عرفت مجتمعاتنا العربية عامة، والمجتمع المغربي خاصة، تحولات اجتماعية خطيرة في بعض قيمها ومسلكياتها، إلى درجة أصبحت تنذر بأفدح الأخطار، حيث طغت الكثير من التصرفات السيئة على الأصول القيمية وتحكمت فيها، حتى باتت هوامش ومنسيات تراثية، وأفقدتها قيمتها الأصيلة وبريقها الذي كثيرا ما افتخرنا به على العالمين مند غابر الزمن. والخطير في الأمر، أن عقلاء الأمة لاذوا بالصمت حيال انتشارها، ولم يحركوا ساكنا لصدها وتغيرها، وهم ربما معذورون في ذلك لسببين اثنين، الأول: لأن وقوف أي كان في وجه الخطأ والفساد يجر عليه عداء كل الجهات الفاسدة والداعمة للفساد، وهم كثر. والسبب الثاني: لأن أكثرية الناس لا ينتصرون للموقف الصحيح وإن كانوا أصحاب مصلحة فيه، مطبقين المثل المغربي الدارج: "بعد من البلى لا يبليك" والذي يطابقه عند إخواننا في المشرق " ابعد من الشر وغني له". ما مكن هذه السلوكات المستفزة من تصرفات العباد، وقد اخترت بعضها لكثيرة ذيوعه بيننا وعظيم استفزازه لمشاعرنا . المشهد رقم 1 الجزء 4. التمييز بين الأبناء من المعروف عنا أننا مجتمع يفضّل الذكر على الأنثى في الإنجاب وفي التعامل. ونعزي ذلك إلى البحث عن وسائل إنتاج، أو ابتغاء إنتاج محاربين في صراع بقاء المجتمع في أطواره الأولى وما إلى ذلك من كلام علماء الاجتماع والذي كان يحوي بعض الحقيقة، التي لم تعد مناسبة لهذا العصر، ومن المفروض منطقيا أن تكون كذلك. لكن العكس هو الحاصل، فقد تفاقمت في زماننا هذا الأزمات الزوجية، ووصل الكثير منها إلى حد الطلاق واتخاذ الرجل الزوجة الثانية وحتى الثالثة، في حالة لم تلد له الأولى وريثاً ذكرا يحمل اسمه ويضمن استمرارية فحولته. لاشك أنه سلوك غير حضاري ومستفز، لكن الأكثر استفزازا منه والذي يسود الكثير من الأسر في مجتمعنا، هو تعامل الآباء مع أبنائهم على أساس تفضيل الذكور على الإناث على مرأى الناس ومسمعهم دون حياء أو خجل، فما أقبح منظر زوجين، تبدو عليهما آثار النعمة والتقدم- الماديين طبعا- يجلسان مع ولديهما، في جنينة مقهى فاخر يعج بالزوار من الطبقة المتبرجزة، وكانت ابنتيهما أصغر سنا من أخيها، لكن معاملتهما لها كان يستشف منها تفضيل أخيها عليها، ليس لكبر سنه الذي لم يكن فارقه كبيرا جدا، ولكن لأنه ذكر فقط. وقد وقفت شخصيا على استفزاز ذاك المنظر وتجلياته المقيتة، حيث شاهدت كيف كانا يخضعان الفتاة لتربية صارمة، يمنعانها من الحركة، يأمرانها بعدم الضحك، وخفض الصوت عند الكلام، ويرفضان منها كل حركة وحيوية واستقلالية، ويؤنبانها على أي تصرف يعدلانه بعنف، ويعملان على أن تكون سلبية ضعيفة هادئة مطيعة وخدومة لأخيها الذكر داخل الأسرة وخارجها، في حين يتركان لأخيها حرية الكلام والتصرف ويشركانه في الحديث ويسمحان له باللهو والجري بين الطاولات وتسلق الأشجار، ما يؤثر كثيرا على الحالة النفسية للفتاة، ما يمكن أن يسفر عن نتائج خطيرة. المشهد رقم 2 الجزء 4 ظاهرة اصطحاب الكلاب الشرسة من الظواهر التي أصبحت تعرف انتشارا واسعا بين الكثير من المغاربة من جميع الطبقات، موضة اصطحاب الكلاب الضخمة الشرسة أثناء تجوال أصحابها في الشوارع والحدائق العمومية، وفي دروب الأحياء السكنية، وهو تقليد للثقافة الغربية يراد به تجاوزعقدة نفسية مفادها أن أصحاب هذه الكلاب من طينة غير طينة سواد الناس وعامتهم ولا بد أن تميزهم الكلاب عن غيرهم و والخطير في هذه الكلاب المقتناة، أن أغلبها كلاب ضارية شرسة مخيفة المظهر عالية القامة قوية البنية ثقيلة الوزن، منتفخة الفكين و لا تستعمل عادة إلا في الأغراض العسكرية أو البوليسية لشدة بطشها بمن ظفرت به بعد هجومها الشرس، وهي في الغالب من نوع" بويربول" و "مولوس" و " بوربولس" و " صطافورد" و "وروطوبلير" و" بيت بول " والتي تصل قوة فكي كل واحد منها