. فهي دعوات كصيحة في واد او نفخة في رماد. الجهاز الاستعماري وعلى أي حال فإن المرحوم علال الفاسي يرى أن الأجنبي اعد العدة وتمكن من المجتمع الإسلامي ولكن ليس بقوته فقط ولكن كذلك بما استطاع أن يسخره ن جهازه الاجتماعي والفكري ليهيئ واقعا ملائما في المجتمعات الإسلامية وفي هذا يقول علال: الاحتلال ليس ماديا.. ولم يكن الاحتلال الأجنبي ماديا فقط بل كان كذلك روحيا ولغويا وخلقيا، وساسة المستعمرين لم يعمدوا مباشرة إلى دعوة المسلمين للتخلي عن دينهم ولغتهم وأخلاقهم بل تركوا ذلك لجهازهم الاجتماعي المركب من المبشرين ودعاة الأفكار المختلفة وكان همهم الوحيد قبل كل شيء أن يحلوا لغتهم في التعليم والإدارة والحياة العامة محل اللغة الوطنية لما للغة من تأثير على الفكر وتوجه نحو دلالات الكلمة الأصلية وما يتولد عنها من أفكار هي في الأصل وليدة المجتمع المسيحي الأجنبي، وكذلك كان همهم مسلطا على القضاء على القوانين الإسلامية وإحلال القانون الأجنبي محلها ووضع محاكم قائمة على نفس الفلسفة القانونية والفكر الاجتماعي الأجنبي». الأصالة كان النقاش ولا يزال حول الفكر الإسلامي وأصالته ومدى تأثره بالفكر الأجنبي وقد كان النقاش والجدال حادين لدى مؤرخي الفكر ولدى الباحثين عن المؤثرات الأجنبية في الفكر الإسلامي منذ البداية، ومدى الإبداع أو التقليد الذي يطال الفكر الإسلامي، ومن أين يبدأ الإبداع وأين تجد هذا الإبداع، وبالأخص فيما يسمى بالفلسفة، وهناك من خرج من هذا النقاش والجدال واعتبر أن أصول الفقه هو ما يمثل الفلسفة الإسلامية الحقة والفكر الإسلامي الخالص مصطفى عبد الرزاق مثلا. الفكر الخالص ويظهر ن خلال هذه الفقر من الدرس الوصية أن علال الفاسي يخرج من هذا النقاش بحقيقة وخلاصة تحدث عنها في كتابه دفاع عن الشريعة بتفصيل وهو يذكر بها هنا في هذا الدرس يقول: «وهم لم يخطئوا في خطتهم تلك لأن اللغة أساس الكيان الوطني ومعجم الروح والفكر والتقاليد الأهلية، والفقه الإسلامي وحده الذي احتفظ بالفكر الإسلامي الخالص الذي لا تشوبه تأثيرات شرقية ولا غربية لأن كل علوم العرب أخذت من غيرها وأعطت واستمدت بما في ذلك علم الكلام المتأثر في مناهجه بالمنطق اليوناني والفلسفات القديمة، اما الفقه فهو جماع اجتهادات الأئمة المسلمين وفقهائهم ومذاهبهم وأتباعها ومصادره المقطوع بها هي الكتاب والسنة وما ترتب عنها من إجماع وقياس ومصالح مرسلة واستحسان ومقاصد الشريعة ومكارمها، كل هاتيك المصادر داخلية لم تتأثر بالرومان الشرقي ولا الغربي ولا بعادات الأمم التي فتحها المسلمون بل هي التي كانت تؤثر في الجميع وتؤسس المجتمع الوحيد القائم على القانون الشرعي المطبق على المسلمين وغيرهم من كل المتساكنين في ديار الإسلام. الخطة الجهنمية: إن المرحوم علال الفاسي ينبه المسلمين إلى المنبع الصافي الذي يجب أن يأخذوا منه وأن يعودوا إليه كلما كانوا أمام معضلة فكرية أو تشريعية، وأنه المنبع الذي لم يتلوث بما تكونت به المنابيع الأخرى من أدبية أو فلسفية أو غيرها ولذلك فإن الاستعمار الذي هيأ لعمله بجيش من الخبراء والاخصائين في كل مناحي الحياة الفكرية والاجتماعية والسياسية خرج بخطة مهيأة ومدروسة سماها المرحوم الخطة الجهنمية فقال في دراسة الوصية: «كانت خطة المستعمر الجهنمية هي فصل المسلمين لا عن عقيدتهم التي هي صلة روحية بين الله وبين العبد ولكن عن شريعة