لإعادة التفكير جذريا في حقيقة الفساد الذي يفترس الجسد الوادنوني الطافح بالطعنات، من لا يشعر بضرورة طرح المشكل بشكل مختلف كليا بعد انتصار الدولة المخزنية بأعلى سلطها للصوصية المنظمة ولرحى الفساد التي طحنت ساكنة كليميم، بل وأعلنت وادنون إمارة خاصة بأبو نهب في انتظار توافد الرعايا لحضور طقوس البيعة والولاء للملك الحقيقي لهذه الربوع، والذي تحول من مياوم بإحدى محطات الوقود إلى ديناصور في عالم المال والإعمال بوفائه للنهب ؟ ألا يبدو الأمر وكأننا أمام تشكيلة عصابية بالمعنى القانوني والجنائي للكلمة تمتد بشبكتها العنكبوتية لتكون دولة داخل الدولة ، إن لم تكن بالأصل هذه هي طبيعة الدولة المخزنية؟ ألم تقدم الدولة بعزلها للوالي محمد عالي العظمي رسالة مفادها أن : الفاسدون يكسبون وينجحون، والسذج من الأوفياء لهذا الوطن دائما يخسرون لأنهم لا يجعلون من النفاق دستورا وقرانا، ولا يؤمنون بأن الإنتهازية بأوسع معانيها هي العملة الرائجة في هكذا "وطن"؟؟؟. لطالما حذرت القوى الوطنية الحقيقية والشرفاء والمخلصين لحاضر ومستقبل هذا الوطن وأجياله القادمة، من تنامي تسونامي الفساد، في خضم الإنحرافات الأسطورية بل الهلوسية التي تزكيها الدولة المخزنية بإطالة أيادي الأقزام والقراصنة على خيرات الصحراويين وثرواتهم، وترك زمام الأرض ليلعب به السفهاء كما كان صبية مكة يلعبون قديما بالحبل الذي ربط فيه بلال بن رباح، والتكريس العملي لعبودية تكنة في تحد صارخ للحاضر والماضي والمستقبل، الذي لا تستوعبه على ما يبدو ذاكرة المخزن الغربالية ولا تراه أعينه المصابة بالحول، والتأكيد على أن الحديث عن الكرامة والحقوق وإنسانية الانسان الصحراوي هي مجرد وهم وحديث خرافة، فبعد الفيضانات تراقصت القنوات التلفزية الرسمية على جثث أبناء وادنون المنكوب والمنهوب، ولم تكلف الدولة نفسها عناء فتح تحقيق في ملابسات الفيضانات والأسباب المباشرة لحصيلتها الثقيلة ماديا وبشريا، ولم تتحمل الدولة مسؤولياتها في تقديم المساعدة والتعويض للضحايا الذين وجدوا أنفسهم يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، بالرغم من كثرة الحديث عن الصناديق السوداء للدولة والمرصودة لهكذا مواقف، بل ما زاد من المفارقة هو اتجاه طائرات هذا البلد محملة بالمساعدات إلى عدة دول إفريقية وكأنها أخطأت في المسار، أو كان لوحات تحكمها توجد بقصر فيرساي لا قصر الرباط، لتبقى استغاثات من يراد لهم الاعتزاز بمغربيتهم تتعالى في السماء لتسمع من به صمم إلا آذان مسؤولي هذه الدولة المحنطة، وما زاد الطين بلة وفرض أكثر من سؤال على الوعي الوادنوني هو عدم إعلان الحداد على أرواح ضحايا البنية التحتية المغشوشة، في وقت لازالت تسمع فيه أصداء خطاب "أعتز بمغربيتي" ليتضح فيما بعد ان ملك "آل سعود" يستحق ما لا يستحقه الصحراويون بالرغم من أن السعودية لا تؤمن أصلا بطقوس الحداد. أما تنقيل السيد محمد عالي العظمي الذي شهد له أحرار وادنون بالاستقامة والكفاءة والنزاهة إلى والي ملحق بوزارة الداخلية (الكراج) فقد كانت بمثابة القشة التي كسرت ظهر الجمل الوادنوني، وأظهرت أن مضامين سياسة المخزن بالصحراء لا تعدو أن تكون تزييفا للوعي وتكريسا للفساد ونهبا للخيرات، بشكل يضرب في عمق الخطاب الرسمي لما يسمى دولة الحق والقانون والمفهوم الجديد للسلطة ودولة المواطنة، إلى آخر الخطب الدعائية التي سقطت بكليميم ، لاسيما بعد إرخاء الحبل على غاربه لمن لا ضمير له ولا حياء ولا خجل ولا عزة ولا كرامة، وترسيخ واقع الظلم الاجتماعي الذي عكسته