إلى 500 كلغ، والأخطر من كل ذلك أن غالبية الذين يصطحبون تلك الكلاب الخطيرة على سلامة المواطنين في غالبيتهم مراهقون لا يتورعون عن تحريض هذه الحيوانات الضارية على الهجوم على أترابهم أو على المارة الأبرياء، كما أن بعض تستعملها للسطور والجريمة.. وقد صدرت قوانين في أوروبا لمنع هذه الكلاب الشرسة لخطورتها على الناس، وأن ولاية الدارالبيضاء قد أصدرت في وقت ما قرارات بمنع امتلاكها، فمتى يعمم ذلك المنع بباقي المدن الأخرى.. المشهد 3 الجزء 4 انتشار الكذب كثيرة هي الشعارات والعناوين التي نُطلقها ونتظاهر بالالتزام بها دون أن يكون لنا نصيب كبير منها، إذ أنها في الحقيقة شعارات فارغة وخالية من المضامين التي توحي إليها، لأنها تنم عن عادات المجتمع وتقاليده أكثر من أي شيء آخر، ففي الواقع نجد أن السياسيين الذين يتغنون بهذه الشعارات البراقة ويطربون مسامعنا بذكرها، هم -أو على الأقل شريحة عريضة منهم- من أكثر الذين ينتفضون في وجهها، ومن أشد الناس جرأة عليها ومخالفة لها، وبالخصوص إذا كان تطبيقها يتم في غير صالحهم، فحالهم كحال غيرهم من عامة الناس لا يختلفون عنهم بشيء يذكر، هذا إذا لم يكن أسوأ، !حتى بات جل السياسيين، يعتبرون الكذب نوعا من الذكاء الاجتماعي، والنفاق منهجية للتكسب والارتزاق، وسرقة المال العام مشاريع للاعتناء الفاحش. ولو أنت شخصت واقع الكذب في الحياة السياسية، وخاصة مع تضعضع منظومة القيم الأخلاقية، وندرة معايير الفرز الوطني، التي تقدم عنصر الكفاءة المهنية، ومبادئ تكافؤ الفرص على المقاييس الحزبوية والفئوية والعشائرية الضيقة، فأوّل ما يواجهك من مظاهر العهر الاجتماعية كثرة التلوّنات السياسية والتحوّلات في الموقف ونسبية المبادئ والادّعاء وملء القصور العلميّ بالكلام الكثير وطغيان الشكل على الموضوع، والتمترس خلف القناعات الكاذبة وخلف الوجه والاحتماء بالأخلاق لحماية الموقف والكسب، ولوجدت أنها سلوكات مستشرية في كافة المنتديات والمجالس والعلاقات والمعاملات وكل مناحي المنظومة الحياتية، التعليمية، والأسرية، والاقتصادية، والاجتماعية والسياسية. وقلما يسلم منها الصغير والكبير، الذكر أو الأنثى، وأن الناس يدورون - بين مقل ومستكثر- في حلقة الكذب المفرغة التي أصبح بضاعة رائجة يكاد الواحد منا أن لا يفرق بين الصادق والكاذب، وإذا وجدنا شخصا صادقا عاملناه على حذر لكثرة الكذابين، فالكل يكذب على الكل وعلى النفس، في الطفولة وفي الشيخوخة. هذه صور حياتية من صنع أيدينا.. وهي نتاج ثقافة مجتمعية سيطرت عليها العادات والتقاليد والأعراف التي- مع السف- تتمسح جلها بالإسلام وتدّعي زوراً انتسابها إليه، وانتماءها لأحكامه وتعاليمه. صور من ألبوم حياتنا يحوي مئات الألآف من الصور التي نصنعها بأيدينا وننحتها بأدواتنا ونتمسك بها حد العبادة، ما يعطي الفرصة للآخرين لتوظيفها في مهاجمة إسلامنا والطعن فيه وإرهاب المُتعاطفين معه للابتعاد عنه والتخلي عن دعمه أو حتى الدفاع عن حقوقه. ولا أدري هل سنستفيق من سباتنا ونراقب تصرفاتنا، ومتى نرجع جميعاً لديننا الحق ونقتدي بسيد الخلق نبينا عليه أفضل الصلاة والسلام قدوتنا في هديه وسلوكاته وتعاملاته وفي أخلاقه.. ولن يتأتى ذلك إلا بالتوعية الفاعلة والحقيقية، التي تخلق في المجتمع روح المسؤولية، لمواجهة كل الإعوجاجات السلوكية التي تخطف منه الفرحة والعذوبة، وتطارد من حوله الجمال والحق والبهجة وتغتال الحب، لذلك أرجو من كل القراء الكرام أن يخبرونا بالظواهر السلبيه التي يلاحظوها منتشره وتضايقهم فعليا. وسوف نختار بإذن الله أكثرها خطورة ... وسنتناولها بالبحث سويا كمجتمع واعي . وبعد أن نصل إلى مقترحات لحل هذه الظاهرة نتوالى في معالجة باقي الظواهر إن شاء الله ودمتم في حفظ الله من كل المنغصات. [email protected]