وأنا اسمع أحد الشباب يردد في يأس: "وطني كيف أحبه وهو يعتبرني مجرد رقم في إحصاء سكاني وغيري من الطبال والزمار والفاسد والمرتشي والخائن، هو من له حق القول والتعبير وأنا مجبور على سماعه والتصفيق له" ! سألت نفسي باستغراب " مامعنى " ! حب الوطن هل حب الوطن يكون بقرار؟ تعلمت من والدي أمسا أن الوطنية ليست بذل كل السبل والجهود للوصول و السعي لاقتناص ما يمكن اقتناصه من مقدرات هذا الوطن اذا سنحت الفرصة ،أو شعارات أو هتافات تردد وتلقى من على المنابر المختلفة أوكلمات منمقة تكتب على يافطات من قماش .تزين الشوارع تعلمت أن الوطنية حس وجداني وارتباط عاطفي بالارض والمكان ،إنتماء روحي و جسدي ،تعلق بموروث الاجداد لغة ،عقيدة، ثقافة ،تاريخا، جذورا وحضارة، فالوطن هو الرقعة .الجغرافية من العالم التي يكون المرء على استعداد دائم لفدائها بالنفس و المال و الولد ! كيف هي الوطنية اليوم في زمن الإرتزاق في زمن ليس بالبعيد في صحراءنا الحبيبة حيث إتقان فن مهارات العيش في في ظل صراع دائم مع البيئة ، نسج البدو قيما إجتماعية تعارفوا عليها ،أحبوها ومن ثم أسسوا مواقفهم وعلاقاتهم تجاه القبيلة التي هم أعضاء فيها ،فليس ثمة متسع في حياتهم لل “أنا” .وإنما “نحن”- تضامن تكافل وإيثار فهي سر بقاء الفرد والجماعة لكنّ رياح التّغييرهبت كذلك على سهوب الصحراء في ظل تراجع كوني للقيم النبيلة والأخلاق فانعكست سلباً على المجتمع الصحراوي وعلى تماسكه باكتساب عادات غريبة أخلّت بالتوازنات الموروثة فلم يعد محصنا من العلل الاجتماعية، فابتلينا بنخب سياسية فاسدة أهلكوا الحرث والنسل ، تسعى فقط لجني المصالح الشخصية والإرتزاق على حساب الوطن والشعب وإحتقار المواطن البسيط وتهميشه -لا مواطنة في ظل احتقار المواطن - .فكان نتيجة ذلك غياب الأنا الوطنية المخلصة المتفاعلة والمشاركة الواعية نخب إرتدت قناع النفاق كقدر بائس عميت بصائرهم وتعامت عيونهم فشاركوا في محافل الأفساد والفساد والظلم حتى أنهم إختزلوا ثقافتنا في الفلكلورات والمهرجانات والرقص ..،عوض العمل على نشر ثقافة حقيقية وتنمية فكرية من شأنها توعية الناس حول الصحراء قيمها وتاريخها ورجالاتها والأطماع التاريخية المتربصة بوحدتنا الترابية ومسخ .هويتنا الحضارية ونسوا وتناسوا العمل أيضا على إيجاد البنية الأساسية والتحتية للثقافة والإبداع، وإقامة المتاحف ودور المخطوطات والحملات الوطنية والجهوية لجمع وتوثيق الموروث الثقافي والفني،بالأضافة إلى دورات .للتدريب والتأهيل للكوادروالناشئة الثقافية والإبداعية، فهذه النخبة التي تتصدر المشهد اليوم. كلهم طامحون إلى السلطة والجاه ولكن الوطن ،الشعب وآماله وطموحاته هي آخر ما يفكرون فيه. وها نحن نعيش سنينا من الفشل بنفس الوجوه ونفس النخب ونفس السياسات! !فإلى أين أنتم ماضون .وقلبي على وطني فيا وجعي !ووالله لاأشكو وجعاً إلا إلى من يرجو عندهُ البرء .اللهم أنّي أجأر اليك من ظلم جائر أحلّ بالصحراء من أهلها وباهلها!فسلّم يارب سلّم