بعد أحداث العيون ، هدأت العاصفة فتميزت خيوط اللعبة، التي أسقطت القناع عن اسبانيا و الجزائر، فمن يجيد قراءة الواقع ، سيفهم أن المغرب أجاد اللعبة و أدارها لصالحه رغم كل الخسارات في الارواح و الممتلكات، في الوقت الذي تحين العدو انزلاقا امنيا مغربيا باستعمال العنف و سقوط ضحايا مدنيين ، استعدت له آلته الدعائية بإيفاد عدد من الصحفيين المعتمدين و الناشطين الحقوقيين دون إحصاء المندسين منهم. في ترتيبات مسبقة من اجل تحصيل تنديد دولي يحرج المغرب، إلا أن صدمة العدو كانت قوية جدا عندما يسمع عن عدد الضحايا من قوات الأمن الذين لقوا حتفهم ، و الذين قتلوا و ثم التمثيل بجثتهم. و صدمة أقوى عندما يسمع عن رجال امن مجردين من السلاح في مواجهة عصابات مسلحة بشتى أنواع الأسلحة البيضاء،و الزجاجات الحارقة،و قناني الغاز. من الغباء إذن اعتبار المغرب قاصرا في تعاطيه مع الملف برمته، رغم ما أبانت عنه جهات من ردود فعل قاصرة عن الوعي بحتمية تقديم تضحيات لتحقيق أهداف إستراتيجية في خدمة المصلحة العامة للوطن،حفاظا على أمنه و استقراره. فطبيعي في مثل هذه الاحداث،أن يتم التعامل مع الوضع وفق ما يمليه واجب كل دولة ذات سيادة، لكن بكثير من الذكاء و التعقل، في التعاطي مع التفاصيل و التي خلفت ارتباكا مهولا في إستراتيجية لاعبي الخصم ، خاصة بعد تحييد الوجود الإعلامي الاسباني و الذي سقط في اكبر زلة سيخلدها له التاريخ ،لاستعماله و استغلاله صور أطفال غزة 2006 و نسبها إلى إحداث العيون، بالإضافة استغلال و استعمال صورة مذبحة سيدي مومن المؤرخة في يناير2010 و نسبها إلى أحداث العيون. لتقع الآلة الإعلامية الدعائية الاسبانية في شر أعمالها، البعيدة عن الحياد و الموضوعية . أكثر من ذلك تأكد التحامل من خلال الاعتداء الصريح على الدولة المغربية بالتحريض و الكذب على الشعب الاسباني و المنظومة الأوربية و أمريكا اللاتينية، و الذي كان الهدف المعلن من خلاله دعم الشعب الصحراوي، أما المبطن منه فهي ضغوط سياسية داخلية لإحراج و ابتزاز النخب الحاكمة أو سياسية خارجية لابتزاز امتيازات فلاحيه كما كان الشأن في أزمة الضحية خائنتو \" أمنتو مقابل الطماطم \" و التي لم تشوش على الموقع المتقدم للمغرب كشريك اقتصادي للمجموعة الأوربية. هي السياسة إذن و لعبة المصالح الإستراتيجية. خاسر أخر تسقط عنه ورقة التوت هي تلك العصابة التي كانت بالأمس القريب تلتحف عباءة حقوق الإنسان و تتشدق بها، هي الأخرى سقطت في شر أعمالها ، و كأنها لا تتصفح تاريخ مرجعيتها، و لا تعرف عن البوليساريو إلا شعاراته الرنانة. ولهم، و للتاريخ فقط القول، انه قبيل دخول الطلائع الأولى لمتطوعي المسيرة الخضراء كان الاتفاق الاسباني الجزائري بإنشاء كيان صحراوي في المنطقة يحفظ المصالح المشتركة لكلا الطرفين، فكان تهجير الصحراويين إلى الشرق اللبنة الأولى لجمهورية الوهم التي وضع في شكل مخيمات على الأراضي الجزائرية. و على مدى سنين، كانت آلة الاختطاف ألقسري من الصحراء المغربية نحو مخيمات الحمادة، بموازاة معها كانت الآلة الدعائية الديماغوجية تنشط لاستدراج المغررين بهم إلى الفردوس الموعود بتيندوف، لتطبق عليهم كماشة المخابرات الجزائرية و تحول الحلم إلى كابوس، و تجعل منهم ذراعا طويلة لنيل المطالب من جهة ،و من جهة