يكون واقع الأمر معقدا جدا، ولا يتحمله أي كائن بشري، فالساحر يصبح أنذاك من أضعف خلق الله على الأرض رغم جبروته واستبداده وقوته، حينذاك يمكن لأي كان أن ينتقم من الساحر ويقهره ويهينه ويأخذ من كرامته وبخاصة إن كانت هناك حسابات مسبقة بين الطرفين، ولا نتحدث هنا عن ساحر الملك شهريار بل ساحرنا من نوع آخر "مديرنو" فهو رجل يملك السلطة والجبروط ويحس بنفسه يطير في السماء بلا جناحين، وبأمره تقعد الأرض ولا تقوم أبدا وبأمره يستوي البشر مع تربة الأرض فيصبح هشيما تذوره الرياح لكن ماذا حدث لساحرنا فجأة. لقد انقلب عليه السحر بأمر من قوة خارقة تفوق قوته لم يعمل لها حساب منذ جلوسه على كرسي الوظيفة أو العرش... فأي موظف في المغرب عندما يحصل على وظيفة ما ينتابه شعور بأنه ملك اعتلى على عرش مجيد. فعندما يعين شيخ على رأس قبيلة وتسلم إليه زمام الأمور ومعها رقاب الناس يطغى في الأرض ويأخذه شعور بالقوة القاهرة أو جنون بالعظمة. فلا أحد يستطيع ايقاف جبروته وطغيانه. فيرتشي ويبتز ويغتصب ويفسد ويمارس الشطط... هذا في ظل غياب شبه تام لأية مراقبة من قبل الادارة التابع لها، قس على هذا المثال البسيط كل مراكز المسؤولية في الدولة لكن الغريب في هذا الأمر أن أغلب الموظفين في المغرب يستمدون سلطتهم التي لا تقهر من أسيادهم في الرباط. فكل ساحر له ولي صالح ونافذ في الرباط يحميه برنة هاتف. وقد شاعت العبارة التالية التي يستعملها بعض الناس: "واش عرفتي معا من كتهدر" وأغلبهم يوفون بتهديدهم ويستلون هواتفهم ليتصلوا بأسيادهم، وفي رمشة عين يتحول الغالب الى مغلوب والضعيف الى قوي فيصبح الحاكم الأول هو السلطة المستبدة وليس القانون الجاري به العمل العادل والمنصف لكل الناس، لأن الشرطي الذي اتصلوا به من الرباط فارتعدت كل أحشائه الغليضة والرقيقة كذلك، لا يستطيع تسجيل المخالفة لصبي طائش بن مسؤول فاسد. والقاضي الذي اتصلو به من الرباط لا يستطيع العدل بين الناس، والمدير الذي اتصلو به من الرباط لا يستطيع تأدية واجبه المهني كما يحتم عليه القانون، ورئيس جماعة محلية لا يستطيع تطبيق القانون اذا اتصلوا به من الرباط وهكذا تصبح الرباط هي التي تحكم ليس بالقانون بل بالهاتف النقال أو "البورتابل" فهل يمكن الحديث عن المؤسسات الدستورية في المغرب في ظل وضع كهذا. قطعا لا ففي اروبا الشرطي يمكن له ان يطبق القانون على رئيس الدولة ان أخل بالقانون فما بالك ببقية القوم. لكن الشرطي في المغرب سيضحي بقوت يومه ان سولت له نفسه تطبيق القانون على مسؤول في الدولة أو أحد أقارب أو معارف هذا المسؤول. وإن عجز هذا الشرطي عن تطبيق القانون على المواطنين والمسؤولين فهل سيلتزم هو بالقانون أبدا لا، لأنه عندما تعم السيبا في البلاد فلا أحد يريد تطبيق القانون ولا أحد يرضخ للقانون بقدر ما تكون السلطة والقوة هي أداة الخضوع والاستبداد... فالشرطي له حق الاختيار في وضع حزام السلام أو عدم وضعه خاصة في دائرة عمله لأن زملاءه لن يكتبوا له المخالفة لكن في أي بلد أوربي يمكن لأي شرطي أن يكتب المخالفة لزميله ولن يخاف في ذلك لومة لائم. لأن القانون فوق الجميع. والقاضي لا أحد سيتصل به من العاصمة ليغير أحكامه بين عشية وضحاها. إن الأمر لم يعد مجموعة من الكلمات المتداولة يوميا بين كل المغاربة من قبيل الرشوة والزبونية والتدخلات العنيفة... بل أصبح الأمر يتعلق بمجموعة من المفاهيم القانونية يجب توضيحها لكي نعود الى تفعيل دور المؤسسات في ما بيننا حاكمين أو محكومين فلا عقوبة ولا جريمة إلا بنص، وهذا الأمر واضح كل من ارتكب جريمة يؤخذ الى المؤسسة القضائية لينال عقابه، حتى أولائك المغاربة المتمتعون بالحصانة يجب أن يخضعوا للقانون لأنه لا يعقل أن تمنح الحصانة لبارون المخدرات ولصوص المال العام ومن يدور في فلكهم، لكن ما يحدث في المغرب هو العكس إذ أن كل أجهزة الدولة على علم ومتواطئة مع رموز الفساد السياسي في غالب الأحيان. ودوما تشجع المافيا على حساب الطبقة المتنورة وهي قبل كل شيئ غاية في نفس يعقوب، أذ أن رجال السلطة الفاسدون يستفيدون من عطايا تجار المخدرات ولا يستفيدون من المثقفين غير الجعجعة والجرجرة في المحاكم... والانتخابات في المغرب مزورة وإرادة الناخب المغربي لا تحترم. لماذا؟؟؟ لأن تجار المخدرات يطعمون رجال السلطة ذهبا فيتركونهم يعبثون في الأرض ولا يحترمون أحدا. وإن انقلب اليوم السحر على الساحر فليكن عبرة لباقي السحرة والمشعوذين الذين يفسدون في الأرض ويتخذون من الناس عبيدا أذلال. فالساحر الذي اقتيد الى السجن وذاق مرارة الظلمة والوحدة وإهانة من باقي السجناء "الشمكارة " سيحس طبعا بما كان يقترف من خطايا في حق الشعب وسيكون في آخر المطاف عبرة لباقي السحرة فيتراجعوا عن غيهم وظلمهم ويتأقلموا مع وظائفهم كخدام للشعب لا غير. [email protected]