قراءة مستقبلية للترحال السياسي في النظام الانتخابي الجديد الخاص بالجماعات الترابية: جماعة كلميم نموذجا قبل أن يبدأ المرشحون الفائزون بالانتخابات الجماعية الأخيرة في تشكيل المجالس وانتخاب رؤساء الجماعات، طفت على السطح حالة فريدة إن لم تتم معالجتها بروح القانون والغاية التي سن بها المشرع النصوص التنظيمية الخاصة بالجماعات الترابية، قد يكون لها تأثير على الخارطة السياسية في جميع جماعات المغرب. والحالة التي أقصدها والتي سوف نتطرق لها بالتفصيل هي اصطفاف عضوين من لائحة التجمع الوطني للأحرار التي فازت في الانتخابات الجماعية لجماعة كلميم، ضد وكيل اللائحة التي ترشحوا ضمنها، حيث سيصوتون لصالح مرشح حزب الاتحاد الاشتراكي لقوات الشعبية أو الحركة الشعبية والسبب واضح بالقطع ولا يمكن بأي حال أن يكون له علاقة بالديموقراطية. فمشروع القانون التنظيمي رقم 113.14 الخاص بالجماعات في صيغته الأولى نصت المادة 51 منه على ما يلي: "طبقا لأحكام المادة 20 من القانون التنظيمي رقم 29.11 المتعلق بالأحزاب السياسية، يجرد العضو المنتخب بمجلس الجماعة الذي تخلى خلال مدة الانتداب عن الانتماء للحزب السياسي الذي ترشح باسمه من صفة العضوية في المجلس. يقدم طلب التجريد لدى كتابة الضبط بالمحكمة الإدارية من قبل رئيس المجلس أو أحد أعضائه أو الحزب السياسي الذي ترشح المعني بالأمر باسمه، وتبت المحكمة الإدارية في الطلب داخل أجل شهر من تاريخ تسجيل طلب التجريد لدى كتابة الضبط. يعتبر عضو مجلس الجماعة من منظور هذا القانون التنظيمي في وضعية تخلي عن الحزب الذي ترشح بتزكية منه، إذا قرر هذا الحزب وضع حد لانتماء العضو المنتسب إليه بعد استنفاد مساطر الطعن الحزبية القضائية". إلا أن المجلس الدستوري أقر في قراره رقم 968.15 بتاريخ 30 يونيو بعدم دستورية الفقرة الأخيرة من المادة 51 السالفة الذكر وأبقى على ما تبقى منها، أي تجريد العضو المنتخب من صفة العضوية في الجماعة في حالة تخليه خلال مدة الانتداب عن الانتماء للحزب السياسي الذي ترشح باسمه من صفة العضوية في المجلس. وبالعودة إلى حالة مرشحي التجمع الوطني للأحرار، لا بد من طرح السؤال التالي: هل يمكن اعتبارهما من الناحية القانونية في حالة تخلي عن الانتماء السياسي الذي ترشحوا به؟ إذا تم الأخذ بظاهر النص والظروف التي أملت عليهما اتخاذ موقف ضد لائحة الترشيح التي ترشحوا بها، فإنهم سيظلون متمسكون بانتمائهم للتجمع الوطني للأحرار لدفع حالة التخلي عنهم وبالتالي الحفاظ على صفة العضوية. إلا أنه في حالة ترشح وكيل لائحة التجمع الوطني للأحرار لرئاسة الجماعة وتصويتهم ضده، فسيكون القضاء أمام إشكالية تفسير موقفهما، بحيث كيف يعقل أن أترشح مع وكيل لائحة وأصوت ضده وهل يمكن اعتبار موقفهما تخليا عن انتمائهما السياسي؟ وإلا فما الفائدة أصلا من إقرار هذه المادة إذا كان يمكن التحايل عليها بهذه البساطة؟ في معجم المعاني، يقال تخلى تَخَلَّى عَنْ حَقِّهِ: تَنَازَلَ عَنْه ويقال لا تتخلَّ عن صديقك في وقت الشدة: لا تَخْذُلْه أو تتركْه لمصيره. وبالعودة إلى القانون التنظيمي السالف الذكر، فقد أقر المشرع مبدأ علنية التصويت، أي أن التصويت سيكون علني وسيُعرف من صوت لمن وبالتالي سيسهل على حزب التجمع الوطني للأحرار إثبات تصويت عضويه المنشقين ضد وكيل لائحة الترشيح التي ترشحوا باسمها. وبالتالي ما على الحزب سوى رفع طلب تجريد العضوين المنشقين من صفة العضوية في الجماعة أمام المحكمة الإدارية، بحجة تخليهم عن وكيل اللائحة التي ترشحوا باسمها وتصويتهم ضده في غياب تام لمبدأ التضامن الحزبي الذي هو أسمى تجليات التمسك بالانتماء السياسي. وفي هذه الحالة وإن تم العمل بروح القانون والغاية من سن المادة 51، سيتم تجريد العضوين بالمرشحين الذين يليهما في لائحة الترشيح. وبالتالي العودة إلى نقطة الصفر وسيجد الرئيس الذي تم انتخابه سلفا أنه أصبح بدون اغلبية وسيصعب عليه بعد ذلك ممارسة صلاحياته ويتعطل سير عمل المجلس، على اعتبار أن تغيير الرئيس له شروط معقدة وطويلة واحتمال حل المجلس طبقا للمادة 72 من القانون 113.14. وفي نفس الآن سيكون أمام حزب التجمع الوطني للأحرار وحلفائه الوقت لرفع دعوى الطعن في انتخاب الرئيس أما المحكمة الإدارية. خلاصة القول بأنه إذا ما تم التغاضي عن هذه الواقعة وعدم إدخالها ضمن خانة الترحال السياسي والتخلي عن الانتماء السياسي فإن المادة 51 من القانون التنظيمي 113.14 الخاص بالجماعات أُفرغت من مضمونها ومن الغاية من سنها، لأنه لا معنى بأن أحتفظ بانتمائي السياسي الذي ترشحت به ظاهريا وأخالفه فعليا.... وفي حاته الحالة لا يسعني سوى أن أقرأ السلام على القانون الذي أفقده مكر السياسة وقذارتها روحه. وما ذلك الذي نادى به جلالة الملك محمد السادس مرارا وتكرارا، منذ خطاب مارس 2011 المِؤسس لدستور 2011 والخطاب الأخير للثورة الملك والشعب.