أخرى لتجعل منهم يدا طويلة لضرب الوطن الأم في العمق. و بالنظر إلى طريقة تجميع الصحراويين بمخيمات الحمادة و التكتيك الذي تم به التخطيط لإقامة مخيم ضواحي مدينة العيون ،هو نفسه. إذ الادعاء بكون المخيم تجمع لحركة احتجاجية اجتماعية سلمية محضة ، لم يكن الهدف الحقيقي من ورائه إلا تجميع اكبر عدد ممكن من المغرر بهم مستغلين ضعفهم أمام غنائم الريع المتجذرة في وعي الكثير منهم، ليتم استدراج السذج والمستضعفين و الانتهازيين و البسطاء قصار العقول، من العيون و من خارجها. وتكتمل حبكة العملية باحتجازهم، لتحقيق أهداف سياسية وفق أجندة مكشوفة تنتهي بإعلان المنطقة مقاطعة انفصالية على غرار ولايات و أقاليم الوهم بتيندوف، في محاولة يائسة لإحراج الدولة المغربية في قعر بيتها قبيل انعقاد جولة جديدة من المفاوضات. تصدير جحافل من الميليشيات الملثمة و المدربة على حرب العصابات إلى المغرب إذن، هو تتمة لما قدمه سابقوهم باختراقهم الجبهة الداخلية تحت الغطاء الحقوقي و ما أصبح يصطلح عليه انفصاليو الداخل . و ها هي الأوراق من جديد تحترق جميعها و في لحظة اقل ما يمكن وصفها بلحظة الحقيقة . لتهوي أركان اللعبة القذرة، ويستيقظ الحالمون و الطامحون و الطامعون بمجد على أنقاض الخراب،و جثث الشهداء،على وقع انتكاسة جديدة،و خسارة فادحة و فاضحة لشر أعمالهم بين موالييهم من ذوي القربى ،المغرر بهم في لعبة قذرة كانت رقعتها مخيم اكديم ازيك . فكان لطول نفس الاستخبارات المغربية الغلبة على التكتيكات الانتحارية أو الأوراق المحروقة لان\" اللي فراس الجمل فراس الجمال\" . إن أهم خسارة مني بها العملاء الصحراويون في موقعة اكديم ازيك ،هي الثقة ، ثقة الشارع في حقيقتهم و حقيقة أية هيئة مدنية وحقوقية لاحقة تجعل من نفسها لسان حال المجتمع الصحراوي دونما ممثليهم الشرعيين من شيوخ القبائل أو المجالس المنتخبة، خوفا من استدراج و استغلال للسذاجة أو الأوضاع الاجتماعية، تحت مسميات النضال الاجتماعي و الحقوقي و في استغلال مشبوه لهامش الحريات العامة التي يتمتع بها المواطن المغربي في الشمال كما في الجنوب ، خاصة بعد ثبوت تورط أعداد مهمة من القاصرين المغرر بهم في أعمال التخريب. كذلك ثقة الشارع في حقيقة الملثمين العائدين، خوفا من طعنة بسكين غادر بعدما تكشف أن منهم مندسين من جنسيات أخرى، تبث تورطهم في اللعبة القذرة . حقيقة وهوية الملثمين الذين تم استقبالهم أيما استقبال و أكرم مثواهم على حساب من فضلوا الاستقرار بوطنهم المغرب عوض الانسياق وراء التغرير و الشعارات الهلامية لوطن لا يوجد إلا في المثل، كما هو الحال في دولة العراق الحر أو الصومال الإسلامي أو السودان الملغوم . فالمغرب على علله التي لا يتفرد بها في العالم، يبقى ارض التسامح و التآخي و الاستقرار المحسود عليه في نظر العديد من الصحراويين. و بالتالي فمن الحمق استبدال الأمن و الاستقرار و الرخاء، و لو في حده الأدنى الذي يحفظ الكرامة، بطلب العيش في كنف العدو أو تحت وصايته و أملاءاته، و الذي لم يره في الماضي ولا الحاضر إلا الذل و الهوان ، في مخيمات الحمادة كما في المهجر. ليتبين أن الإنسان الصحراوي في معادلة العدو الجزائري و الاسباني لا يعدو أن يكون بيدقا على رقعة اللعب تحركه أنامل الاستخبارات وفق أجنداتها ، إذ جعلت من