سوف أحاول الانضمام الى إحدى أهم المعارك الفكرية و السياسية و القانونية و الحقوقية و التي تدور رحاها في الساحة الثقافية المغربية ،وذلك منذ 2011 أي منذ ظهور حركة 20 فبراير المغربية ،وفي خضم هذه المعركة ينخرط العديد من الأساتذة الجامعيين و الباحثين في العلوم السياسية وذلك من قبيل الأساتذة الجامعيين محمد الساسي و رقية مصدق و محمد مدني و عمر بندورو و الأستاذ بجامع بمحمد الخامس بالرباط و عضو حزب الاتحاد الاشتراكي عبد العزيز النويضي ، ونذكر كذلك باحثين آخرين على سبيل المثال لا الحصر كمحمد الزهراوي و محمد شقير و محمد أمغار و محمد مونشيخ و عضو حزب الاشتراكي الموحد احمد عصيد ، و كل هؤلاء و آخرين هم بصدد تقديم قراءات و تحليلات اكاديمية و علمية فيها الكثير من الموضوعية لما يسمى الإصلاحات الدستورية و الحقوقية التي عرفها المغرب و ذلك في إطار ما يسمى |"بالدستور الجديد" . سأحاول في هذا السياق أن أدول بدلوي في النقاش الدائر الآن وذلك من خلال سلسلة من المقالات تتناول مواضيع من قبيل الشرعية التقليدية في المغرب و حقوق الانسان في الدستور الجديد ، و مبدأ فصل السلط ودائما في نفس الإطار أي الورقة الدستورية الجديدة ،ثم سوف أتناول رهان الملكية البرلمانية الذي رفعته حركة عشرين فبراير، حيث سأحاول ابراز هل ان دستور 2011 يجسد الملكية البرلمانية بشقيها الثنائي و الأحادي . ارتباطا بعنوان هذا المقال يمكن القول ان مفهوم الشرعية هو مفهوم يدخل ضمن اطار الفلسفة السياسية و فلسفة القانون ، ثم يمكن ادراج هذا المفهوم كذلك بارتباط بما يصطلح عليه بالقانون الدستوري. و قد شغل مفهوم الشرعية التقليدية و نظام الحكم بالمغرب عديد الباحثين منذ زمن ليس بالقصير و نذكر في هذا الإطار عالم السوسيولوجيا السياسية جون ووتر بوري و الانثروبولوجي المغربي عبد الله حمودي. وتم تناول هذا المفهوم كذلك في علاقة بما سمي بالانتقال الديموقراطي، وقد رأت بعض الاوساط المغربية المتخصص في مجال القانون الدستوري أن إقحام صفة القداسة و إمارة المؤمنين في المتن الدستوري المغربي مثل واحد من اكبر العوائق الدستورية في وجه تحقيق رهان الانتقال الديمقراطي. يمكن القول إجمالا ان حالة اللاديمقراطية في النسق السياسي المخزني تجد أساسها المتين في الدمج القسري لصفة القداسة في المتن الدستوري المغربي وذلك من خلال بالخصوص مبدأ إمارة المؤمنين التي حظي بها شخص الملك في المغرب منذ دستور 1962 . و يرى الباحث وعضو حزب العدالة و التمنية عبد العالي حامي الدين في مقال له نشر بمجلة وجهة نظر سنة 2004 أن صفة القداسة كما حملها الفصل 23 من دستور 1996 لها انعكاسات قانونية في عدة مستويات تتجسد في ما يلي : *حيث تجعل الملك فوق المساءلة و النقد *و لا تسري عليه الأحكام القضائية و شخصه لا ينتقد أبدا *جميع القرارات و المواقف و الخطب و الظهائر الملكية تعتبر سارية المفعول و تنطبق عليها صفة القداسة بما هي شرعية تقليدية. . وعليه تصبح المؤسسة الملكية بحكم القداسة في مرتبة فوق القوانين الوضعية، ولا تسري عليها الاعتبارات الانسانية في التعامل مع الاجتهاد البشري المعرض بطبعه للخطأ و الصواب. فإمارة المؤمنين