*هذا المقال تتمة لما جاء في مقال سابق بعنوان: ''الطبيعة والثقافة وأزمات العلم'' العالم أسير قلقه ورعبه في هذه الأزمة العصيبة التي نجتازها في مواجهة هذه الجائحة البغيضة، اكتشفنا أن لا شيء من قيم الوجود، يعلو على قيمة الحياة. وبالتحديد، في سياق سيكولوجي كوني قلق، دقيق ومتميز، أقصد: في سعينا الملحمي إلى تسييد (من السيادة) فاعل معين وخاص هو: الإنسان. توقفت الدورة الاجتماعية بقطاعاتها الأكثر ديناميكية ونشاطا: أغلقت المدارس والجامعات وكل المؤسسات التعليمية بأصنافها ودرجاتها. وأغلقت الملاعب الرياضية الاحترافية والهاوية، وتوقفت البطولات الوطنية والدولية وانسحبت (الليغا) التي كانت تلهب حماسة الملايين إلى الوراء. وتأجلت كل الملتقيات الصغيرة والكبيرة على الصعيدين الوطني والدولي. نسي الجميع للحظة، نجوم الكرة العالميين، نسوا التطاحنات بين الريال مدريد والبارصا. كما توقفت كل الأنشطة الرياضية والفنية، حتى الملتقيات والمهرجانات الكبرى التي تكون مقررة سلفا. وانسحبت الرداءة الفنية إلى الوراء، كما انسحب صناع الفرجة الكونية، خاصة تلك الملوثة ببعض الأخلاق السيئة والقيم القبيحة والمقرفة للعولمة. توقفت الدورة الاقتصادية بشكل شبه كامل. تضرر الاقتصاد المهيكل وغير المهيكل. تم إغلاق عدد كبير جدا من المصانع ودور الإنتاج إلا قليلا منها، خاصة المراكز المنتجة للمواد والبضائع الضرورية للحياة بالذات. أما ما أعتبر غير ضروري لهذه الحياة، فقد أغلق إلى حين، رغم الخسائر التي ستلحق بأصحابها وأهلها ومستخدميهم (الله يكون في عوانهم). لا تجارة ولا مقاولات ولا دكاكين موضة ولا صيحات (ستيليست آخر زمن). ولا مقاهي ولا بارات ولا علب الليل والسهر والقمر. ولا قاعات للحفلات ولا (تريتورات) ولا منشطي المناسبات. ولا ولا. كان من الضروري أن يتوقف الاقتصاد العالمي، إلا ما كان منه إنتاجا ضروريا للحياة بالذات. وربما كان التأخر أو التردد في إعلان هذا القرار في بعض الدول الأوروبية والولاياتالمتحدة، سببا من الأسباب التي أدت إلى كوارث صحية ومضاعفات خطيرة على صحة المواطنين. ولم يكن ذلك كله متوقعا، إلى حد كبير، بسبب تغليب ميزان الأرباح والاستثمارات الربحية على الاستثمارات الإنسانية، أقصد على الحياة بالذات. ومن المفترض أن من أسباب تغلب الصين على الوباء بكيفية برجماتية، يعود في جانب منه إلى تغليبها بصرامة لمصلحة الإنسان ومصلحة الحياة على مصلحة الإنتاج الاقتصادي. ولا مساجد تفتح أبوابها. ففي خطوة جريئة ومحمودة إلى حد كبير، قامت الدولة المغربية بإغلاق دور العبادة (انتبهوا جيدا لهذا المعنى: إنها بيوت الله بمعنى رمزي عميق جدا). لأن الحفاظ على الحياة هو أسمى وصية إلهية، ولا مجال للمزايدة على الحق في الحياة بدعوة متطرفة أو شاردة للعبادة والتقوى. لأن الحفاظ على الحياة، من روح التقوى نفسه. وكيف يتأتى التقوى، إذا كانت الحياة، وهي أعظم وأقدس نعمة إلهية، مهددة بالزوال ومهددة بمخاطر لا نكاد نستطيع توقع جميع مضارها. وأكثر من هذا، فقد جاء شهر رمضان المبارك، وكان من الطبيعي، والمساجد في حالة إغلاق، أن يتم الإعلان عن عدم إمكان تأدية المصلين للتراويح والنوافل في المساجد كما العادة، مع إمكانية تأديتها الشرعية داخل المنازل، في سبيل نعمة إلهية تسمى بالحياة. حتى السياسة الدولية توقفت عن العمل، ولم تعد تشتغل سوى عن بعد. العلاقات الدولية والمجالس الحكومية أصبحت تتم بالهواتف الذكية وتقنيات: ''الداتاشو'' و''الفيديو كانفرينس''، والأقمار الصناعية والتطبيقات الذكية الأكثر تطورا. ولم يعد هناك زيارات متبادلة بين السياسيين الدوليين والمبعوثين الأمميين ورؤساء الدول والحكومات وغير الحكومات. واستراح وزراء الخارجية (شدو لرض) الذين