خلف قرار رغبة المسؤولين المغاربة تأجيل منافسات كأس افريقيا للأمم التي ستنظم مطلع 2015 بالمغرب،بسبب انتشار داء ايبولا الخطير، الكثير من السجالات والنقاشات حول صواب القرار من عدمه، والتي تجاوزت حدود الوطن… لنتفق أولا على أن الرياضة وجدت للترفيه عن الناس وتفريغ النوازع،ونشر المحبة و السلام بين الشعوب، و خلق أجواء الفرجة و المنافسة الشريفة….لتتحول مع مرور الوقت،بفعل دخول المال إليها،إلى قطاع قائم الذات يذر الملايين في خزينة الدول و التي تفوق في كثير من الأحايين ما تدره السياحة والفلاحة…و غيرها من القطاعات.كما لا نبالغ إن قلنا إن ميزانيات بعض الفرق أضحت تفوق وبكثير ميزانيات دول افريقية….كل هذا أفرغ الرياضة من قيمها النبيلة التي وجدت لأجلها وزاغت إلى أهداف أخرى يمكن حصرها في البيع والشراء و التسويق لكل شيء بهدف الربح الذي أضحى مطمعا للأفراد والشركات و المستشهرين و القنوات الناقلة و ما تجنيه من عائدات الاشهار… هذا المنطق هو الذي جعل الكاف يرفض طلب المغرب الرامي إلى التأجيل ، رغم تحذيرات منظمة الصحة العالمية من خطورة هذا الوباء الفتاك الذي قد يبيد عددا من الأرواح لا قدر الله. إن المغرب سبق له أن ذاق ويلات الأوبئة التي أودت بحياة ثلثي المغاربة ونذكر من ذلك على سبيل التمثيل لا الحصر: وباء الطاعون الذي ضرب المغرب مرتين الأولى صيف 1798 و الثانية 1818 و النتيجة حسب بعض الدراسات أنه كان لا يبقى سوى 5 أشخاص من أصل 500 شخص في البوادي. أما في المدن فالنتيجة كانت وفاة ما يفوق 700 شخص يوميا وقد وصل عدد الضحايا في أحياء فاس إلى 15 ألفا، ولم يتبقى في الحي غير 30 شخصا. أما وباء " بوكليب (ثلاث نقط فوق الكاف) أي الكوليرا الذي عرفه المغرب سنة 1834 فقد ذكر ،كثير من المؤرخين، أن عدة مناطق أفرغت من أهلها إلى درجة أن الناس كانوا يقطعون البلاد طولا وعرضا دون أن يصادفوا أحدا… إذن،هل يحق للمغرب أن يجازف بصحة مواطنيه؟ و ماهي الشروط الواجب استحضارها عند مفاوضة مسؤولي الكاف يوم الثاني نونبر على هامش إياب كأس أبطال إفريقيا بالجزائر؟ إن التأجيل قرار منطقي وسليم و لا يحتاج أصلا إلى دفوعات أو تبريرات، فسلامة المواطنين فوق كل اعتبار،ولكن رغم ذلك لا بد من وعي المسؤولين عن القطاع في شخص وزارة الرياضة والجامعة والوصية ببعض الأمور الواجب استحضارها عند مجالسة المعنيين بالأمر، من جملتها محاولة إقناع الكاف بضرورة التأجيل إلى يونيو القادم بشرط أن يتم إعلان منظمة الصحة العالمية عن وضع حد لانتشار هذا الوباء و القضاء عليه. و إن لم يتحقق ذلك فلا ضير من إلغاء الدورة من أساسها و تعويضها بدورة 2017 بالمغرب خصوصا و أنه لم يتم بعد تحديد البلد الذي سيستضيف هذه الدورة بعد انسحاب دولة ليبيا لدواعي أمنية. كما على المسؤولين المغاربة تنبيه الكاف أنه في حالة التشبث بإجراء الدورة في وقتها المحدد في أنها ستكون فاشلة بكل المقاييس بسبب تخوف الجماهير التي ستمتنع لا محالة عن حضور المباريات، ومنع فرق أوربا محترفيها الأفارقة من حضور الدورة خوفا من نقل الوباء للاعبيها.ثم إنه إذا كانت بعض البلدان قد أغلقت حدودها في وجه أفراد تلك الدول التي تعرف انتشار و باء الايبولا،فكيف يمكن للمغرب أن يشرع أبوابه أمام هذه الكارثة الصحية التي تهدد سلامة الشعوب. ثم إن الاتحاد الإفريقي لكرة القدم (الكاف) الذي هدد بنقل التظاهرة من المغرب إلى دولة أخرى مع ما يعني ذلك من عقوبات قد تتخذ في حق الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، كالحرمان من المشاركة في التظاهرات القارية و غير ذلك من العقوبات…فمن هي هذه الدولة التي ستتطوع لاحتضان الظاهرة التي رفضها المغرب حفاظا على سلامة سكانه مع ما يعني ذلك من استهتار هذا البلد بأرواح مواطنيه؟… إن رفض تنظيم منافسات كأس افريقيا في المغرب مطمح الجميع، وما على المسؤولين سوى الذهاب إلى أبعد نقطة في مفاوضاتهم للكاف ، وحينها سنقول مرحبا لأي قرار قد يتخذ من طرف هذا الجهاز… ختاما، نود التنبيه إلى أن تأجيل منافسات هذه الكأس هو هدية إلهية للمدرب الوطني بادو الزاكي من أجل تدارك الوقت وتصحيح الأخطاء و رسم معالم فريق وطني قوي يلعب وفق خطط عقلانية مدروسة….وهو الذي انشغل بمنير الحدادي و بلعربي و غيرهم، و نسي تكوين منتخب منسجم و قوي بإمكانه نيل اللقب القاري الثاني في تاريخه.