خصصنا فيما مضى حيزا هاما لتسليط الضوء على ظاهرة انتشار الخنزير البري الحلوف بأدرار، كمؤشر على اختلال التوازن البيئي الناتج عن تفاعل عوامل متعددة منها ما هو طبيعي الجفاف، انقراض أصناف حيوانية كالذئب...ومنها ما هو بشري كالاستغلال العشوائي للمجال الطبيعي عن طريق الرعي والقنص واستغلال الثروة الغابوية بشكل عشوائي، ثم هجرة الساكنة وبروز أنماط جديدة من الحياة المنفصلة تدريجيا عن النشاط الفلاحي المعاشي الذي كان في صدارة الحياة الاقتصادية المحلية. وكل هذه الاختلالات تعززت بوفرة في النفايات، التي تضخمت بتزايد العمران وتنامي ثقافة الاستهلاك... الوافدة من تطور الاسواق المحلية، مع تراجع كبير في مجال تربية الماشية التي كانت حلقة مركزية في تدوير النفايات المنزلية التي تشكل اليوم مرتعا خصبا لتفريخ الحلوف الخنزير...وتطرقنا غير ما مرة إلى الانعكاسات السلبية للاستثمار في أزمات التنمية المحلية، غير أننا اليوم نرى أن حلوف أدرار مظلوم بشكل مبالغ فيه ويحمل أوزار غيره ومن تم وجبت كتابة هذه السطور لمن يعلقون فشلهم وكبواتهم على الحلوف. فلفرط انفصال النخبة السياسية المدينية من الاحزاب والنخب القادمة مع مواكب الحملات الانتخابية عن واقع الساكنة القروية وجهلها بالمعضلات الحقيقية للبادية المغربية أو بالأحرى جهلها بأن ساكنة هذه المناطق لم تعد بذلك القدر من الجهل الذي تتصوره، اختارت جل الاحزاب المتنافسة على أصوات أدرار تيمة محاربة الخنزير كعنوان عريض لحملتها الانتخابية، وكأن الخنزير ظهر فجأة ويتحمل مسؤولية الوضع الكارثي لتردي البنى التحتية وافتقار المنطقة للمرافق الخدمية الحيوية من مدارس جديرة بهذا الاسم ومستشفيات تقدم خدمات أخرى غير التلقيح وتوزيع الاسبرين ثم تصدير المرضى إلى المدن المجاورة، وقبل كل ذلك مؤسسات ومرافق تشعر الساكنة بالانتماء إلى هذا البلد السعيد. هذه الحقيقة لم تغب عن مهندسي الحملات الدعائية لشتى الاحزاب، لكنهم اعتادوا على الدوام استبلاد المواطنين والمواطنات والبحث بشتى السبل عن الطريقة الأمثل لتلقين الاميين والاميات والعجزة طريقة وضع العلامة في اللائحة المطلوبة في اليوم الموعود حتى يصعدوا سالمين غانمين إلى كراسيهم الفخمة، غير عابئين بالسياق السياسي المفصلي للبلد ولخطاب الاصلاح ومسؤولية الاحزاب في تأطير المواطنين وتأهيلهم للأنخراط في كسب تحديات التغيير الهادئ والعبور بالبلد نحو بر الامان، وكل ذلك مستحيل طالما أن الاحزاب جميعها تفضل تسيير قوافل انتخابية تحت ظلال خيام تنتقل من سوق إلى سوق، بدل فتح مقرات قريبة من الساكنة للتواصل اليومي والدائم والاصغاء المتبادل خارج ضجيج الوعود الانتخابية الفارغة. وعلى نغمات الخطاب الانتخابي العابر على ظهر الخنزير إلى قبة البرلمان، يصر قطاع كبير من أجيال الحاضر على تحميل الخنزير مسؤولية تفريطه في المجال الفلاحي المحلي ومقاطعة الأراضي بعدم حرثها واستغلالها كما كانت دوما تستغل، رغم توالي مواسم الامطار وتيسر الاشغال بوفرة الالات الفلاحية المتنوعة، ناهيك عن البرامج والأوراش العمومية المفتوحة لدعم وتشجيع النشاط الفلاحي المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، المخطط الاخضر، بالاضافة إلى وفرة رأسمال محلي قادر على الاستثمار في الثروة الفلاحية بالمنطقة وهي متاحة ولا تتطلب سوى المبادرة الشجاعة والغيرة على الأرض التي لا يجد الكثير من السكان طريقة لإبرازها غير إغلاق الطرقات ومحاصرة المنشآت العامة والفضاءات المشتركة في الدواوير والقرى، حيث لازالت دواوير وتجمعات متعددة في مناطق مختلفة بأدرار محرومة من الطرق والمسالك بسبب ًرار البعض على إغلاق تلك الطرق أو عدم السماح بشق طرق جديدة وكل ذلك بداعي الحرص على الأراضي وحماية إرث الاجداد. الاستثمار المطلوب بالمنطقة اليوم هو الاستثمار المسؤول والبناء النابع من غيرة وطنية وإخلاص للمغرب الذي يطمح إليه كل مغربي حر ... الاستثمار في الطاقات البشرية التي يتشكل منها النسيج الاجتماعي الغني بالكفاءات الاقتصادية والعلمية والفكرية التي تزخر بها المنطقة في سائر المجالات ... الاستثمار في الموارد الطبيعية الغنية والمتعددة والخامة التي لم تستثمر حتى اليوم لتطوير قطاعات اقتصادية تضمن تشغيل شباب المنطقة وأبنائها، فالنشاط الاقتصادي لا يقتصر على تفريخ المحلبات والمقاهي والمحلات الصغيرة التي يجهد بعض كبار التجار في تفريخها لتضييق الخناق على التجار الصغار والمبتدئين من الشباب الذين يقنعون بالقليل مقابل البقاء بين أحضان غني بالكفاءات الشابة في التجارة والادارة وفي سائر مناحي الحياة .. الاستثمار في الموارد الطبيعية الغنية والمتعددة والخامة التي لم تستثمر حتى اليوم لتطوير قطاعات اقتصادية تضمن تشغيل شباب المنطقة وأبنائها، فالنشاط الاقتصادي لا يقتصر على تفريخ المحلبات والمقاهي والمحلات الصغيرة التي يجهد بعض كبار التجار في تفريخها لتضييق الخناق على التجار الصغار والمبتدئين من الشباب الذين يقنعون بالقليل مقابل البقاء بين أحضان "تامازيرت"... الاستثمار في التعليم وتأهيل الانسان المحلي، رجالا ونساء، بدل الاستثمار في الامية والجهل لحسابات انتخابية ضيقة لا تتردد في صرف الملايين في الملصقات والمنشورات والحملات الدعائية التي تعلم الناس كيف يمسكون القلم وكيف يرسمون علامة في الخانة المطلوبة ... الاستثمار في التنمية بدل استثمار الازمات والمعضلات لمصالح فئوية ضيقة سرعان ما تتحول إلى أزمات أكبر تثقل كاهل الحاضر والمستقبل ... وفكرة استثمار كل ما سلف لا يمكن أن تتحقق دون ترفع النخبة المحلية عن الدريهمات الانتخابية التي تقايض بها التنمية المحلية، ودون خروج الاغلبية الصامتة المعتكفة في محارب الصمت عن صمتها لتقدم البدائل وتساهم بالنقذ والمبادرة من أجل إخراج المنطقة من وضع لا يخدم سوى مصلحة الحلوف ... وفي انتظار كل ذلك تركض قطعان الحلوف في السهول والجبال وتردد بأعلى صوتها : القنص لا يرهبنا والقتل لا يفنينا ...وبوغابة يحمي الأجيال فينا.