لم يكونوا ينزلون من طائرة سوى للاستراحة، في انتظار طائرة أخرى، إذ انفرطت الزيارات الدبلوماسية المكوكية التي كانت تجعل الدبلوماسية الدولية تشتغل ليلا ونهارا. وهذا الوضع النشاز كله لم يكن غير نتيجة للأخطار المحدقة التي أصبحت تهدد الحياة وتنذر بتفاعلات خطيرة لهذا الوباء القاتل. لقد ''استراح'' رجال السياسة الدولية ونساؤها، لكي يحترموا ما أصبح يسمى بمسافة الأمان ولكي يتجنبوا حرج المصافحة والعناق الحار المتبادل والضحك بدون سبب ضروري، وأنتم تعرفون أن اللمس والعناق والمصافحة والضحك (الباسل أحيانا والمنافق في أحيان أخرى)، جزء من العمل الدبلوماسي (عليك أن تبتسم وتجامل لكي تتقدم خطوة نحو مصالحك، أو على الأقل لكي تكون لبقا وتعلن حسن النية). وهكذا لم نعد نسمع في قنوات التلفزة والفضائيات عن بنود ولا مواثيق ولا معاهدات ولا مشاريع تعاون تم إمضاؤها أو تم الخلاف بشأنها بين هذا الطرف أو ذاك. (أحيل على مقال لزميلي الأستاذ عثمان الزياني كلية الحقوق بوجدة في هذا الموضوع). أما الحروب الهمجية والعدوانية التي يشارك فيها اللوبي الدولي والإقليمي والمحلي، فقد خمدت نيرانها، لا حبا في السلام، بل خوفا من موت فيروسي غادر، وقصد إعداد العدة واللوجستيك اللازم للمرحلة اللاحقة من الدمار والتخريب والقتل الهمجي للأبرياء والأطفال والنساء وفقراء الشعوب المسكينة. وفي هذا السياق الاستعجالي، تم إغلاق الحدود بين الدول وتوقفت الرحلات الجوية والبحرية، في السماء والمحيطات، تلك التي كانت تقطع العالم من أقصاه إلى أقصاه في الليل والنهار. وظل الآلاف من أبناء كل الدول، عالقين في دول أخرى. بسبب هذه القرارات التي جاءت بسرعة شديدة وحتى بغير قليل من التعسف. وكانت فعلا مأساة إنسانية بدورها ذهب ضحيتها كل العالقين. ومنهم مواطنونا المغاربة. العدوان البشري على الحياة ليتنا بعد أن تمر هذه الجائحة البغيضة، نستوعب هذه القيمة العليا للوجود في سياق حكيم وبشكل أكثر عقلانية، فنقترب بحب أكبر وبعشق أبهى وأطهر إنسانية، وبنزاهة أشمل وأصدق؛ فنقول: لا شيء يعلو على قيمة الكائن الحي. وفي هذا الحضور الكثيف لطقس معنى الوجود، طقس الاستماع لسيمفونية الوجود وإيقاعاته الخالدة، وفي زحمة هذا الزمن المرتقب كزمن للمراجعات والمحاسبات الواسعة النطاق؛ فنقول آنئذ بصوت عال وعلى أوسع نطاق: ما هذا الذي فعلناه في حق هذه الطبيعة المسكينة. لقد أهلكناها وقتلنا فيها كثيرا من مقومات وخلايا الحياة. (سفينا ليها الروح وحلبناها مزيان وحنا داسرين). هذه الطبيعة المغبونة، والمغلوبة على أمرها، والمستضعفة التي كنا نرى فيها فقط مواد أولية، ومصادر للطاقة لا تنضب ذهبت أرباحها الضخمة، إلى جيوب المافيات و(الشفارا أنتيرناسيونال). ولم نكن نرى فيها غير ثرواتنا وهي تكبر وتتضخم وندخل بها فاتحين منتصرين سوق المضاربات والسمسرات الوسخة، أسواق المال، والبورصات العالمية في نيويوركوباريس وسيدني ولندن وحتى في بورصة الدارالبيضاء. تضرر الكائن الحي كثيرا من سلوكياتنا الأنانية، وتضرر الشجر والحجر. وتضررت الأنواع البيولوجية الكثيرة النادرة وغير النادرة من فضاعة أنانيتنا ووقاحتنا. وتضررت الحيوانات الأليفة وغير الأليفة، من توحش رأسمال جارف يجرف كل ما حوله ويحوله إلى ضيعته وإلى محفظته الخاصة وملكيته المزيفة. نحن نعاني الآن على المستوى العالمي، من تهديد خطير لحياتنا من طرف جسم أو جسيم بيولوجي سماه العلماء: كوفيد 19. وهذا الجسم لا يظل حيا سوى حين يعثر على خلية ينمو ويتطور في خلاياها حتى يقضي على صاحبها الإنسان بالضربة القاضية القاتلة: (حتى يدي مول الأمانة أمانتو). وهذا بطبيعة الحال، حين لا يتمكن الطب من إنقاذ المريض. إنه زمن مناسب لمراجعات لا حصر لها في علاقة