الإسلام وأخلاقه التي هي عنوان العقيدة الحق والدليل عليها، فلم ينتبه المسلمون إلا ولغة ثقافتهم أجنبية وتعليمهم أجنبي والقوانين التي يمشون عليها ويتحاكمون إليها أجنبية». ولكن لماذا ترك المسلون هذه الثغرة في مواجهتهم لعدوهم الذي كان يتربص والذي عزفوه وخبروه سواء في الحروب الصليبية شرقا وغربا وعرفوا مكايده ونبههم القرآن والسنة ليأخذوا حذهم ويواجهوا عدوهم بما يلزم الجواب يقول المرحوم: النضال السياسي: وقد شغلهم النضال السياسي وما استوجبه من تضحية واستبسال ومن خطط وتحديات، واتصال بأحرار الفكر في الغرب عن أن يبحثوا أمورهم الداخلية وينتبهوا لما كان المستعمر يغرسه في نفوسهم وفي عقول شبابهم عن طريق المدرسة والكتب ووسائل الدعايات المختلفة، فما وصلوا إلى الحصول على الاستقلال السياسي حتى وجدوا هياكل الدولة وقواعدها وفلسفتها مستقرة لا في بلادهم فقط بل حتى في عقولهم وفي أنفسهم، لقد استطاعوا أن يحرروا الوطن سياسيا ويجلوا الأجنبي عنه عسكريا ولكنهم وجدوه قد احتل عقولهم وقلوبهم وملك عليهم نفوسهم فلم يعودوا يفكرون إلا في إتباع مناهجه والاستفادة من اتجاهاته على أنها مثال الحضارة وعنوان التقدم، غير مفرقين بين ما هو من قبيل التقنيات والتنظيمات التي لا يضر أن تؤخذ عن أي كان، وبين ما هو من قبيل الأصول العامة للمجتمع الإسلامي التي لا يمكن أن تجدد بغير مصادرها الأساسية أو تتطور في غير إطارها الشرعي الإسلامي». تساؤل ووقائع: لقد انتهى الأمر إذن، وأصبح الإسلام غربيا بين أهله، وأصبحت شريعته طريدة بين المسلمين ويعتبر الدعوة إليها سيئة ورجعية وتخلفا، وأصبح الوضع في المجتمع الإسلامي في نظر صاحب الوصية وكما هو في الواقع على النحو الذي يصفه فيما يلي: والآن إذا نظرنا إلى العالم الإسلامي في حالته الحاضرة بقطع النظر عن الهيمنة الأجنبية السياسية والاقتصادية التي ما تزال قائمة مستقرة وما يزال يحاول الكفاح لاقتلاع جذورها فماذا نجد في مجتمعه الجديد من صفات المجتمع الإسلامي الذي أمر الله أن نبينا عليه كياننا ونملأ به هياكلنا؟» الجهل المطبق: يطرح صاحب الوصية أسئلة دقيقة وصعبة، ومحرجة وكل ما شئت من هذه الأوصاف التي تقلق ولا تريح، وتصدم العقل والروح معا، لأنه إذا كان الوضع في المجتمع الإسلامي كما يصفه وهو ما حصل بالفعل، نعم لقد حدثت صحوة وتنبه الشباب المسلم بصفة خاصة إلى هذا الواقع وأصبح يغالب وهذا أمر سنتحدث عنه في فرصة لاحقة، المهم إن المجتمع الإسلامي نجده كما يقول: لا شك أننا سنجد جهلا مطبقا بعلوم الإسلام ولا سيما بكتاب الله وسنة رسوله وما فيهما من العبر والآيات، ويترتب على ذلك بالطبع جهل بقانون الإسلام وشريعته، وتاريخه وباللغة العربية وأسرارها وآدابها، ثم تفاوت في المعرفة السطحية بما عند الغرب من علوم وآداب، وفي التمسك بما سنه المستعمر من قوانين وأنظمة خلق منابها جماعات وأفرادا على صورته». افتراق: ويتعرض المرحوم لقضية مهمة وأساس في هذا السياق والواقع أن كل القضايا التي تعرض لها مهمة وأساس ولكن لابد من لفت النظر الى هذا الامر الذي هو أس البلاء وأس الصراعات التي يعاني منها العالم الإسلامي حيث نفترق بافتراق غيرنا ونختلف باختلاف الغير ويتعصب البعض ضد البعض خدمة للفكر الأجنبي وللمستعمر الأجنبي وفي هذا يقول: واقتناعا بأن مذاهب الغرب السياسية والاقتصادية والاجتماعية عنوان التقدم وأن اختلف