في الطريق الرابطة ما بين طنجة وتطوان تستوقفك الكثير من المشاهد المؤثرة ، مشاهد رغم قساوتها ينطبق عليها المثل القائل " ما خفي كان أعظم " طيلة آمتطائي لحافلة مهترئة (برويطة) كانت مشاهد بعض الإنهيارات الطنية بادية للعيان بفعل الأمطار الغزيرة التي تعرفها الجهة هذه الأيام، حيث سقطت بعض الأشجار والتي صادفنا سقوط إحداها على سيارة من نوع هوندا ،قبل أن تتدخل شرطة الدرك الملكي لإزالة الشجرة وإخلاء الطريق من السيارة ، بينما غمرت الأتربة أجزاء أخرى من الطريق ودفنت بعض لواحات ترقيم السرعة. كان الجو باردا جدا وكنت أسرح بين منظر الغابات المترامية الأطراف وصور المرواح الكهربائية الضخمة التي بدا بعضها معطلا ومتوقفا عن الدوران ، إذ ذكرني المشهد بتلك المرواح التي كنا نصنعها أيام البؤس والفقر من قنينات الزيت سعة 5 لترات ونسابق بها الريح لكن مرواحنا كانت بسيطة للغاية لا تكلف شيئا وحين نتعب نلقي بها في القمامة لأنها آستنفدت طاقتنا بالركض لكن مرواح المكتب الوطني للكهرباء التي تقف بشموخ في الجبال على طريق طنجة/ تطوان آستنفدت ملايين الدراهم من ميزانية الدولة وتعطل بعضها وتُرك هكذا كديكورات بدون إصلاح فضاعت ربما مئات الميغاوات ... والحقيقة أنني لم أعر آهتماما لتلك المرواح الضخمة المعطلة بقدر ما صدمتني بعض المشاهد الحزينة لأناس بسطاء لا نختلف عنهم في شيء وإن كان بؤسنا هو نفس بؤسهم ، فمع توغلنا أكثر على الطريق كنت أشاهد وألمح عن قرب شبانا من كلا الجنسين وأطفالا ونساء بؤساء جدا ، يرتجفون من البرد بملابس بالية مهترئة وهم يبيعون نبات الدوم (الجومار ) وكان منظرهم أقرب إلي أشباح بشرية منها إلى كائنات ادمية بعدما ظهرت عليهم أعراض الهزال والضعف ، فقلت أسفا " واك ...واك ...على التنمية البشرية " قبل أن اضيف " قبح الله الفقر". وصلت إلى مدينة تطوان أو الحمامة الحزينة كما أحب أن اسميها كان البرد يلف أطرافي ويكاد يجمدني، بدا الجو غائما وساكنا سكون الموت، لم يكسر هذا السكون سوى صوت زميل يسخر من لكنة التطوانيين بعد أن لمحني ألعب بتفاحة فقال لي ساخرا " بزّعة...بزّعة ...أصاحبي ..." آبتسمت له لأني لا أريد خسران التفاحة بسحقها بين يدي . جهة الشمال المغربي هذه الأيام تعرف فيضانات وأياما عصيبة وآنقطاعات متكررة للطرق الوطنية لكن المستغرب هو الصمت الذي مارسته بعض الصحف ووسائل الإعلام التي تسمي نفسها بالمستقلة ونخص تلك التي تتغني بالمصداقية والرأي الحر لأنها آكتفت بالقصاصات وبعض الإشارات دون الغوص أكثر في مأسي الناس، وأكبر هذه المآسي مآساة شفشاون حيث آنهارات العديد من الدور وتشرد أصحابها بالكامل وظلوا لأيام جائعين ومحاصريين " دوّار بني غرمان... ودوّارتورات... ودوّار القلعة..." هذه القرى مسحت بشكل شبه كامل ولم تتمكن وسائل الإعلام من تغطيتها كفاية ولا من النفاذ إليها بفعل إنقطاع الطرق والإنهيارات الطينية ... لكن يبدوا أننا في بلد رغم كوارثه الكثيرة لا زال البعض يرفض تبليغ الحقائق لمن يهمهم الأمر ربما آنتظارا لكارثة أعظم . االله أعلم . [email protected]