إذا كانت المواطنة مجموعة من القيم العلمانية الوضعية ترمي إلى ربط المواطن بمجتمعه قائمة على أساس العقد الإجتماعي ، تعني الإلتزامات كما تعني الحقوق تحت مطلق سيادة الدولة التي ترعى المصلحة العامة ، فهل يمكن الحديث في ظل سياسة الدولة المغربية وإفرازاتها عن وجود مواطنة حقيقية ، بعيدا عن الشعارات والشطحات الرسمية الملتفة التي تعقل مفرداتها ولا تفهم مركباتها تماما ككلام محيي بن عربي الصوفي؟ وأشرت هنا لابن عربي لكون فلسفة الدولة العلمانية تلتقي مع فلسفة الصوفي بن عربي في وحدة الوجود ، أي أن الدولة - العلمانية - هنا لا ترى إلا نفسها كما لا يرى بن عربي إلا الإله في كل شيء ! إن الإنسان المغربي نموذج للفرد الذي يلعن وطنه ومجتمعه وإخوانه ! والدولة هي المسؤولة بسياساتها عن هذه الإفراز الخطير الذي تؤدي ضريبته اليوم في قضية هي التي تحظى بالإهتمام الأكبر للنظام،وفي الحقيقة يمكن وضع هذا الإفراز في إطار آلية علمانية تحدث عنها ماكس فيبر وهي آلية الترشيد ، هذه الآلية كامنة في فكر بن عربي الذي تأثر بالفكر المسيحي وإن كانت العلمانية قد فصلتها عن القيمة لكنها في الأخير تهتم بسلوك إزاء الدولة "المطلق الوضعي الذي حل محل الإله" ! إن الإستثمار في الإنسان هو قنطرة العبور نحو تحقيق الأهداف والغايات وهذا الإستثمار هو ما ينقص الدولة ، هناك مجهودات مبذولة في تهيئة البنيات التحتية ، لكن لا مجهود يبذل لتهيئة الإنسان رغم ما قد توحيه السياسة الرسمية وهذا شبيه بنظرة الصوفية والمسيحية للإنسان ، الإهتمام بسلوك الفرد دون ما يحيط به في دنياه مقابل اهتمام الدولة بضبط سلوك الفرد تجاهها في إطار وحدة وجود الدولة وإلغاء الفرد فالفقير الذي لا يحلم بغير رغيف ساخن وبيت يأويه مطالب بمواطنة كالغني الذي يعيش في بذخ وفي ظل وجود مافيا الإستغلال والفساد التي تحلب هذا الشعب ، وعيب المواطنة هنا يتجلى في أنها لا ترتبط بقيمة أو خلق وإنما تفرض بقوة القانون وفي ظل غياب الدعامة الديمقراطية التي تنتج مواطنة حقة قوامها تفاعل المجتمع مع النظام السياسي! في التعليم وهو رهان كل دولة نجد الحكومة تهتم فيه بالبنيات التحتية بينما الرصيد البشري لا قيمة له ولا اعتبار ، التلميذ آخر من يفكر فيه هو ومدرسه المسكين الذي قهرته الوزارة بسياسة التجويع ، وهو ما توضح في الإقتطاعات الأخيرة للألاف منهم قبيل عيد الأضحى ! نرى أن المنظومة التربوية فشلت في تحقيق أهدافها وغاياتها الكبرى ومنها قيم المواطنة وهي لذلك منظومة سوريالية مثالية ، لننظر إلى المتعلم المغربي الذي أصبح في ظل هذه المنظومة البئيسة مضرب المثل في العنف و اللا تسامح وتخريب البيئة وإتيان أنواع الجرائم بصرف النظر عن ضعف التكوين والتحصيل! التعليم هو المدخل الأساسي من أجل الوصول إلى غاية تسوية ملف الصحراء، صحرائنا المغربية، لكن الوزارة لم تمد المتعلمين بمختلف الأسلاك ببرامج تعليمية تتمحور حول الصحراء وتاريخها وثقافتها ورجالاتها والأطماع التاريخية المتربصة بها إنما ومضات كلامية يوم 6 نونبر وكلام عام تافه في الإعلام الرسمي ، وعوض نشر ثقافة من شأنها توعية الناس بقضية الصحراء تنشر ثقافة اللهو والمجون والمهرجانات والرقص بين الناشئة دون اعتبار لانعكاس ذلك في ظل القيم المادية المعولمة على روح المواطنة نفسها والقاضية بتغليب الكيان الإجتماعي على الكيان الفردي بما يفسخ ذلك العقد الإجتماعي ! ووزارة الثقافة هي وزارة الفلكلورات والمهرجانات واختزال الثقافة في الرقص ! وزارة الأوقاف لا نسمع لها ركزا ولا تحرك فقهاءها الذين يشبهون الدمى من أجل توعية الناس بحب الأوطان ومن هذه الثغرة والنقص الذي أهملته الدولة تسلل الماكرون لملء الفراغ وشحذ الشباب المغربي ضدا على قضايا تهم الشعب أولا ثم الحكومة ومنها قضية الصحراء..نادت الدولة بالوحدة الترابية ونسيت أن مدخلها هو الوحدة البشرية ! مشاريع تنمية مادية لأقاليم الصحراء لم تصحبها تنمية فكرية..إن الشاب المغربي لن يجد كتابا يتحدث عن الصحراء المغربية ربطا لأهميتها الإستراتيجية بالمخططات الإستعمارية التاريخية والخطط الإمبريالية المحاكة والتي انتهت اليوم إلى صنع كيان باغ مدعوم من طرف الجيران ! الدولة المغربية بسياساتها كرهت المواطن المغربي في كل شيء وماعاد يثق في النخب الذين لا يتحدثون حسبه إلا عن مصالحهم الشخصية ، قضية الصحراء لا تهمه لأنها داخلة في حيز مصالح دولة لم تهتم يوما بالمواطن، مع وجود تيار مغذ لهذا الإتجاه وهي تيار اليسار المتطرف الذي تنتمي له جبهة البوليزاريو وتيار أمازيغي يناضل من أجل قضيته وحقوقه التي أهملتها الدولة، ووجود أفراد يدافعون عن حقوقهم الفردانية مدعمين من قبل علمانيين يحملون بين أيديهم معاول لهدم كيان المجتمع المغربي ! للأسف الدولة تؤد ضريبة فشلها في كل شيء..نحن بحاجة لدولة استعجالية ! من العار على هذه الدولة أن تنفق المليارات على الهابطين والهابطات ، وتجلب مدربا تغذق عليه بالأموال والإمتيازات بينما الشعب تحت وطأة الفقر والمرض والغلاء ! ثم بعد ذلك يتم الحديث عن المواطنة..لا مواطنة في ظل احتقار المواطن ،في ظل الإنتهاك السياسي ، وفي ظل حكومة ليست حكومة الشعب، في ظل غياب جوهر الديمقراطية..في ظل الإقرار بحقوق ينقصها نظام حاضن لها يفعلها ، في ظل غياب التشاركية والفاعلية المجتمعية..ما هو مبرر وجود الدولة ؟ أليس هو تحقيق المصلحة العامة ؟ ما نراه أن الدولة تعتني بالمصالح الخاصة وترسم سياساتها بعيدا عن المواطنين ! إن الدولة المغربية إلى اليوم فشلت في تحقيق الوحدة البشرية التي تعتبر مدخل تحقيق الوحدة الترابية ، والوحدة البشرية تعني ذلك الضمير الجمعي ، الأنا الوطنية المتفاعلة والمشاركة الواعية.. [email protected] www.hadakalami.blogspot.com face book: hafid elmeskaouy