الإنسان بالإنسان، وفي علاقته بالطبيعة. فكم من الخلايا انقرضت من الطبيعة نتيجة لصلف الإنسان الذي قتل فيها الحياة وضحى بالروح، في سبيل طمعه وعقله المافيوزي اللعين. في زمن الرأسمالية المتوحشة، اقتصادا وقيما وسلوكا. فكم قتلنا من حياة في الطبيعة. ونحن اليوم نعاني ونتضرر من اعتداء بيولوجي يسمى كوفيد 19، على حياتنا (كانتمسكنو وغادي نموتو بالخوف). ولا حياة للإنسان في المستقبل بدون طبيعة حيوية ونظيفة ومتمتعة بماهيتها كما يقول الفلاسفة. ومحققة لنموها وتكاثرها بطاقاتها البيولوجية الأصلية. ولا نستطيع أبدا أن نستغني عنها، حتى في زمن تكنولوجي رقمي. لقد استخرجنا منها الذهب والفضة وكل النفائس. واستخرجنا منها أقوى المواد الطاقية كالكهرباء والبترول (النفط). وحين أحسسنا بقرب أو إمكانية نضوب هذه الموارد. عدنا إليها لا نلوي على شيء( كالتلميذ الداسر المشاغب يعود إلى أمه أو معلمه)، نبحث عن طاقات بديلة فاهتدينا وما زلنا نهتدي بأن (مولاتنا الشمس الساطعة) تستطيع إنقاذنا من الانهيار والهوان ومن كوارث جفاف أو على الأقل شح الموارد الطاقية. فسواء كان هذا الفيروس/الفيروس كما يقال هذه الأيام موضة أنكلوفونية، من مصدر طبيعي، أم من مصدر بشري تمت فبركته في المختبر (لا ندري شيئا في هذه اللحظة على الأقل)، فإن الإنسان سيد نفسه (من التسييد) على الطبيعة، بأسلوب استبدادي حقير وفاقد لكل القيم الطاهرة التي تعلمنا الطبيعة إياها يوميا وتدعونا الأديان إليها بشكل مبدئي. وهو اليوم يبكي بحرقة ويحصي موتاه وضحاياه. وما هي سوى نزوات للعلم، حين يكون مريضا بكبريائه البغيض. وعقله الزائد عن حده (لأن العلم طاقة وانكشاف حيوي. نجبدو منها الخير ونجبدو منها الشر). الطبيعة سر الوجود: الطبيعة بيتنا الآمن هذه الطبيعة في الحقيقة لغز من ألغاز الوجود. إنها عالم مركب من الرموز، ينبني رياضيا وهندسيا، وبيولوجيا وفيزيائيا وجيولوجيا، على: جدلية غامضة بين البوزيتيف والنيكاتيف. إنها فكرة التضاد وحتى التناقض التي أسالت كثيرا من المداد الفلسفي والعلمي، عند القدماء والمحدثين كليهما. إنها طاقة ساحرة من التدفق والانكشاف والعطاء، لا تنضب أبدا. كان فلاسفة عصر النهضة الأوروبي قد ابتكروا نظرية فلسفية جريئة وانتشرت على نطاق فكري واسع. اسم هذه النظرية: نظرية الحق الطبيعي. إن الطبيعة هي المصدر الذي يستقي منه هؤلاء مجموعة كبيرة من الحقوق التي من المفروض أن يتمتع بها الإنسان، دون حاجة إلى إثبات عقلي وبرهان منطقي. وقد اعتنق هذه الفكرة الجميلة، مع تحويلات نظرية من فيلسوف إلى آخر، فلاسفة عصر الأنوار أنفسهم، رغم أنهم لم يكونوا محكمين غير العقل. فالإنسان حر بالطبيعة ومتمتع بحقوقه المدنية كلها بالطبيعة. ومن الواضح أن هؤلاء أحبوا هذه النظرية لكي يواجهوا الاستبداد والحكم المطلق والنزعة الإمبراطورية للكنيسة الكاثوليكية وهيمنتها على المشهد الفكري والعلمي والثقافي في القرون الماضية. ولاحظوا معي أن حقوق الإنسان، منذ هذا التاريخ، تم استقاؤها من الطبيعة بالذات. ، بغض النظر عن تحكيمنا لها من مصدر طبيعي أم الهي. وضعي أم سماوي. إن الطبيعة هي أصل: ''نظرية العقد/التعاقد الاجتماعي'' عند جون جاك روسو. بمعنى أن قيم التضامن والاجتماع كلها مستقاة من أصل طبيعي. يزكي منطقا إنسانيا يشكل روح إنسانية الإنسان. والليبرالية في أصلها تقوم على قدسية الحرية (ليبيرتي). وكل الرواد المؤسسين لليبرالية في الزمنين الحديث والمعاصر، انطلقوا بصفة إجمالية من مبدأ مشترك هو: الأصل الطبيعي للحرية. ويسمونه: حالة الطبيعة، كما بلورها عدد لا حصر له من الفلاسفة ومن أهمهم جون لوك الإنجليزي (1632-1704). إن حالة الطبيعة، كما يقول عالم السياسة الشهير: ''جورج بوردو'': مبدأ أو مكتسب قبلي بالنسبة للأرضية الفكرية التي قامت عليها الليبرالية بالكامل. وهذا يعني في جميع تجلياته، أن الطبيعة هي أصل فكرة الحرية. ولم تكن هذه الفكرة محتاجة إطلاقا إلى تبرير نظري، كما لم تتأت لنا فحسب من قلب تجارب عقلية أو اجتماعية وسياسية. إن ''حالة الطبيعة'' أصل افتراضي. وفي هذا السياق بالذات، يحلل ''مونتيسكيو'' (1689-1755) القوانين من خلال أصولها الطبيعية، فالقوانين على حد تعبيره: ''هي العلاقات الضرورية الناتجة عن طبيعة الأشياء''. ومن روح القوانين الطبيعية، انبثقت القوانين المدنية (الاجتماعية-السياسية-الاقتصادية-الثقافية). أليست هذه الطبيعة، من هذا المنظور الفلسفي الافتراضي، أصلا من أصول الاجتماع البشري؟ وبالتالي فإن التفريط في هذا الأصل، تفريط في الإنسان بالذات وتعريضه لكل أشكال المحن والأزمات والكوارث المختلفة، اقتصادية واجتماعية، بيولوجية وفيزيائية. في تفكيك العلاقات المعقدة والملتبسة، رغم شفافيتها القبلية (كما رأينا)، ينجلي لنا تعامل براجماتي وأحيانا انتهازي ومغلب لمصلحة الوقت (الإيديولوجيا) من طرف الإنسان في العصر الحديث دائما، وهي مصالح لها مشروعية معينة بطبيعة الحال في ظل السياقات السياسية والأزمنة التي طرحت فيها. إنني أفكر الآن في رائدين من رواد هذا العصر، في حقل الفلسفة السياسية. الأول هو الإيطالي: نيكولا ماكيافيلي. والثاني هو الإنجليزي: توماس هوبز. لقد قدم هذان الفيلسوفان وصفة ونظرية للحكم، خاصة في صيغته الاستبدادية، انطلاقا مما سموه حقوقا طبيعية. يحق للأمير بالنسبة للأول، ويحق للإمبراطور بالنسبة للثاني، أن يتمتع بها بشكل مطلق، وهذه الحقوق اعتلت إلى مقام حقوق إلهية لا حد لها. يقول لنا مؤرخو الفلسفة دائما حين يقدمون لنا بعض الثورات الكبرى التي قامت بها الأزمنة الحديثة، لتخرج مما سمي: عصور الظلمات (وفي هذا الحكم بعض التجني، والمقصود هو القرون الوسطى الأوروبية) إلى عصور النور والعلم والعقل، في سياق تأسيس أركان الحداثة؛ إن الإنسان حقق ثورات وفتوحات كبرى من خلال تطور علوم الطبيعة، بحيث فكك الإنسان من خلالها كل الألغاز والأسرار القديمة التي كانت تجعل من الطبيعة فضاء مغلقا يميل إلى السحر والتفسيرات الغيبية والميتافيزيقية أكثر مما يميل إلى العلم. وساهم في هذا التفكيك من عصر النهضة إلى الأزمنة الحديثة، مسار علمي شارك فيه علماء كبار، كوبيرنيكوس وكيبلر وجيوردانو برونو وإسحاق نيوتن، إلى ألبرت أنشتاين وغيرهم. ومما لا شك فيه اليوم أن هذه الثورات انحازت عن أخلاقها وقيمها المبدئية المؤسسة لها في زمن علمي جميل ومسؤول. فما يسمى اليوم بالحروب البيولوجية بين كبار العلم والتكنولوجيا، والاستعدادات النووية، في الشمال وفي الجنوب معا، والسوق الرائجة لما يسمى أسلحة الدمار الشامل التي يزداد زبناؤها وتتكاثر أسواقها السرية والعلنية، وسلسلة الحروب الهمجية التي ترعاها قوى عظمى وإقليمية مختلفة، ويذهب ضحيتها مدنيون في مناطق عديدة من العالم. كلها تمثل تشويها لأهداف العلم وتهدد حياة الإنسان والطبيعة معا. أما الرأسمالية المتوحشة، بآلاتها التقنو-علمية الفتاكة، فقد قتلت في الطبيعة من الخلايا والكائنات، أكثر مما نحرت من الناس في ساحات المعارك الرخيصة والعديمة الأخلاق. معارك أصبحت برية وبحرية بالاسم فقط، إذ يتم كثير منها بتقنية: ''الريمووط كونترول'' إنها معارك عن بعد. بالأقمار الصناعية الخطيرة والتطبيقات الذكية والنانو تكنولوجي، وعلوم الفضاء والطائرات بدون طيار. ولا عجب أن نجد الصينوالولاياتالمتحدة، من أكبر ملوثي الكرة الأرضية، وأكثر القوى الكبرى تهربا من توقيع اتفاقية باريس وكل المواثيق الدولية التي تحمي بيئتنا الجميلة وطبيعتنا الغالية. أقصد حياتنا