قضية هذا الإنسان حصان طروادة الذي يمكنها من تحقيق المصالح و المطامع الاستعمارية. أحداث العيون درس لكل صحراوي ناقم على الوضع الحقوقي أو الاجتماعي أو السياسي الذي يعتبر في جميع الأحوال أفضل من مخيمات الحمادة و الجزائر و دول كثيرة عبر العالم، وضع فرضته ظروف أو ساهمت في تدهوره أياد نتنة ، للتأمل التحلي بالموضوعية،و دعوة لالقاء نظرة عن كثب على أوضاع \" أهل التل \"من أبناء الوطن الواحد في الجبال و القفار الشرقية وبين أزقة ودروب المدن العملاقة، ليحمد الله على نعمة الأمن و الكرامة و السكن، ، و الامتيازات التي تحضا بها المنطقة، قبل أن يسقط في أيادي البوليساريو راعيها الجزائر التي تلقفت سابقيه الذين منهم من قضى نحبه في الوهم، و منهم من عاد إلى الوطن، ومنهم من ينتظر،هم زمرة مصطفى الوالي السيد الذي اقر بالخطيئة تجاه الوطن و الشعب لتتم تصفيته ، أحداث تدعو إلى إعادة تشكيل وعي جماعي وطني وحدوي يعترف بالجميل و لا يجحد النعم، بكل موضوعية، و تجرد. أحداث في تجاهلها حتما سيكون الخاسر الأكبر فيها هو الإنسان الصحراوي، كما كان للإنسان العراقي بالأمس القريب،و الصومالي. بعد افتضاح المؤامرة إذن، حري بالجزائر التي تحتضن البوليساريو، أن تمنح على الأقل لمنطقة القبايل و للطوارق حكما ذاتيا ، و أن تمنح بعضا من الحريات و الكرامة التي ينعم بها الصحراوي في مغربه ، لشعبها و تخصص الملايير من عائدات النفط و الغاز الموجهة إلى التسلح لخدمة الشعب الجزائري و مستقبل أبنائه. حري بالجزائر أن تكفل حقوق المواطنة لمن ولد وتترعرع بتيندوف من الملثمين العائدين/ المندسين، و تجعل منهم مواطنين صالحين لوطنهم و لأنفسهم ، لا أن تجعل منهم ألغاما بشرية مؤقتة لنسف مساعي الوحدة و السلام بالمنطقة. حري باسبانيا جارتنا اللدود عبر التاريخ منح الباسك و الكاتالان و شعب كناريا و سبتة و مليلية استقلالهم، عوض توحيدهم بإثارة الأحقاد المترسبة في الذاكرة الأيبيرية نحو المغرب، في تصدير مفضوح لأزماتها الداخلية السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية ، خاصة بعد الطفرة النوعية التي يعرفها الجار الجنوبي\"المغرب\" كوجهة تستقطب الاستثمارات الأجنبية و التي تتجلى أساسا في القطب الاقتصادي ميناء طنجة المتوسط . و كذلك بفعل الأزمة الاقتصادية العالمية ،التي أبانت عن هشاشة الاقتصاد الاسباني ، العالة على الاتحاد الأوربي. و يكفي العلم أن تكون وحدها الطماطم و السمك قادرتان لان تكشفا لنا عن عورة جارتنا اسبانيا بغض النظر عن كون المغرب يشكل درعا امنيا أمام فلول المهاجرين السريين، و تجار المخدرات، و شريكا استراتيجيا في الحرب على الإرهاب. أحداث العيون إذن هي درس لكل مواطن مغربي ، امازيغيا كان أم عربيا، في الريف كما في الصحراء ،من وادنون إلى وادي الذهب، يجلي خطورة وواقعية ما يتهدد الوطن من أطماع و ما تدبر له من مكائد تعرقل مسيرته التنموية ، و وقفة لاستقراء المستقبل الملغوم الذي تعد به الشعارات الثورية الانفصالية الزائفة و تتبناه العديد من المنظمات و الهيئات الحقوقية المقنعة، ووسائل الإعلام المسمومة، التي تسعى في حقيقتها إلى تحقيق حلم منظري مشروع الشرق الأوسط الكبير بعد تقسيم المقسم و تجزي المجزأ إلى دول فتات و كنتونات تحت مسمى حق الشعوب في تقرير مصيرها