أصبحت كلمة المناضل أو المناضلة في زمننا هذا يسوق لها بشكل تعسفي ومجاني في كل اللقاءات التواصلية التي يؤطرها بعض المنتخبين بمعية زبنائهم الإمعة الذين لا مبدأ لهم سوى التملق والبحث عن فتات الموائد،فتراهم يرتدون في المواسم السياسية ثوبا جديدا ولو لم يكن على مقاسهم وعادتهم ليتقمصوا دور المدافعين على العدالة الاجتماعية ورفع المظلومية وإرساء قواعد الديموقراطية ،فأمثال هؤلاء هم من أفرغ مفردة النضال من محتواها ، حيث يكفي أن يتصيد بعضهم فرص لقاءات أو تجمعات مع المواطنين ليتبجحوا بمفردات نارية في نقد المسؤولين أو ليكشفوا المستور والمسكوت عنه لينالوا بعدها تصفيقات الحاضرين الذين أعدوا سلفا لتأدية هذه الوظيفة الدنيئة من أجل تزكية نضال وهمي الذي سرعان ما يزول بزوال المؤثرات المادية التي كانت سببا في بروزه،فآنذاك يستبدل القناع بقناع آخر حسب معيار المصالح الشخصية وليس المبادئ الحزبية كما يوظفها بعض منتخبينا دون خجل من أنفسهم وهم من محترفي التجوال الحزبي والترحال السياسي.ونفس هذا التمثيل المزيف يستعمله بعض المنتسبين إلى تنظيمات حقوقية ونقابية ،والغريب أن منهم من يتجرأ لينهش من لحوم المناضلين الحقيقيين ولم تعرفه قط الساحة في ميادين الوغى ولا نضالات الاتحادات الطلابية ولا العمالية لينهش وليمارس رغبة الشر والفساد المتأصلة فيه والتطاول على كل الرموز والمقامات المتعالية بنضالاتها وعطاءاتها . إن النضال الحقيقي يقارن بالتعب والكفاح والصمود من أجل قضية ما أو فكر معين ،وغالبا ما يكون مؤسسا على مرجعية ايديولوجية تؤطر مفاهيمه العامة وتوجهاته الفكرية،لذا فالنضال بمفهومه الجماعي يتكون من أعضاء تجمعهم نفس القيم والمبادئ والأهداف ويتفقون على نفس الآليات النضالية والأدوات والوسائل التي تتيح لهم المضي قدما لتحقيق مشروعهم النضالي والوصول إلى غايات وأهداف محددة. لكن الملاحظ في الفترة الأخيرة ظهور مجموعة من المتطفلين على الحقل النضالي بمبادئ مزيفة ونيات مبيتة لدغدغة مشاعر الناس بهدف الإستيلاء على أصواتهم الانتخابية ومحاولة التموقع في صفوف الأبطال عبر سفينة الكلام الذي يلهب الأحاسيس بلغة تثور على الواقع إلا أنها سرعان ما تتلاشى أو تتراجع عن تلك اللغة والمواقف الثورية حينما تحضر لغة المصالح والتواطؤ على غنائم الصيف التي تجري تحت الطاولة ،فمثل هذه السلوكات هي التي تربي الناس على استباحة الكذب والخداع والنفاق والتذلل وإماتة النفس مع فقدان الثقة في كل شيئ.إن كل من أصابته لعنة التملق والنفاق وعبودية الآخرين لينالوا من موائدهم الملغومة سيدرك يوما بعد فوات الأوان أنه ضحية جهل يؤدي ضريبته بثمن غال.ومثل هذه المشاهد هي التي تثير في نفس المواطنين التقزز والاشمئزاز وعدم الإقبال على صناديق الاقتراع،مما يعني عزوف الأغلبية عن المشاركة السياسية واستبداد الأقلية بأمور التسيير والتحكم ،وإن كان هذا يستجيب لقواعد اللعبة الديموقراطية فإنه يتنافى تماما مع قاعدة الإشراك والتشارك المجتمعي في تدبير وتسيير شؤونه، لأن الأغلبية الفاقدة للثقة خارج فضاء هذه اللعبة تنتظر البديل المرتقب،لهذا يمكن القول إن تحمل المسؤولية بلا أخلاق ولا مبادئ مثل الصلاة بلا وضوء،والذي يلج عالم السياسة عاريا من مرجعيات الالتزام ومتجردا من كل ثياب الأخلاق وقيم المواطنة الحقيقية كمثل من يعمل على تسبيق العربة على الحصان لتجر هذا الأخير،ومثل هذا السيناريو يثير التعجب ويخلخل المنطق البديهي الذي اعتاده العقل ويترك العقلاء مشدوهين أمام اختلاط المفاهيم المستقيمة لدى سائق العربة الأحمق.إن التجرد من كل قيم المروءة والشهامة المعهودتين في كل عمل مسؤول،إنما يؤكد أن المسئول العاري من المبادئ سيكون جريئا بوقاحته في توريط نفسه للدخول في أنفاق مظلمة وصفقات مشبوهة باسم المصالح الشخصية وإيهام الآخرين البسطاء بأنه مناضل من خلال تدخلاته النارية وانتقائه لكلمات ملتهبة والاستعانة بقاموس الاصطدام مع الآخر ،لكي يعطي لنواياه المشبوهة تزكية يتخلص عبرها من أعدائه الافتراضيين باسم القانون والدفاع عن المصلحة العامة.لذا فمن الواجب على كل مواطن غيور على بلده أن يكون إيجابيا في كل الاستحقاقات المقبلة بمشاركته الفعالة في التحسيس والتوعية وتحمل المسؤولية لإبعاد مثل هذه الكائنات عن شؤون التسيير والتدبير والتشريع ،وأن يعمل الجميع على معالجة عوارض الانحراف الوجداني والأخلاقي لدى هؤلاء المصابين بالجهل المركب والذين يهرولون وراء تقلد مناصب المسؤولية دون أن يكونوا أهلا لها،لأن الفعل السياسي النبيل هو ممارسة وسلوك مع المواطنين بمختلف درجاتهم وانتماءاتهم وتلويناتهم من أجل تلبية حاجياتهم الأساسية والانصاط لانشغالاتهم اليومية …وليس فقط خطابات تشخيصية للوضعية المتأزمة في قالب من المشاكسة والشغب اللفظي للمزايدات السياسوية والحسابات الشخصية الضيقة،إنه باختصار زمن الانحطاط السياسي ورداءة القيم. سليمان لبيب: متتبع للشأن السياسي بالمغرب