تصريحات أبناء كليميم في المساجد وفي الأسواق وفي الشوارع وعلى امتداد خريطة الوطن و في المهجر، كما عكسته تدويناتهم الفيسبوكية التي أظهرتهم مختطفون محزوني الفؤاد، يغمرهم شعور بأنهم تركوا في يد قن أو نخاس يتاجر بهم في سوق النخاسة، بل تبدوا تدويناتهم قد إستوعبت معنى عبارة الثورة تأكل أبنائها ولكن بصيغة الدولة تأكل أبنائها الذين لبوا ندائها يوما والمتمثل في "الوطن غفور رحيم"، وتفاعلوا مع خطاب ملكها وحاولوا الإجابة عن سؤاله أو تساؤله الذي أثار الكثير من اللغط والنقاش، والمتمثل في : أين الثروة؟ وأن أي تحليل منصف لقرار تنقيل السيد الوالي في هذه الظرفية الصعبة والحرجة من تاريخ وادنون، سوف يستخلص أن هذا القرار خاطئ ويستوجب شجاعة ملكية للتراجع عنه، وهو شيء لا يخدش في صورة الملك ولا يضرب في شخصه، فأين هو الملك من الخليفة عمر بن الخطاب الذي قال "أصابت إمرأة وأخطأ عمر" حينما أراد تحديد المهور؟ عمر تراجع عن قراره لأن الأمر يتعلق بمصالح الزيجات، فالأولى أن يتراجع الملك لأن الأمر يتعلق بحاضر ومستقبل وادنون، أو لتقم الدولة على أقل تقدير بإقالة السيد رئيس المجلس البلدي بكليميم ومحاسبته بعد حديث أكثر من جهة رسمية وغير رسمية عن فساده هو ومجموعة من المسؤولين الذين يسهرون أو تعاقبوا على تسيير المجلس المحلي لكليميم . في صراع ساكنة وادنون مع لوبيات الفساد التي تكبل هذا الوطن، وتكرس الاستبداد حتى النخاع، اتضح للأسف أن ولوج بعض الأحزاب المغربية يعني ببساطة التضحية بأعز الأشياء من أجل الحصول على أسخفها وأقدرها، وأن الولوج إلى الأحزاب يعني التضحية بإمكانية التمرد وقابلية الإختيار الحر والقدرة على التغيير وقوة الرفض، وهذا ما أبانته الأمانة العامة "للمصباح لمصوطي" و "التراكتور ديال الدراري الصغار"، أي حزب هذا الذي يقتل في نفوس المنتمين إليه الشعور بالمصير التاريخي والاجتماعي، والشعور بالارتباط بالمجتمع وتحمل المسؤولية اتجاهه؟ أي حزب هذا الذي لا يحصن أفراده ضد ثقافة عبادة الفرد، ولا يحصنهم ضد الإستلاب، بل ويؤصل عندهم الوعي القروسطي؟ للأسف يبدو أن الدكاكين الحزبية لا تريد كوادر وأطر محلية، بل تريد كراكيز وامعات لا تحسن إلا الإستماع إلى تفاهات وخزعبلات الأمانات العامة، إملاءات تبدو وكأنها تقول لهم أن الأمر لا يرتبط بكم، فأنتم لستم بشر حتى تختارون !! إنه صراع النباهة والإستحمار ، وفي هذا الشأن يقول المفكر علي شريعتي "عندما يشب حريق في بيتك، ويدعوك أحد للصلاة، والتضرع إلى الله، ينبغي عليك أن تعلم أنها دعوة خائن، لأن الإهتمام بغير إطفاء الحريق، والإنصراف إلى عمل آخر هو الإستحمار وإن كان عملا مقدسا"، هذا ببساطة ما حاولت بعض الأحزاب أن تفعله في حق كوادرها المحلية بكليميم التي لم ترضى الإنحياز للفساد، وإما التستر بما هو تنظيمي لقمع الحرية فما هو إلا محاولة "باش يدركو لخنونة بلعكر". من هنا وأمام اتساع الخرق على الراتق، لا يسعنا إلا أن تقول كما قال محمد عبده "الفساد يهبط من أعلى إلى أدنى، والإصلاح يصعد من أدنى إلى أعلى" كما لا يسعنا إلا أن نقول كما قال خيري شلبي "أن الفساد يطول عمره كلما انسحب الشرفاء من الميادين، واثروا السلامة وتخادلوا، فيفسحون المجال للصغار التافهين البلطجية". فهبوا يا أبناء كليميم للميادين وأعلنوا ميلاد وادنون جديد بعيدا عن أبو نهب وبلطجيته، وبعيدا عن الظلم البين والسرقة العلنية التي كرستها كائنات مملكة الظلام .. وضعوا بين أعينكم قول الشاعر: ولا خير في قوم يذل كرامهم ... ويعظم فيهم نذلهم ويسود.