بالذات. وكل المؤتمرات الدولية حول البيئة، أقصد تلك (الكوبات) الكثيرة، لم تفلح في الحد من توحش الصينوالولاياتالمتحدة واللاعبين الآخرين المختبئين. وأجدني أتذكر بتقدير كبير، تلك السيدة الفاضلة التي تسمى: كرو هارليم برونتلاند، وهي طبيبة وسياسية نرويجية، كانت في زمن مضى (1998-2003): رئيسة منظمة الصحة العالمية، واشتهرت برئاستها للجنة أممية أعدت تقريرا سمي باسمها: تقرير برونتلاند، حول التحولات الإيكولوجية الجديدة في العالم وبناء تصور جديد لمفهوم التنمية المستدامة، وكان ذلك سنة 1987. لقد نبهتنا باكرا إلى كثير من مخاطر الاعتداء العلمي على الطبيعة، ونبهتنا إلى مضاعفات وأخطار التلوث وما نسميه اليوم: الاحتباس الحراري. أليس كل هذا تهديدا للحياة، بإنسانها وبطبيعتها. لقد رسخت برونتلاند فينا ثقافة جديدة، هي الفلسفة الإيكولوجية. ألم يكن مطلوبا منذ مدة، أن ننتقل من مستوى التعاقد الاجتماعي الذي بلورته فلسفة الأنوار، بل كل أشكال التعاقدات و''التواثقات'' التي بلورتها فلسفة ما بعد الحداثة، إلى صيغة بديلة يحضر فيها الإنساني والطبيعي جنبا إلى جنب، أو إلى ميثاق كوني جديد سماه الفيلسوف الفرنسي المعاصر ميشيل سير: ''التعاقد الطبيعي''. لاحظوا معي أن الطبيعة صارت منذ تعرف عليها الإنسان: ''بيت الوجود'' وحاضن هذا الكائن العبثي الجشع الذي لا تعرف نزواته حدودا ولا أخلاقا. وهذا الإنسان لجأ إلى الطبيعة طالبا فك شفرات وجوده وتنمية حياته، عبر العلوم الدقيقة والطبيعية، والعلوم الإنسانية والاجتماعية على حد سواء. فالعلوم الطبيعية استخرجت من الطبيعة كل الثروات التي نعرفها، وهي الثروات التي بنيت بفضلها الحضارة وتحقق بها العمران والنماء، وازدهرت بها الصناعات المختلفة التي طورت مستوى الحياة بالذات في تجلياتها المختلفة. وفي الطبيعة وجد علماء الطبيعة فضاء بيوطبيا غنيا بكل ما يحتاجونه من مواد كيميائية وبيولوجية، خلقت مواد حيوية قامت عليها كل التجارب المخبرية الدقيقة التي طورت مستوى الحياة عند الكائن الإنساني، بحيث شكلت له حماية من الأمراض والموت والفناء. أما العلوم الإنسانية والعلوم الاجتماعية، فقد وجدت في الطبيعة، وهي في كامل بهاءها وإشراقها؛ وجدت في أنظمتها وقوانينها المحكمة الإتقان والجريان، كل ما تحتاجه من قوانين وتشريعات لنظامها الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، قصد عقلنة وترشيد الحياة الإنسانية بطبيعة الحال وضبط حقوقها وواجباتها ومؤسساتها المختلفة. تصوروا أن الفلسفة السياسية من عصر النهضة إلى الفلسفة الحديثة، استقت واستلهمت من الطبيعة كل المتضادات المفاهيمية التي يمكن تصورها. وهكذا، فكما استلهم منها فلاسفة ورواد النظرية الليبرالية، كمونتيسكيو (1689-1755) وجان جاك روسو (1712-1778) وأليكسي دو توكفيل (1805-1859)، وجون لوك (1632-1704) وغيرهم. صفاء القوانين وأولوية الحرية والمساواة والحقوق الفردية، ها هو جون لوك يعبر عن هذا الاستلهام: ''إن الناس جميعا، بالطبيعة، أحرار، متساوون، ومستقلون. (مقالتان في الحكم المدني)؛ كذلك استوحى منها فلاسفة نظرية الحق الطبيعي وعلم السياسة في عصر النهضة، نيكولا مكيافيللي (1469-1527) وتوماس هوبز (1588-1679) كل أخلاق الحكم الاستبدادي والحكم الشمولي. وهوبز يقول: ''إن الطبيعة (أي الفن الذي صنع به الله العالم ويحكمه) يقلدها فن الإنسان، كما يقلد أشياء أخرى كثيرة. إن الطبيعة تنبض بالحياة، هي النشوء والنماء كما قال أرسطو في كتاب ''ما بعد الطبيعة''، وفي قلبها لا توجد المتضادات الكيميائية والبيولوجية فحسب، بل أيضا توجد فيها المتضادات الفكرية والروحية؛ وكل هذه المتضادات لا تنجلي سوى حين تخرج من حقل الطبيعة إلى حقل الصنعة والفن والصناعة، بمعنى