الحكم على أنواعها وألوانها نجد في وسطنا افتراقا في الرأي مبنيا على افتراق الجانب فكل منا أو مذهبا أو حزبا، فإذا دعوت الأمة أو الأفراد إلى الرجوع إلى إسلام الكتاب والسنة واعتبارهما المقياس لكل ما ينبغي أن نستفيد من الغير لم تجد مستجيبا الاقلة من الناس لا يؤبه بهم، ونسب إليك التخلف الفكري والجمود في الرأي وفي الاتجاه». أسئلة المرحلة: وإذا كان هذا هو الواقع كما يصفه في حينه وكما لا يزال حتى الآن فإن المرحوم يصل خلال هذا الوضع إلى حالة نفسية تضع في حيرة كبرى من أمر هؤلاء المسلمين وهو في تساؤلاته يقول أمورا لا تطاوعه طبيعة المشامخة من الصدع بها ولكنها واردة تساؤلا تلو الآخر يقول: هذه حالة المسلمين اليوم، فإذا نحن عرضناها على ما سلف إن أدلينا به من الآيات البينات والأحاديث النبوية في وجوب الطاعة لله وشريعته والتمسك بالاستقامة على الطريقة الحنيفة السمحة فبماذا نحكم على المسلمين؟ إما يحق لنا أن نتساءل أفي هذا ما يمكن أن يسمى ردة أو الحادا؟ أو على الأقل انحرافا شاسعا عن منهج الإسلام وتعاليمه، ولولا أنه ما يزال معظم المسلمين يقرون لله بالألوهية ونبيه محمد ص بالرسالة لقلنا أن الجميع ارتد وصار خارج حدود الإسلام». الاحتياط و المسلمون إن المرحوم هنا احتاط من الانزلاق لقول أقوالا قالها البعض على جهة التحذير والنية دون الاحتياط فعدوا من طرف الخصوم على اختلاف مشاربهم من الذين يكفرون الناس ويصفون مجتمعاتهم بالجاهلية غير أن الاحتياط فرض نفسه على المرحوم فقال: ولكن الاحتياط في عدم إخراج أحد من أهل القبلة من الدين بمعاصيه يجعلنا نكتفي بوصف حالنا بأنه تخل عن معظم تعاليم الدين وتناس لما أوجبه الله على المسلمين، وأعراض عن الهدي النبوي الذي هو الحق المبين، وقد قاتل أبو بكر الصديق فئة من المسلمين لمجرد رفضهم أداء الزكاة التي هي إحدى أركان الإسلام أولئك الرافضين بالمرتدين، فماذا يقول المفكر الإسلامي والمجتهد في تطبيق أحكام الشريعة حين يرى الرفض لكثير من الحكام والواجبات الشرعية؟ العيش الضنك أما العقاب الذي توعد الله به من يتخلى عن شريعته ويعش عن ذكر الرحمن ويابى الامتثال لأمر الله وهو الذي تجمعه هذه الآية، (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا) فقد رأيناه، حالا بالعالم الإسلامي، فكل شعوبه إلا المترفين منهم يحيون الحياة الضنك، وكل أراضيهم مهددة بالاحتلال الأجنبي أو محتلة بالفعل، وكل اقتصادياتهم تحت هيمنة رأس مال الجماعات أو الأفراد أو الحكومات مهما كانت أنظمة أولئك المهيمنين، وأماكنهم المقدسة وأجزاء عظيمة من بلادهم تحت يد الفئتين التين أخبر القرآن أنهما أشد الناس عداوة للذين آمنوا، وهم اليهود الوثنيون، ففلسطين في يد الصهاينة من الإسرائيليين، وكشمير وأجزاء من بلاد الهند الإسلامية التي منها الباكستان الشرقية في يد الوثنيين الهنود عباد البقر وحلفاء الإمبريالية الشرقية والغربية، فهل ندرك لماذا نحن في هذه الحال؟ وهل نعلم لماذا عمنا هذا النكال؟ السكوت والخشوع الجواب على ذلك نجده الشطر الأول من الممثل له في الأقصوصة النبوية وهو المدهن الواقع في حدود الله، سكوت معظم المسلمين عما يرتكبه أعيانهم ووجهاؤهم وبعض حكامهم من هذه المعاصي الاجتماعية الكبيرة، مع أنهم مكلفون بأن لا يسكتوا عما يضر بالإسلام أو يعرض أمته للخطر والاستسلام. ولنا عودة للموضوع. ذ.محمد السوسي