قال الله تعالى: وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ . قال القرطبي في معنى الآية: إن اليهود كانوا يزعمون أن السحر نزل به جبريل وميكائيل فأكذبهم الله، وبين لهم أنه لا سليمان كفر واستعمل السحر ولا الملائكة علمت السحر، لكن الشياطين هم الذين كفروا وهو الذين علموا الناس السحر وممن تعلمه منهم رجلان ببابل يدعيان هاروت وماروت ... ثم قال: وهذا أولى ما حملت عليه الآية وأصح ولا يلتفت إلى ما سواه. قال ابن جرير: فتأويل الآية على هذا واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان من السحروما كفر سليمان ولا أنزل الله السحر على الملكين ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر ببابل هاروت وماروت . وقال محمد بن إسحاق: لما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم سليمان في المرسلين قال بعض أحبارهم: يزعم محمد أن ابن داود كان نبيا ! والله ما كان إلا ساحرا فأنزل الله عز وجل: وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا. حقيقة تأثير السحر عباد الله، إن السحر من الشرور التي ابتلي ها الناس منذ القدم ونصوص هذه الآية تقعد لقاعدة كلية من قواعد التصور الاسلامي وهي أنه مهما أوتي الساحر والكاهن من قدرة على السحر وعلى الخداع ومهما استعمل من مواد كيماوية واستعان على ذلك بالشياطين فإنه لا يضر إلا بإذن الله تعالى كما أن زعمه معرفة الغيب والمستقبل كذب وهراء. وقال سيد قطب في قوله تعالى: (وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله). فبإذن الله تفعل الأسباب فعلها وتنشىء آثارها وتحقق نتائجها. . وهذه قاعدة كلية في التصور لا بد من وضوحها في ضمير المؤمن تماما. وأقرب ما يمثل هذه القاعدة في مثل هذا المقام، أنك إذا عرضت يدك للنار فإنها تحترق. ولكن هذا الاحتراق لا يكون إلا بإذن الله. وقال الله تعالى مخاطبا موسى عليه السلام: وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى طه. عباد الله، إن السحر قديم قدم البشرية والمناظرة التي وقعت بين موسى عليه السلام تؤكد هذا المعنى، حيث قيل في عدد السحرة أنهم: كانوا ثمانين ألفا وقيل سبعين ألفا. قال الشوكاني: وجملة إنما صنعوا كيد ساحر تعليل لقوله تلقف، ولا يفلح الساحر حيث أتى أي لا يفلح جنس الساحر حيث أتى وأين توجه، وهذا من تمام التعليل. قال سيد قطب :والساحر لا يفلح أنى ذهب وفي أي طريق سار، لأنه يتبع تخييلا ويصنع تخييلا، ولا يعتمد على حقيقة ثابتة باقية . شأنه شأن كل مبطل أمام القائم على الحق المعتمد على الصدق وقال الشيخ السعدي: أي: كيدهم ومكرهم، ليس بمثمر لهم ولا ناجح، فإنه من كيد السحرة، الذين يموهون على الناس، ويلبسون الباطل، ويخيلون أنهم على الحق وقال القرطبي: أي لا تبال بكثرة حبالهم وعصيهم، وألق العويد الفرد الصغير الجرم الذي في يمينك، فإنه بقدرة الله يتلقفها على وحدته وكثرتها، وصغره وعظمها. وقال الشعراوي: والكيد: التدبير الخفي للتغلب على الخصم، لكن ماذا يفعل كيد الساحر وألاعيبه وتلفيقه أمام قدرة الرب تبارك وتعالى؟ ثم يقول تعالى: ولا يفلح الساحر حيث أتى 96 (سورة طه) ... فإياكم أن تظنوا أن الله تعالى ملك مصالحكم لهؤلاء، صحيح هو يفعل، أما الإصابة والأذى فبإذن الله وتحت عنايته: وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله قال الشنقيطي رحمه الله: فاعلم أن قوله تعالى في هذه الآية الكريمة: (وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى)، يعم نفي جميع أنواع الفلاح عن الساحر، وأكد ذلك بالتعميم في الأمكنة بقوله: (حَيْثُ أَتَى)، وذلك دليل على كفره. وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: (حَيْثُ أَتَى) حيث كلمة تدل على المكان، كما تدل حين على الزمان، وقال القرطبي رحمه الله في تفسير هذه الآية:(وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى) أي: لا يفوز ولا ينجو حيث أتى من الأرض. وقيل: حيث احتال، والمعنى في الآية هو ما بيّنا والله تعالى أعلم. عباد الله، إذا كان الله تعالى قد حكم بخسران الساحر وبأنه لا يفلح حيث أتى لا في الزمان ولا في المكان ،فكيف بهذا الخاسر الفاجر أن يعطي فلاحا وربحا ونصرا لغيره من الناس، فضعيف الإيمان هو الذي يتردد عليه ويعتقده أنه سيفيده في دنياه. حقيقة فعل الساحر والدجال إن أقصى ما يملكه الساحر والدجال هو أن يستعين بالشياطين من الجن ويلفق على الناس دعواه معرفة الغيب ويخوف الناس من شره وجبروته لكن النبي عليه السلام فضحه لنا فقد روى البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أن نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا قَضَى اللَّهُ الْأَمْرَ فِي السَّمَاءِ ضَرَبَتْ الْمَلَائِكَةُ بِأَجْنِحَتِهَا خُضْعَانًا لِقَوْلِهِ كَأَنَّهُ سِلْسِلَةٌ عَلَى صَفْوَانٍ فَإِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا لِلَّذِي قَالَ الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ فَيَسْمَعُهَا مُسْتَرِقُ السَّمْعِ وَمُسْتَرِقُ السَّمْعِ هَكَذَا بَعْضُهُ فَوْقَ بَعْضٍ وَوَصَفَ سُفْيَانُ بِكَفِّهِ فَحَرَفَهَا وَبَدَّدَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ فَيَسْمَعُ الْكَلِمَةَ فَيُلْقِيهَا إِلَى مَنْ تَحْتَهُ ثُمَّ يُلْقِيهَا الْآخَرُ إِلَى مَنْ تَحْتَهُ حَتَّى يُلْقِيَهَا عَلَى لِسَانِ السَّاحِرِ أَوْ الْكَاهِنِ فَرُبَّمَا أَدْرَكَ الشِّهَابُ قَبْلَ أَنْ يُلْقِيَهَا وَرُبَّمَا أَلْقَاهَا قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَهُ فَيَكْذِبُ مَعَهَا مِائَةَ كَذْبَةٍ فَيُقَالُ أَلَيْسَ قَدْ قَالَ لَنَا يَوْمَ كَذَا وَكَذَا كَذَا وَكَذَا فَيُصَدَّقُ بِتِلْكَ الْكَلِمَةِ الَّتِي سَمِعَ مِنْ السَّمَاءِ. عباد الله، إن صاحب العقيدة لا يخشى ولا يخاف إلا الله كما أن يعلم أن الضر والنفع والصحة والمرض والنجاح والرسوب والولد وتيسير الزواج للبنات كل ذلك بإذن الله تعالى وعلينا أن نلقن لأبنائنا مبادئ العقيدة الحقة، وقد قص النبي عليه السلام علينا قصة أصحاب الأخذوذ التي كان بطلها غلام أرسل إلى ملك ليتعلم السحر من ساحر الملك لكن الله تعلى يسر له التعرف على راهب من علماء بني إسرائيل فأخذ عنه وتعرف على بطلان ما يدعيه الساحر ويسر الله على يديه من الكرامات الكثير. حكم تعاطي السحر أو التردد على السحرة و العرافين قال الشيخ الشنقيطي رحمه الله :فقوله لا يفلح الساحر حيث أتى تفيد بكفر الساحر لأن الفلاح لا ينفي بالكلية نفياً عاماً إلا عمن لا خير فيه وهو الكافر. ويدل على ما ذكرنا أمران:فقوله (وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ) صريح في كفر معلم السّحر، وقوله