في اللحظة التي تتحول فيها هذه المواد البيولوجية والروحية والفكرية، إلى أبنية علمية أو فلسفية أو دينية، واقتصادية واجتماعية وسياسية. وهذا يذكرني بما يسميه مؤسسو الليبرالية: المرور من حالة الطبيعة إلى الحالة المدنية. والتناقض أصل الوجود وجذره الميتافيزيقي الأقوى والأعمق. ولنلاحظ أيضا، كيف أن العلم تطرف في الاستثمار في صناعة الدمار: قتل الإنسان وقتل الطبيعة معا، ولم يوف علوم الحياة حقها من العناية البحثية. فرغم كل الفتوحات التي نعرفها في البيولوجيا والكيمياء، وجملة العلوم الطبية التي تطور الصناعة الدوائية والوقائية التلقيحية، ورغم كل الجهود العلمية التي تصون الحياة اليوم وهذا لا شك فيه، ها هو "كوفيد 19" يتحدانا ويقتل فينا بلا حياء. وربما ظهرت غدا فيروسات أخرى ستقف في وجهنا. وستفتك بما لا يمكن أن نتوقعه من الأرواح. الحفاظ على الحياة كواجب أخلاقي: إمانويل كانط الإيكولوجي لنفترض بحسن نية، وهذا واجبنا ما دمنا لا نملك معلومات تفيدنا، أن هذا كوفيد 19 ليس من صنع بشري، لكن: هل لنا أن نعرف كم زرع العلم من ''الفيروسات'' وهي جسيمات معدية بطبيعة الحال، بمعنى متنقلة العدوى والضرر، في المجال الحيوي (ليكوسيستيم)؟ ألا يؤدي هذا الزرع المجنون إلى عواقب كارثية على عدد كبير من التوازنات البيئية والبيولوجية، وعلى عدد لا نعرفه من الكائنات الحية ، وربما إلى نفوق عدد كبير منها في البراري والبحار والمحيطات في غفلة عنا. أليست هذه الأمراض البيئية فيروسية تنتقل بسرعة معينة من فضاء إلى فضاء، وبالتالي على سبيل المثال لا الحصر: انتقالها من الحيوان إلى الإنسان؟.. وقد تم زرعها بشكل مقصود أو بشكل تجريبي غير مقصود. وفي الحالتين، فالنتيجة واحدة بطبيعة الحال؟.. إنها احتمالات مشروعة في ضوء ما يحدث الآن في العالم. لقد قالت منظمة الصحة العالمية منذ أيام إنه تأكد لها بعد القيام بخبرة بيوطبية أن الفيروس (الفايروس) كوفيد 19 لم ينم نتيجة عمل مختبري للعلم، على أساس ثبوت عدم قابليته للتعديل الوراثي (الجنتيكي). وتقول الولاياتالمتحدة إن الفيروس خرج إلينا قاتلا من مختبرات ووهان الصينية. بعيدا عن هذه المزايدات وبعيدا عن هذا السجال. وسواء خرج الفيروس من الطبيعة أو من المختبر، فهو في الحالتين جسيم حي جاء إلينا طبيعيا أم معدلا، من طبيعة تم العبث بها بيولوجيا منذ مدة طويلة. والطبيعة حياة تفاعلية عميقة، ويحتمل نتيجة لهذا العبث التيكنو-علمي، إنتاجها لفيروسات أو سموم أو جراثيم، لست أدري ماذا أيضا (أترك للعلماء المختصين إفادتنا). لا نعرف اليوم شيئا عن طبيعتها وخريطتها الوراثية. رغم تقدمنا الخارق. هل ستؤدي بنا هذه الأزمة العميقة في الوجدان الإنساني الكوني إلى أزمة حادة في العلم؟ وهل سينتج عنها ما يسميه توماس كوهن (1922-1996) في رصده المرجعي:' 'لبنية الثورات العلمية'': ''براديغمات'' جديدة للمعرفة العلمية. وهل سيقوم في الزمن القريب أو البعيد ما يمكن أن نسميه: ''تيار نقد العلم''. وربما يقوي صعود النزعات السياسية والثقافية الإيكولوجية المنتشرة عبر العالم والمدافعين عما يسمى: ''السلام الأخضر'' (كرين بيس). وقد شهد تاريخ العلوم فيما مضى، مذاهب فكرية كانت ردود أفعال قوية وحادة على أزمات معينة في البحث العلمي، وعلى ما أعتبر استهتارا للعلوم الطبيعية بالإنسان وقيمته السيادية السامية. ففي نهاية القرن التاسع عشر وبداية العشرين مثلا، عرفت أوروبا تيارا فكريا قويا، غلب عليه التشكيك في التصور النيوتوني للعالم ولمبدأ الحتمية المادية، تزعمه علماء وفلاسفة. مكانتهم رفيعة في ساحة الفكر العالمي. لا نعرف شيئا في الزمن الحاضر. لعل العلم، وخاصة علوم الحياة (البيولوجيا والعلوم الطبية)، تسابق الزمن قصد البحث