سلطة تستمد من السلطة الدينية أي أنها استخلاف الله في الأرض حيث تتميز هذه السلطة بالاستمرارية،و الأحادية ،و الاطلاقية، و القدسية وهي صفات يستمدها امير المؤمنين من الله وليس من الشعب. فإمارة المؤمنين تعني التمتع بسلطات لا محدودة تتجاوز منطق الفلسفة الدستورية الحديثة ! فأمير المؤمنين حسب الفصل 19 من دستور 1996 هو رمز وحدة الامة،وهوه حامي حمى الدين و الساهر على احترام الدستور، وله صيانة حقوق و حريات المواطنين و الجماعات و الهيئات و هو الضامن لإستقلال البلاد. ان احتكار الملك لجميع هذه السلط في دستور 1996 يجعله أميرا للمؤمنين فوق المحاسبة التي يفرضها القيام بمسؤوليات الدولة فهو شخص مقدس و لا تنتهك حرمته. و لشخص الملك بموجب امارة المؤمنين مكانة عالية اسمى من الدستور نفسه، مادام يستمد سلطته من الله و رسوله فمأمورية أمير المؤمنين أن يكون ظل الله في الارض و رمحه كما قال الملك الراحل الحسن الثاني. من خلال التمعن في الفصل 19 دستور 1996 فهو يمكن القول عنه انه ليس فقط فصل بل هو دستور كاملا وهذا ما جعل الملك محمد السادس في خطابه في 17 يونيو يقوم بتقسيم الفصل 19 الى فصلين: *فصل مستقل يتعلق بصلاحيات الملك باعتباره أميرا للمؤمنين و رئيس للمجلس العلمي الأعلى و هذا الفصل سيحمل في ما بعد رقم 41 في دستور 2011 *وفصل آخر يحدد مكانة الملك كرئيس للدولة ، وممثلها الاسمي ، ورمز وحدة الأمة و الضامن لدوام الدولة و استمرارها ، و استقلال المملكة و سيادتها و ووحدتها الترابية و الموجه الأمين و الحكم الأسمى و هذا الفصل سيحمل رقم 42 في الدستور الجديد. يرى الباحث المغربي في العلوم السياسية محمد الزهراوي أن إمارة المؤمنين هي شكل من أشكال دولنة الدين أي جعله في بنية الدولة ؛ذلك أن صفة "أمير المؤمنين التي خولها الفصل 41 من دستور 2011 للسلطة الملكية تجعلها تحتل مكانة متميزة داخل النسق السياسي المغربي ، حيث ان المؤسسة الملكية لا يقيدها دستور و لا قانون لأنها تأتي بعد الله و رسوله . و إمارة المؤمنين آلية من آليات إضفاء المشروعية و الشرعية على المؤسسة الملكية حيث وظفت في السابق لمواجهة اليسار و القوى العلمانية التي طالبت بتقليص صلاحيات الملك . يمكن القول إذن أن الحقل الديني الذي يستمد منه الملك شرعيته الدينية من خلال إمارة المؤمنين له انعكاسات تخترق الحقول الاخرى ؛ سواء السياسية منها او التحكيمية ، وهذا الترابط يجعل الملك على غرار الدساتير السابقة يتدخل في كل المجالات السياسية المغربية الداخلية و الخارجية بدون قيود . و انطلاقا من اعتبار تاريخ الدستور المغربي هو تاريخ إعادة صياغة التقاليد لتقريبه من المتطلبات التاريخية و السياسة المعاصرة و ضمان استمرار مؤسسات تاريخية من خلال استعمال آليات عصرية ، وتأسيسا على هذا القانون فقد عرف المغرب تطورا تقلدانيا ، أي تم اللجوء الى استعمال مكثف للتقاليد. وختاما يمكن القول أن الهدف إذن من توظيف الشرعية التقليدية من طرف المؤسسة الملكية الى جانب الترسانة القانونية الدستورية هو ضمان استفراد هذه المؤسسة بالسلطة و الحفاظ على سموها ،و التحكم في باقي المؤسسات الدستورية من خلال آليات الضبط و التوجيه.