ذ.محمد أزرور ذات صباح يوم مشرق ربيعي، قرر ملك الفيروسات أن يثور على الأوضاع السائدة. ضاق ذرعا بالعيش في المختبرات المحصنة كالقلاع القديمة. سئم من حياة علب البيتري والأنابيب والمحاليل الدقيقة والمراقبة اللصيقة. قرر ولأول مرة في تاريخ الفيروسات أن يسيح في أرض الله الواسعة حرا طليقا..بلا قيود وبلا حدود ولتذهب بعد ذلك كراسات علوم الأحياء الدقيقة إلى مزبلة التاريخ..ومعها من لازالوا يؤمنون بها ويثرثرون حولها. لقد تحررت البشرية من كل شيء، فلماذا يبقى هو حبيس الخلايا الغبية التي احتضنته لقرون في أحشائها الداخلية؟ فيما مضى كان ممنوعا من السفر بين الأنسجة الحيوانية. لكل فصيلة فيروسها يهواها ولا يتخطاها إلى غيرها. مثلا، فيروس الحمير كان يعشق الحمير، ولم يجازف قط بهجرها إلى الكلاب الأكثر نباهة منها. وفيروس القردة كذلك كان متيما بها ولم يخطر بباله في يوم من الأيام أنه سيغادرها بسهولة إلى الإنسان. على الأقل هذا ما تقول به نظرية النشوء والإرتقاء التي صدعتنا لعقود وما زالت تصدعنا وتؤكد على أسماعنا أن أصل الإنسان من القرود وأن هذا التحول تطلب قرونا عديدة من التطور. لكن وعلى ما يبدو لم ينتظر فيروس القردة كل هذه القرون ليقرر هكذا فجأة الإستقرار في الخلايا الإنسانية الغبية حديثا بعدما كانت ذكية ذكاء فائقا قديما. رغم كل هذه المستجدات، سنستمر في ترديد ما درسناه في الجامعات بل واجتزنا فيه الإختبارات تلو الإختبارات : – الإنسان يعتلي قمة الكائنات الحية ولا سبيل لهذه المخلوقات المجهرية بالوصول إليه..إنه بعيد المنال في سلم التطور. هكذا نكون في مأمن من الزيغ أو الإنحراف عن جادة الطريق العلمية. حسن جدا! وبالطبع يجب أن لا نطرح الأسئلة التي ستحرجنا مع المقدسات العلمية من قبيل : – كيف سقطت الحواجز البيولوجية وصارت الكائنات الدقيقة تتنقل هكذا بكل حرية وتلقائية بين الفصائل الحيوانية..من الطيور إلى الخنازير إلى القردة..وانتهاء بالإنسان؟ – هل دخلت الميكروبات بدورها في زمن العولمة؟ – هل ما وقع من هذا الإختراق العجيب بقدرة قادر من الأرض أم من السماء؟ على أي فلقد دخلنا بغتة في عصر السياحة الدقيقة، بلا مقدمات من أي طينة كانت..تاريخية أم علمية أم منطقية..وبكل دقة وفي كل دقيقة باتت الكائنات الدقيقة تخترق كل شيء. وقد تكون طفرة نوعية في قوانين التطور كما علمونا بلا شك أن تتفق الفيروسات دفعة واحدة على الثورة والفكاك من جميع السلاسل البيولوجية! يجب أن نفتخر أننا نعيش في منعطف تاريخي ومفصلي من الحياة على ظهر هذا الكوكب..وأننا بتنا نرى بأم أعيننا ما كانت تقول به نظرية التطور..وبسرعة الضوء وليس ملايين السنين كما في كراسات الجامعات..لكن هذا ليس مهما! بين قوسين، ثورة الفيروسات صاحبتها ثروة المختبرات بالمليارات! ملاحظة هامشية بالتأكيد. كما أن التقدم العلمي هو عقيدة هذا العصر ولا يجوز بأي حال من الأحوال المساس بالمقدسات..وحقوق الملكيات..من الفيروسات..والطفيليات..والميكروبات..لأرباب المختبرات..والمساهمين في هذه الشركات. منذ قديم الزمان امتلك الإنسان الحيوانات الأليفة والدواب من الحمير والبغال والخيول… وفي العصر الحديث يمتلك الإنسان الميكروبات والفيروسات والطفيليات… ماذا في ذلك؟ بالطبع لا شيء. وبما أن كل شيء بات يباع ويشترى فلا ضير. لا ضير في تربية الفيروسات وفق آخر مناهج التربية الجينية لتتعود على الخلايا الغبية والذكية معا. كما أنه لا ضرر في ترويضها من جديد على الرياضات الجديدة..والأمراض الأنيقة..كما يقرر ذلك الناطقون الرسميون باسم هذه الكائنات الدقيقة..بمعادلاتهم الرياضية الركيكة..وحساباتهم البنكية العفيفة. ثار ملك الفيروسات إذن على الأوضاع المادية. وبالتأكيد ستلتحق به باقي الرعية بدقة متناهية..وبإخلاص عجيب في دقائق الأمور ودقيقها..لتنفتح لها وبدورها وعلى مصراعيها باقي الأبواب الموصدة. هكذا دأب الثورات منذ القدم..تحمل من في الأسفل إلى الأعلى وتهوي بمن في الأعلى إلى الأسفل. وبفضلها ستتربع الفيروسات على عروش البشرية. قد يطول الأمر قليلا أو يقصر، وقد تزهد الفيروسات في كراسي العروش أو في تيجانها. لكن..هل يكتفي مالكوها بالثروات التي راكموها من ثوراتها؟