عن أدوية فعالة وبشكل خاص من أجل إيجاد لقاح يوقف هذا الزحف الفيروسي (الفايروسي) الخطير. والمختبرات العالمية الكبرى أعلنت سباقا محموما في هذا السياق، في تنافسية على أوسع نطاق، قصد تحقيق السبق العلمي العالمي. مرض الطبيعة يعني في كثير من الأحيان، مرض الإنسان. ونحن نجد الفيلسوف الألماني: ليو ستراوس (1899-1973)، يؤكد هذا المعنى البيولوجي والبيو فيزيائي المحض للطبيعة، حين يقول: ''يبدو أن الكلمة اليونانية للطبيعة (فيزيس) تعني أساسا "النمو"، ومن ثم فهي تعني أيضا ما ينمو فيه الشيء، إنها تعني لفظ "النمو". أي الطابع الذي يمتلكه شيء ما عندما يكتمل نموه، أي عندما يستطيع أن يفعل ما يستطيع أن يفعله أو يفعله بصورة أفضل. فالأشياء مثل الأحذية أو الكراسي لا "تنمو"، ولكنها تصنع، فهي ليست "بالطبيعة" بل بالصنعة أو "بالفن". ومن جهة أخرى هناك أشياء "بالطبيعة" دون أن "تنمو" وحتى دون أن تخرج إلى حيز الوجود بأية طريقة. إذ يقال إنها "بالطبيعة" لأنها ليست مصنوعة، ولأنها "الأشياء الأولى" التي خرجت منها أو عن طريقها، كل الأشياء الطبيعية الأخرى إلى الوجود. ومع ذلك، فإن الطبيعة إذا فهمت، لا تعرف عن طريق الطبيعة. فالطبيعة يجب أن تكتشف. (في تاريخ الفلسفة السياسية).. إن الولوج إلى الطبيعة، هو بالضرورة عمل بشري. وفي هذا الاكتشاف البشري كثير من التجني الإنساني على الطبيعة. وفي نهاية التحليل، على حياته نفسها. والطبيعة لا تكون في وضع انكشاف كامل، سوى حين تكتشف. فهل يمكننا اليوم، أن نتصور مستقبلا طاهرا للحياة، في غياب التوازنات الحيوية بين الطبيعة والإنسان. وهي في نهاية المطاف توازناتنا الذاتية. ألا فإني أرى هذه الجائحة تستفزنا وتطالبنا بمراجعات كثيرة، تقودها روح فلسفية ناقدة وعاشقة للحياة ومحفزة على الإبداع والابتكار والتعقل، وروح دينية متحررة من الوصايا السيئة للخرافة والشعوذة والتجارة الدينية، وعاقلة ومحفزة على العمل والحياة والتفاؤل، لا على الكسل و''التدين الانتهازي'' (الذي لا يفيد شيئا على المستوى العملي)، والتشاؤم، دون الاكتراث لما للحياة الدنيا من حقوق يلزم الوفاء بها، وروح علمية تغلب قيمة الإنسان على كل القيم المتطرفة للرأسمال المتوحش والاقتصاد الإرهابي الجشع؟.. لا يتحقق التوازن بين ''الطبيعة الطابعة'' و''الطبيعة المطبوعة''، سوى في فلسفات وحدة الوجود، وهو تحقق في جميع إشراقاته الروحية، نظرية استباقية لرجاء وجودي قلق، ومن جهتنا، وعلى مستوى حياتنا المعيشة العملية، ليتنا كبشر، نستطيع فقط، تقريب المسافات بين الطبيعتين كما أرادها أصحاب وحدة الوجود وكما عشقوا جماليتها وطهرانيتها، ما استطعنا لذلك سبيلا. لقد بات من الضروري والبشر يواجهون خطرا محدقا بالحياة، أن نفكر في ميثاق جديد، تلتقي فيه أخلاق الإنسان بأخلاق الطبيعة، وأن نحول الواجب الأخلاقي كما تصوره إمانويل كانط، واجبا للذات ''الترنسندنتالية''، إلى واجب ''لذات إيكولوجية''؛ واجب تجتمع فيه مصالح الإنسان ومصالح الأرض، واجب يمثل مصدرا لحقوق الإنسان وحقوق الطبيعة في نفس الوقت، بمعنى مجالا مشتركا لفضاء حيوي مزدوج الهوية البيولوجية، هوية إنسانية وهوية طبيعية. وكل قتل لكائن حي، هو تعريض لخطر الحياة بالنسبة لكائن آخر. بالنسبة للإنسان. إن أخلاق الطبيعة لا تنفصل عن أخلاق الإنسان. وفلسفة الأخلاق اليوم وبالضرورة لها حدان: حد إنساني وحد طبيعي. والجوهر في طهرانيته، لا يمكن معاينته صافيا شفافا، سوى في اجتماع الحدين معا. العقل مطالب بأن يتعقل الطبيعة كما يتعقل ذاته، أن يتعقل الجسد كما يتعقل الأرض تماما، لأنهما معا كائنين حيين تلتقي مصلحتهما المشتركة في الحفاظ على بعضهما البعض. بل على العقل نفسه، أن يكون أداة للفحص والنقد، وهو في حالة