تعالى عن هاروت وماروت مقرراً له: (وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ)، وقوله: (وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ) أي: من نصيب، ونفي النصيب في الآخرة بالكلية لا يكون إلا للكافر عياذاً بالله تعالى. اختلف العلماء فيمن يتعلّم السحر ويستعمله فقال بعضهم: إنه يكفر بذلك، وهو قول جمهور العلماء منهم مالك وأبو حنيفة وأصحاب أحمد وغيرهم. حد الساحر اعلم أن العلماء اختلفوا في الساحر هل يقتل بمجرد فعله للسحر واستعماله له أولاً؟ وقال مالك في الموطأ: قَالَ مَالِك السَّاحِرُ الَّذِي يَعْمَلُ السِّحْرَ وَلَمْ يَعْمَلْ ذَلِكَ لَهُ غَيْرُهُ هُوَ مَثَلُ الَّذِي قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي كِتَابِهِ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنْ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ فَأَرَى أَنْ يُقْتَلَ ذَلِكَ إِذَا عَمِلَ ذَلِكَ هُوَ نَفْسُهُ. وهل إذا تاب الساحر تقبل توبته؟ فقال مالك وأبو حنيفة وأحمد في المشهور عنهم: لا تقبل. اعلموا عباد الله أن العلماء اختلفوا في حلّ السحر عن المسحور، فأجازه بعضهم، ومنعه بعضهم. وممن أجازه سعيد بن المسيب رحمه الله تعالى. قال البخاري في صحيحه باب هل يستخرج السحر: وقال قتادة: قلت لسعيد بن المسيب: رجل به طب أو يؤخذ عن امرأته، أيحل عنه، أو ينشر؟ قال: لا بأس به، إنما يريدون به الإصلاح. فأما ما ينفع فلم ينه عنه ا ه. وممن أجاز النشرة وهي حل السحر عن المسحور: أبو جعفر الطبري، وعامر الشعبي وغيرهما. وممن كره ذلك: الحسن. حكم إتيان الساحر: فإنه لا يجوز الإتيان للسحرة ولا سؤالهم عن حال المريض ولا تصديقهم فيما يزعمون أنه حاصل من السحر، ويدل لذلك ما روي عن ابن مسعود قال: من أتى عرافاً أو ساحراً أو كاهنا فسأله فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد. رواه أبو يعلى والبزار ورجاله ثقات، كما قال الهيثمي، وهو موقوف ولكن مثله لا يقال بالرأي كما قال ابن حجر في الفتح، . ذهب جمع من أهل العلم إلى أن إتيان الكاهن له أحوال منها: أن يسأله سؤالا بدون أن يصدقه، فهذا لا يقبل له صلاة أربعين ليلا، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلا ). ومنها: أن يسأله ويصدقه، فهذا كافر كفرا أكبر مرتد لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أتى كاهنا فصدقه) بما ذهب جمع من أهل العلم إلى أن إتيان الكاهن له أحوال منها: أن يسأله سؤالا بدون أن يصدقه، فهذا لا يقبل له صلاة أربعين ليلا، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة ). عباد الله إن إتيان العرافين وتصديقهم من الكبائر العظام التي ينبغي أن تحذروها وتحذروا منها وعلينا أن نعلم أن الباطل له أنصاره فهناك قنوات متخصصة في الدعاية والتعريف بالكهنة والدجالين الذين ينصبون على الناس وهناك مواقع إلكترونية وفي الأحياء والمدن يظهر بين الحين والآخر نصابون ودجالون يدعون معرفة الغيب والقدرة على حل السحر وتيسير الأمور للناس فكل هذا من الباطل ومن المنكر الذي يجب أن تحذروه و بالمقابل علينا أن نتعلم ونعلم لأبنائنا الرقية الشرعية بقراءة المعوذتين وآية الكرسي وأن نعمر بيوتنا بذكر الله وقراءة القرآن فكل ذلك بإذن الله كفيل بأن يحفظنا ويحفظ أسرنا من كل مكروه. والحمد لله رب العالمين.