في ايامنا هذه اغلبية القرى والدواوير لاتحفظ ولاتحاول احياء ذاكرتها التاريخية التي تؤسس لاصولها وجذورها, اذ يعتبر التاريخ مراة تجسد بشكل اساسي ملامح الانتماء والهوية, وتعرف بالسلف من اجل ان يفهم الخلف اساس وجوده ويتعرف عن قرب عن الملحمات البطولية والتاريخية التي رسمها هؤلاء, والتي تشكل الذاكرة الجماعية التي تغرس في اللاوعي الجمعي للجماعات عبر التاريخ, والتي,,, تشكل صفحات لامتناهية لا في الزمان ولا في المكان لكي تبقى الحلقات مترابطة غير منقطعة ويعيد التاريخ نفسه في بعض اللحظات. لكن في ايامنا هذه, وبسبب ابتعاد الكثير منا عن البحث في الشان المحلي, صارت هذه الامور غير ذات اهمية وهي في الحقيقة اساس التطور والتقدم, فالامم والجماعات التي عرفت كيف تقرا تاريخها بشكل جيد هي التي استاطاعت ان تحافظ على الريادة, وبالتالي يجب ان نؤكد دور الجميع في الاهتمام بالتاريخ المحلي, والذي يشكل لبنة ضمن لبنات تاريخ هذا الوطن, وتاريخ مناطقنا من هذه الزاوية يعتبر احدى تلك اللبنات التي تشكل صرح هذا الوطن, وتعتبر المنطلق الذي من خلاله يجب ان ننطلق, فالكليات ماهي الا مجموع الجزئيات وبالتالي فتاريخ المنطقة التي انتمي اليها وانا معتز بالانتماء اليها تشكل جزءا لايتجزا من تاريخ هذا الوطن العظيم. ان طمس هذا التاريخ يتحمل فيه الجميع المسؤولية وهذا المشكل ساهم فيه القدماء وساهم فيه كذلك الجيل الحالي. القدماء يتخملون المسؤولية لانهم لم يقوموا بحكي التاريخ والجيل الحالي لانه لم يكلف نفسه عناء البحث والتنقيب عن الاحداث الممثلة لهويتنا الضائعة. ومن هذا المنطلق تعتبر قرية المعدر الكبير من بين هذه القرى الغافلة عن تاريخها وحافزا في نفس الوقت للنبش والبحث عن ذاكرة جماعية ضائعة تمثل رمزا من رموز الوحدة. ومما يجب ان نعرفه ان المعدر له تاريخ عميق والذي يرجع الى القرن 18 خصوصا مابين 1750م و1760م, حيث ان الجهة كانت تحت حكم شخص واحد يشهد له بالحكمة في امور الدين والمعروف ب "بودمايع" او " بودميعة ", وعمره انذاك مابين الستين والسبعين عاما, كان اعزب يكسب لقمة عيشه من كراء الاراضي ( المعدر) للصحراويين الذين يرعون ماشيتهم فيها لمدة طويلة فسموا المنطقة بالمعدر وهو مصطلح صحراوي وليس امازيغي, ومعناه ارض منبسطة مليئة بالعشب والكلا. ومن المعلوم حاليا ان المعدر تحده منطقة ماسة من الشمال, ومنطقة رسموكة من الشرق, وتحده تيزنيت من الجنوب, ويطل على البحر الابيض المتوسط من الواجهة الغربية بدواوره. ونفس الشئ كان عليه الحال في القدم مما جعل مالكه "بودمايع" يفكر في مستقبل المعدر, ولكي لا يتركه في يد الصحراويين توصل بفكرة مفادها ان يجعل هذا المكان قبلة للسكان الامازيغيين يقيمون فيه بعد مماته. وهذا ماجعله يسافر الى المناطق الجبلية الوعرة المسماة حاليا "ادوسملال" ويجلب منه نسبة من السكان يلقبون ب "ابودرارن" وقامت هذه العائلات المستقطبة و "بودميعة" بتقسيم المعدر الى اربع جهات وقاموا ببناء مسجد وسط هذه الجهات والذي تقول الاغلبية انه مسجد "امرزكان" الكبير. وكان "بودميعة" فقيههم الذي يقضي في امورهم الدينية ويصلي بهم صلواتهم نظرا لتفقهه في امور الدين. وقبل وفاة "بوديعة" بسنتين قدم اليهم رجلا يسمى ب"عبد الله اوسعيد" الذي كان تلميذا بالزاوية السملالية مما خول له ان يحتل مكان "بودميعة" بعد وفاته, وهو الشخص الذي دفن في المنطقة الرملية والمعروف بموسمه السنوي الذي يقام كل شهر اكتوبر. ليبقى السؤال المطروح لماذا يقام هذا الموسم في هذه المنطقة الرملية ؟ ولماذا دفن بها هذا الشخص ؟ فحسب البحث واجابة كبار القبيلة فان هذا الشخص كان زاهدا متصوفا وحبذا التعبد لوحده في تلك المنطقة وكان يصطحب معه السكان في اوقات الشدة خصوصا في اوقات الجفاف ليصلوا صلاة الاستسقاء وطلب العفو ومغفرة الذنوب في تلك الرمال . اما دفنه في تلك المنطقة فهو الذي طلب منهم ذلك. ولكي لا نغفل فقد قسم المعدر الى دواوير صغيرة لكل واحد اسمه ولكن بعضها يتشابه في الاسم مع دوواوير اخرى في منطقة "ادوسملال" وهذه الاسماء هي كالاتي: "بوارين،تكدالت،ايت اومنار" اذ ان الساكنة التي رحلت الى المعدر سمت هذه الاسماء انطلاقا من دواويرها الاصلية ب "ادوسملال" . ويذكر ان المنطقة دخلت في خضم الدولة العلوية في عهد المولى اسماعيل الذي ارسل بعثة تامر الساكنة بالاعتراف به وبناء قصبة تجسد حكمه وهي المتواجدة بدوار "اغبا" وكان اول قائد بها اسمه "احمد اوعلي" الذي كان متشددا في جمع الضرائب من اجل تسليمها للمقاومين والذين يمارسون الجهاد البحري. هذه لمحات من تاريخ المعدر والتي تشكل محطات خالدة للجيل الحالي فلا يمكن بناء معدر المستقبل بدون ان ناخذ شذرات ماضيه والتي ستنير المستقبل اكيد بانجازات ابناء المنطقة الغيورين على اصلهم.