عبث بنظامه. وإذا كان كانط قد نبهنا إلى أن أخلاق الواجب لا تنفصل عن أخلاق الحق (الحقوق)، على أساس عملي بسيط، يقول على سبيل التوضيح: إن خضوعي للواجب، هو في نفس الوقت حماية لنفسي من الشطط ومن عدوانية الآخرين واعتدائهم على حقوقي؛ على أساس أنني حين أنضبط للواجب، فأنا أحمي حقوقي وأكتسب شرعية أقوى في حمايتها والتمتع بها؛ فإن هذه المعادلة النظرية لعميقة، تتناسب تماما مع أخلاق إيكولوجية جديدة نحن في حاجة ماسة لها. وإذا نحن حاولنا تفسير وتبسيط الرؤية الكانطية العميقة، ومرجعياتها الفلسفية، قلنا: إنني حين أنضبط للضوء الأحمر مثلا كسائق، فأنا أحمي حقوقي وأنا راجل. لأنني حينما أترجل، سأطالب بالضرورة بحمايتي من السائقين المتهورين. إنني حين أفتح زجاج سيارتي فألقي بعلبة سجائر فارغة على قارعة الطريق أو أي شيء غير متحلل كيميائيا، فأنا أضر مجالي الحيوي وأضر نفسي والآخرين، وقد أكون غدا أنا بالذات، ضحية مرض فيروسي وغير فيروسي جاء نتيجة لسلوكي المشين. وهو سلوك ينطلق من نفس التعسف البشري الذي تقوم به ناقلة نفط تلقي بفضلاتها الكيميائية الخطيرة على الصحة، في أعماق المحيطات. رغم اختلاف جسامة الفعلين (الأول والثاني) بطبيعة الحال. كتب آرني نايس، مدافعا عن الملكية الإيكولوجية للأرض (للطبيعة) بجانب الملكية البشرية والسيادية للدول على أراضيها، وشارحا مفهوم ''الإيكولوجيا العميقة'': ''ليست الأرض ملكا للبشرية. على سبيل المثال، إن المواقع الطبيعية في النرويج، وكذلك الأنهار والمجموع النباتي والمجموع الحيواني والبحر المجاور، ليسا ملكا للنرويجيين. وعلى نحو مشابه، ليس النفط تحت بحر الشمال أو في أي مكان آخر، ملكا لأي دولة أو للبشرية. كما أن ''الطبيعة الحرة'' المحيطة بمجتمع محلي، ليست ملكا لهذا المجتمع. البشر يقطنون وحسب الأراضي، ويستخدمون الموارد لتلبية حاجاتهم الحيوية. وإذا تعارضت حاجاتهم غير الحيوية مع الحاجات الحيوية لغير البشر، ينبغي على البشر أن يتنازلوا لهم عنها". (1) -Philosophical Inquiry 8. 1-2. (1986).. مقالة حركة الإيكولوجيا العميقة: بعض الجوانب الفلسفية وكل التدابير والسياسات البيولوجية والاقتصادية والطبية والعلمية بصفة عامة، وطنية وإقليمية ودولية، مطالبة برعاية حقوق الأرض. وفي الحفاظ على هذا التوازن الطبيعي وصيانته، في سبيل الحد من الأمراض المعدية التي تصيب الإنسان والأرض في نفس الوقت. (نسمع اليوم وهذا كلام يقوله خبراء وعلماء افتراض قدوم الفيروس اللعين كوفيد 19 من الحيوان، على سبيل الاحتمال بطبيعة الحال. والفضاء الحيوي للحيوان نفسه يشتكي من اعتداء الإنسان عليه في جميع الحالات). وكتب توماس بيري: ''لكي يكون قابلا للحياة، يجب على المجتمع الإنساني أن ينتقل، على صعيد الحقيقة والقيمة، من معياره الحالي المتمركز بشريا، إلى معيار متمركز أرضيا''. مقالة ''الإنسان القابل للحياة''. (2) 2- Revision Vol 9 N0. 2. Winter/ spring 1987.. مقالة ''الإنسان القابل للحياة". يشيد الفيلسوف المعاصر ميشيل سير (1930-2019)، وهو عاشق الحياة وطهرانية الفكر، أطروحة نظرية قوية حول ما يسميه، وهو بالمناسبة، عنوان لأحد كتبه: ''العقد الطبيعي''. ميشيل سير يترافع من أجل: ''انتقال إنساني، من طبيعة الحق إلى حقوق الطبيعة''. وسأختم بكلامه الذي يقول فيه: ''لقد شيدنا عالما صار فيه الذكاء أولى الملكات، حيث العلم والتقنية يدفعاننا إلى الأمام. ثم نسقط، بإنتاجنا لمزيد من أشكال البؤس والمجاعات والأمراض''. دامت لكم الحياة بهية، تستحق فعلا أن نعيشها بعشق جميل وعمل جليل. ولا شيء أسمى وأنبل فيها، من هذا العشق الطاهر، وهذا الجلال العملي المتعالي. * أستاذ باحث- الكلية المتعددة التخصصات بالناظور- جامعة محمد الأول