اختتم الموسم السنوي سيدي أحمد أوموسى أشغاله اليوم (الجمعة 28 غشت)، بالدعاء الصباحي من "مقدّم الشرفاء"، وودّع التازروالتيون زوارهم بعد أسبوع كامل امتزج فيه الدّيني بالتجاري، واختلط فيه الفولكلور بالثقافة، وامتزجت عبره الميثولوجيا بالواقع..، وجمع بين أبناء قبيلة إداولتيت (إداوسملال-إداوبعقيل-إرسموكن) وقبائل "إمجاط" و"هوارة" وغيرهم من آلاف الزوّار القادمين من مختلف المناطق المغربية، في طقس احتفالي يصنّفه المؤرّخون ضمن أعرق وأكبر المواسم التي تقام على امتداد التراب الوطني. تازروالت أيزضارن: إلى جانب كون قبيلة "تازروالت" جغرافيا نقطة تلاقي قادة السملاليين والسعديين والعلويين، تستفيض المصادر التاريخية في تحقيق نسب المؤسس الفعلي لهذا الحدث الديني (أحمد بن موسى السملالي) كشيخ ربّانيّ حمل مشعل التربية وصار وجهة مريديه، حتّى تأسست على يديه نواة موسم ديني ضخم سيشهد على امتداد أزيد من أربعة قرون تطوّرا وتغيّرا على جميع الأصعدة، ويصطبغ بنمط عيش كلّ جيل على حدة. موسم سيدي احمد أوموسى الصيفي إذن، يعد أحد أشهر المواسم على الصعيد الوطني، لصاحبه أحمد بن موسى السملالي الذي حط الرحال بالمنطقة مؤسسا زاويته المشهورة لتعليم الناس مبادئ الدين وتلقينهم ركائز الأخلاق بعد أن ترك مسقط رأسه "بومروان" معتمدا مقولته التي اشتهرت على الألسن وفقا لجل المؤرخين: (بومروان أيروان تازروالت ايزضارن) ردا على إلحاح أمه الحنون "تاونّو" بالاستقرار بين عشيرته. هذا الموسم الذي أسسه الشيخ بهدف التعليم والوعظ والإرشاد وصلة الرحم تطور فيما بعد لينضاف البعد التجاري إليه كمحطة استراتيجية للتبادل بين السودان الإفريقي وموكادور اتجاه المرافئ الأوروبية في فترة من الفترات، حيث لعبت "دار إليغ" دورا أساسيا في ذلك. الموسم بعيون أوروبية: لعل الأجانب وحدهم من اهتدوا بشكل كبير لمعرفة حقيقة الأبعاد الحضارية والتاريخية لموسم عريق ك: "موسم سيدي احمد أوموسى" الذي يحتفل به أبناء المنطقة أواخر شهر غشت كل سنة، لذلك كتب (بول باسكون) كتابه المشهور الذي نفد من الخزائن حاليا بطبعته الأولى: La maison d'Iligh et l'histoire sociale du Tazeroualt مخصصا مبحثا كبيرا بين طياته للحديث عن الموسم وأحواله وجل الأمور المتعلقة به بطريقة اجتماعية بحتة عنونه ب: Le grand Muggar d'aout de Sidi Ahmed Ou Moussa. هذا الباحث الذي شهد له الكثيرون بطول باعه في البحث السوسيولوجي اكتشف الكنز الحضاري للمنطقة ففجر طاقاته الإبداعية مخلفا وراءه كتابين كان أشهرهما الذي ذكر أعلاه. وهذا ما يفسّر رجوع الكثير من الباحثين إلى هذا الكتاب رغم قلّة نسخه، وشحّ المراجع المكتوبة في هذا الشأن.
الرعاية الملكيّة علاقة متجذرة في تاريخ الزاوية: حلّت يوم الثلاثاء (09 دو القعدة 1436ه الموافق ل 25 غشت 2015) بعثة ملكية برئاسة السيد "إبراهيم بنيعيش"، نائب الحاجب الملكي بزاوية سيدي أحمد اوموسى، رفقة عامل إقليمتيزنيت للإشراف على تقديم هبة ملكية تبعث خصّيصا كلّ سنة، بحضور ممثلي السلطات المحلية والمصالح الإقليمية وشرفاء وأعيان قبيلة "تازروالت"، وهي على قسمين: – هبة تخصص للضريح، ولحفظة القرآن الكريم. – هبة خاصة بالمساعدات الاجتماعية على شاكلة محافظ وأدوات مدرسية لفائدة التلاميذ المعوزين، وكراسي متحركة لفائدة المعاقين، بالإضافة إلى مساعدات تشمل بعض الأسر الفقيرة والأيتام. وما زال ظهير الحسن الأول بشأن هذه الهبة الملكية، مرجعا أساسيا يتم الاعتماد عليه، لذلك تمّ تعليق نسخة منه بفضاء مقر رابطة شرفاء سيدي احمد أوموسى. بين التجارة والفلكلور والتّصوّف وأشياء أخرى: بمرور أزيد من أربعة قرون على وفاة الشيخ المؤسس، مرت كثير من المياه تحت الجسر وحدثت تغييرات عدّة على الموسم السنوي-سيدي أحمد أوموسى. فبعد أن صار قبلة لمريدي الزاوية السملالية وحدهم، صار اليوم يستقطب تجّارا من مختلف المناطق، وحرفيّين يعرضون سلعهم على ساكنة غالب قوتها من الفلاحة المعيشيّة، بل وصار وجهة لصنّاع الفرجة وآخرين…، كلّ في فضائه الخاصّ. وهو ما جرّ بعض الانتقادات على كيفيّة تدبير بعض المظاهر الخرافية والمُحدثة التي لم يُعرف لها أصل قويم تستند إليه، وتسوّق لصورة سوداوية داخليّا وخارجيّا. حين تتوقف الحركة لأجل أعرق المواسم: مع التقديرات التي تحصر زوّار أضخم موسم في مئات الآلاف، تجند مختلف المصالح المحلية والإقليمية إمكاناتها المادية والبشرية لتنظيم أجرأة هذا الحدث، سيما وأن الفضاء المخصص للموسم شهد هذه السنة ضمورا وتقلّصا بعد الفيضانات التي تسبّبت في توسعة رقعة "وادي تازروالت" وبالتالي التضييق على مساحات لا بأس بها من الأراضي. كما تتجند ساكنة القبيلة لاستقبال الزوار طيلة أيام الأسبوع، في جو احتفالي ضخم، تسوده قيم التضامن والتآزر وحفظ حقّ الضيوف صغارا وكبارا..