في واحدة من اللقاءات التي أطرها النّائب البرلماني ورئيس المجلس الإقليمي الحالي لمدينة تيزنيت بمقر جماعة سيدي أحمد أوموسى مساء يوم الجمعة 31 يناير 2020 مع فعاليات المجتمع المدني، حيث تناول من وجهة نظره الأفق التنموي لهذه البقعة التاريخية الفريدة، وكيف يمكن تثمين المؤهلات التي تزخر بها نحو آفاق واعدة، كما اعترف لحظتها أنّ المجالس المنتخبة على المستوى الإقليمي يجب أن تولي المنطقة الأهمّية التي تستحقّ؛ وهذا الأمر وإن بدا مُكرّرا لدى العديد من المثقفين والفاعلين المدنيين والمنتخبين على المستويين المحلي والإقليمي فإنه يظل في غالب الأحيان حبيس التنظير بالقاعات المُكيفة، دون أن يُلمس على أرض الواقع، بل ودون أن تُرسم خارطة طريق واضحة المعالم بشأنه نتيجة الفارق الحاصل بين ما هو كائن وما ينبغي أن يكون. طبعا، حين يتكلم مثل هذا الرجل الذي خبر دهاليز التسيير على المستوى الإقليمي، لا يمكن أن تمر كلماته عرضا على الحضور، مما دفعني في معرض النقاش، إلى أن "أعاتب" واقع الحال وأؤكّد على ضرورة استدراك الزّمن التّنموي دونما إحساس بالنّقص اتّجاه منطقة بإمكانها أن تصير قطبا روحيا واعدا، يربط الماضي بالحاضر، ويعطي إقليم "تيزنيت" هوية صلبة بعيدا عن الفلكرة الزائفة السّائلة، يكون مدخلها -لا محالة- العودة للمقومات الثقافية والتاريخية والروحية والحضارية التي تزخر بها. قد يُوافقني الرأيَ العديد من هؤلاء الذين يتابعون تطور المنطقة على مستوى البنيات التحتية في الآونة الأخيرة، وهو ما أشار إليه مؤطّر اللقاء نفسه حين أكّد وجود "طفرة نوعية" في هذا الجانب، لكن، في المقابل، يجبُ أن تُوجّه جهود اليوم والمستقبل نحو بناء تنموي يعتبر "تازروالت" قطبا ثقافيا على المُستوى الإقليمي، بتثمين موروثها المادّي واللاّمادّي بشكل يستجيب وتحدّيات الحاضر المُعقّد. وهو ما يمكن أن يتحقّق ببناء أرضية مشتركة تحظى باقتناع مختلف الفاعلين محليا وإقليميا، ويُترافع بشأنها جهويا ومركزيا. أذكُر يوما أنّي أنجزت بحثا أكاديميا حول " يهود تازروالت" كأنموذج للتعايش والاندماج اللذين تحققا ردحا من الزّمن، قبل أن تدفعهم الأساطير للرّحيل نحو "الأرض الموعودة"، ويتركوا آثارهم وقصصهم شاهدة عليهم، بدءا بأطلال "الملاّح" وانتهاء بقبورهم المحيطة بمزارَيهم "سيدي شالوم" و"سيدي أمزلاّك" وصُورا في المخيال الشعبي وخربا وتاريخا شفهيا عميقا. وقتئذ، وقفتُ على دراسة رائعة للسّوسيولوجي الفرنسي-المغربي "Paul Pascon" بعنوان: "La maison d'Iligh et l'histoire sociale du Tazerwalt "، أعدّها بتعاون مع كبار السوسيولوجيين بعد جهد ميداني كبير قاده إلى الكثير من المناطق التي يجهل خباياها الكثيرون، فأدرج فيها محاور دقيقة حول "مواسم سيدي أحمد أوموسى" التي تعدّ الأعرق من نوعها بالجنوب المغربي، ثمّ "واحة تازروالت" و"دار إليغ" و"المقبرة اليهودية" وغيرها من المآثر؛ وهو ذات المنحى الذي نحاه الكولونيل الفرنسي "JUSTINARD" في بحثه العميق: "Le Tazeroualt : Un saint bèrbère Sidi Ahmed Ou Moussa "، و"محمد المختار السوسي" فيما تناثر من محاور "معسوله" وفي "إيليغ قديما وحديثا"، وغيرهم كثير ممن جاء بعدهم من الأكاديميين والعارفين بقيمة الزمن التاريخي. وأدركت حينها أن "تازروالت" قد لا تحتوي على ثروات مادية ملموسة في باطن أرضها الطيبة، وقد لا تكون نقطة تصدير لكفاءات اقتصادية واعدة، وقد لا يكون بين أبنائها منتخبون وفاعلون مدنيون لهم وزنهم وكلمتهم المسموعة بدهاليز الوزارات والمؤسسات الوطنية الكبرى، لكنها، في المقابل، تملك إرثا تراثيا وثقافيا وروحيا يحتاج من يُوليه الاهتمام المُستحقّ ليُعطي قيمة مُضافة لها ولإقليمها ردحا من الزمن. اليوم، ونحن نعيش على وقع تحوّلات كبرى على مستوى عالم مُعولم، آن ل"تازروالت" أن تعود أدراجها نحو رصيدها اللاّمادي، ففيه مفتاح التنمية حاضرا ومستقبلا في زمن يظلّ فيه نجاح الرّهان مقترنا بالقدرة على التثمين والتسويق واستغلال الفرص التي لا تتكرر.