في كتابه المعنون باللغة الفرنسية la tentation de l'innocenceوالذي يمكن ترجمته إلى اللغة العربية ب" خطيئة البراءة " ، يخلص المفكر الفرنسي باسكال بروكنرPascal Bruckner وبعد تحليله للنزعات الفردية التي تشكل السمة الأساسية للمجتمعات المعاصرة إلى الحقيقة التالية : الطفل هو مستقبل الإنسان ! بمعنى أن البشرية تسير بخطى حثيثة نحو الفكر الطفوليl'infantilisme واللامسؤولية التي تصاحبه على مستوى السلوك والتملص الدائم من تبعات القرارات الفردية وذلك عبر آلية دفاعية ذكية وهي التقمص البريء لدور الضحيةla victimisation وهذه الملاحظة تؤكدها مجموعة من الأبحاث النفسية والاجتماعية ناهيك عن تداعياتها الواضحة للعيان على المستويات النقابية والسياسية والثقافية والاقتصادية … وبالعودة إلى الموضوع الذي يهمنا نحن وهو العمل النقابي الذي يعيش أزمة حقيقية ليس فقط على الصعيد الوطني بل أيضا على الصعيد العالمي وذلك نتيجة للأزمة الاقتصادية وما ترتب عنها من التخلي عن مجموعة من المكتسبات التي كانت والى عهد قريب خطا احمر لا يجرؤ احد على المساس بها، يمكننا القول أن هذا الفعل التضامني أساسا وإضافة إلى الظروف الموضوعية الانفة الذكر قد أصبح مرتعا خصبا لما يمكن تسميتهم ب " المناضلين الأطفال " والذين لا يتقنون من النضال أو العمل النقابي إلا اللعب أوالصياح والنواح على السكاكر، وهما خاصيتين لازمتين للطفل وبعيدتين كل البعد عن حكمة الراشد وعقلانيته في جميع مواقفه الشخصية. الفكر الطفولي إذن ليس حكرا على الإنسان المستهلك فقط حسب تحليل بروكنر وإنما أصبح موضة يرتديها كل من أراد امتطاء صهوة العمل النقابي للدفاع عن " الحقوق التاريخية " للطبقة العاملة وفي غياب تام لأدنى شروط التكوين العلمي في العمل النقابي والذي للأسف الشديد يغفل الكثيرون انه مدرسة فكرية وفلسفية وإدارية قبل أن تكون مدرسة للفروسية المزيفة التي يتخرج منها الدون كيشوطيون المتخصصون في نزال طواحين الهواء. لنلخص مرة أخرى : هناك ظروف موضوعية لهذه الأزمة، لكن وبالمقابل هناك ظروف ذاتية تتعلق بغياب القيادات الحقيقية عن العمل النقابي. وهنا يطرح السؤال التالي : ما هي مواصفات القيادات النقابية الحقيقية مقارنة بالطبع مع القيادات الطفولية والطفيلية؟ وللإجابة عن هذا السؤال نقدم في قالب ساخر تبسيطا للموضوع، بعضا من ملامح هذه القيادات الطفيلية التي تنتشر هذه الأيام كالفطريات وتلتهم ما تبقى من الرأسمال الرمزي للعمل النقابي لأنه بضدها تدرك الأشياء. 1- المناضلون الأطفال يمكن إسكاتهم بقطعة حلوى أو قطعة شوكولاته وليذهب بعد ذلك العمل النقابي ومعه ضحايا التسلط الإداري والقانوني إلى الجحيم. 2- وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح. وكذلك الحال بالنسبة لأشباه المناضلين الذين كلما أدركت نقاباتهم-عن طريق أحزابهم بالطبع- قبة البرلمان إلا وسكتوا جميعا عن النضال المباح. 3- المناضلون الأطفال محامو الشيطان يتبخر موضوع مرافعاتهم على عتبة رغباتهم المادية ويعود بقوة ليتشكل وفق جلبابها من جديد. 4- المناضلون الأطفال جار ومجرور يرفعون راية الاستقلالية والمسؤولية ويقلدون الكبار، لكنهم وبمجرد حلول الظلام يتمسكون بتلابيب الكبار وهم يرتعدون خوفا وينتظرون بهلع وبفارغ الصبر نور النهار. 5- هم آلات شفوية لا تتوقف عن صنع الكلام وابتكار المواقف وضرب الأخماس في الأسداس لتحقيق السبق النقابي والظهور بمظهر الفارس النبيل. 6- هم حواسيب بشرية تتقن العمليات الرياضية من جمع وطرح وضرب وقسمة…لتحقيق النصر على رقعة" ضامة" وهمية. 7- هم سماسرة يتقنون فن البيع والشراء في الظلام ويستبدلون بسرعة قناعاتهم كما يستبدلون ملابسهم بمجرد أن ينالوا نصيبهم من الوليمة. 8- هم ممثلون بارعون على خشبة المسرح يتنافسون على جائزة الأوسكار مع نجوم هوليود، ويحملون دائما أقنعة القناعات المزيفة لدرجة أنهم ينسون أنهم ممثلون. 9- هم هياكل فكرية منخورة ومسوسة تقتات على فضلات الفكر والثقافة. أخيرا ولكي لا نظلم الطفولة البريئة بهذا التعبير المجازي الذي يهدف أساسا إلى تقريب صورة هذه الكائنات الطفيلية على العمل النقابي إلى الأذهان، لابد من ملاحظة مهمة : الطفولة خطوة إلى الأمام في طريق الرشد بينما النضال الطفولي وعلى العكس من ذلك تماما هو نكوص وانتكاسة في التطور العقلاني للإنسان الملتزم بقضايا وهموم الإنسانية ! مناسبة هذا الكلام : إلى ماذا يرمي هذا ′′التنظير العلمي المتعالي′′ على الواقع قد يقول مناضل طفولي أو طفيلي ما؟ يسير بنا إلى ما وقع مؤخرا بمديرية التعليم بتزنيت من نقل تعسفي لمساعد تقني قضى 15 سنة من عمره في مقر عمله ليجد نفسه ما بين عشية وضحاها وبجرة قلم في مؤسسة أخرى عقابا له على جرأته الزائدة على المسؤولين. ولعل ما يثير الدهشة حقيقة هو ابتلاع النقابات ألسنتها وصمتها المطبق اللهم نقابة يتيمة تجاهد لوحدها لتبعث الروح في البقية الباقية من العمل النقابي النبيل. ولمن لا زال على موقفه من التنظير العلمي ′′المتعالي′′ أعلاه، ما عليه إلا أن يقوم بعملية تنزيل بسيطة للملامح الطفولية والطفيلية للعمل النقابي المذكورة على نازلة المساعد التقني بمديرية تزنيت ليتأكد بنفسه من حجم السقوط المدوي لما بقي من العمل النقابي.